راغدة درغام هي امرأة لبنانية فريدة من نوعها، رفعت اسم بلادها عاليا، ومثلت ارثا ثقافيا نفتخر به. دخلت الى عالم الرجال من الباب العريض، فاخترقت حاجز التمييز بحنكتها الصحافية، وخبرتها الطويلة، وكفاءاتها العالية. وأثبتت على مر السنوات، أنها قادرة على تحقيق الانجازات المحلية، الاقليمية والعالمية، فلمع اسمها في المحافل السياسية الدولية، حتى بات قلمها مرجعا أساسيا، يتميز بالمصداقية والأمانة والذكاء.

تابعت راغدة درغام دراستها الجامعية في الولايات المتحدة، وبدأت بالعمل في جريدة "الحياة" في نيويورك منذ العام 1989. وهي اليوم من النساء القلائل في مجال النقد والتحليل والتعليق السياسي على مستوى دولي، فتستضيفها قنوات تلفزيونية وإذاعات عالمية مثل "CNN"، و"CBS"، و"BBC"، كما تكتب الافتتاحيات لعدد من الصحف العربية والأميركية، مثل "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست".

"الاقتصاد" التقت مع مديرة مكتب جريدة "الحياة" في نيويورك، وعميدة الصحافة الدولية في الأمم المتحدة، ومؤسسة "Beirut Institute"، الصحفية والمحللة السياسية راغدة درغام، للحديث عن مقومات النجاح، وعن ضرورة وجود المرأة في الحياة السياسية اللبنانية.

- ما هي برأيك الصفات التي ساهمت في نجاحك المهني؟

أهم الصفات هي المثابرة، والتدقيق في الخبر وخلفيته، وفهم الحدث وتقديمه بأمانة وذكاء ومسؤولية. اذ أعتقد أن الصدقية هي أهم عامل في مهنة الصحافة، كما أن أصول المهنة ضرورية جدا للاستمرار في هذه المجال.

هناك عدد كبير من الأشخاص الذين لم يتعلقوا بأصول المهنية، بل حاولوا القفز عليها، ووجدوا أنفسهم على رصيف المسيرة المهنية وليس في عمقها.

- كيف تصفين راغدة درغام على الصعيد العملي؟

أنا امرأة مثابرة ومصرة، ولا أقبل الرفض بسهولة. كما أتمتع بالصفة الأساسية لكل صحافي، وهي الفضول للتعرف على الأحداث، والتدقيق بها وفهمها.

- ما هي العوائق التي هددت مسيرتك المهنية؟

واجهت بعض العوائق التقليدية، فصناع القرار، والحكومات، والمسؤولين لديهم من يحميهم من المساءلة، لذلك فإن قدرة الوصول اليهم ليست سهلة. وبالتالي على الانسان أن يثابر دوما بعزيمة واصرار للوصول الى هدفه، وبهذه الطريقة سوف يتخطى كافة العراقيل.

أما كامرأة، فكلنا نعلم أن المرأة تواجه تحديات أكبر وطريق أصعب من طريق الرجل في هذا المجال، وخاصة اذا كانت صحافية تكتب وتحلل السياسة الدولية، وتحاور القيادات العالمية. لذلك كان علي التغلب على هذا الأمر، لأنني لم أحصل على أي شيء "على طبق من فضة"، بل وصلت "بعرق جبيني"، والتزامي بأصول المهنة، والمثابرة. كما قررت وعقدت العزم أنني أستطيع الوصول بكفاءاتي وليس بأي طريقة أخرى.

- هل كان "الرجل" داعما لمسيرتك المهنية؟

في بداية مسيرتي، حظيت بدعم كامل من والديّ، ولقد صادفت في حياتي عددا كبيرا من الرجال الملهمين والأصدقاء الذين ساعدوني وشجعوني، ولم يقفوا يوما في طريقي؛ وهذه هي الحياة، هناك من يعمر وهناك من يهدم.

لذلك لا أستطيع القول أنني وصلت بسبب تحدي وكره الرجل، بل على العكس، عملت على اثبات نفسي وقدراتي، وشق طريقي الى مجال يسيطر عليه الرجل؛ وعلمت منذ اليوم الأول أن هذا الأمر صعب للغاية. وبالتالي تصرفت مثل الرجال في بعض الأحيان، لكي لا يقف الموضوع "التمييز" عائقا أمامي، كما عملت على أساس محو التمييز الجندري، وزاحمت الرجال كما يزاحمون بعضهم البعض.

- ما هي تطلعاتك ومشاريعك المستقبلية على الصعيد المهني؟

أنا أحب كثيرا كتابة مقالي الأسبوعي في جريدة "الحياة"، وأرتاح لهذا العطاء، كما أعتبره أمرا أتشوق اليه. وعندما أنتهي من كتابته، أشعر أنني قدمت أمرا مهما وجديدا، يشكل استمرارية لعلاقتي مع القارئ والمشاهد أيضا، لأن العديد من القنوات التلفزيونية تعلق عليه وتحلله.

كما أنني سعيدة للغاية لوجودي مع أسرة "الحياة"، لأن علاقتنا مهنية وعائلية، ولولا دعمهم المهني، لما تمكنت من الوصول الى هذا النجاح، اذ تقبلوا طريقتي في طرح الأسئلة، ومنحوني حرية التعبير.

والى جانب عملي الصحفي، أنشأت مؤسسة فكرية للمنطقة العربية اسمها "Beirut Institute"، وهذا الأمر يشكل تحديا جديدا بالنسبة الي، لكي أعيد اختراع نفسي، وأستمر في التجدد والسير الى الأمام.

ولا بد من الاشارة الى أن علاقتي متينة جدا مع منشورات عدة، ولطالما كانت علاقاتي المهنية مشجعة. لذلك لنرى الآن ماذا يخبئ لي المستقبل.

- هل تؤيدين اقرار الكوتا النسائية في المجلس النيابي؟

أنا أؤيد الكوتا بشدة، وأطالب بها وأصر عليها، لأن المرأة في لبنان لن تنطلق في العمل السياسي الا من خلال هذه المرحلة الانتقالية، اذ ليس من الممكن أن تلحق بالرجل بدونها. وبعد أن تحصل على حوالي 35% من المقاعد، نستطيع الغاء الكوتا.

وأنا أستغرب النساء اللواتي يعارضن الكوتا، ويعتبرن أنها اهانة، وأتوجه لهن بالقول أن الاهانة هي غياب مكان المرأة في التمثيل السياسي.

راغدة درغام: وجود المرأة ضروري للتطور الاقتصادي ولمنع التطرف الاجتماعي

- ما هي نصيحة راغدة درغام الى المرأة؟

أحب أن أتوجه بالرسالة الأولى الى الفتاة اللبنانية التي لا تزال في طور النمو، وأقول لها "لا تخافي وكوني جريئة. لا تخافي من الحلم والفعل، ولا تخافي من أقوال الناس، بل ركزي على ما تشعرين به تجاه ذاتك. فكري باحترامك لنفسك، وبما تريدين أن تصنعي من نفسك".

أما بالنسبة الى المرأة، فلا بد من القول أنه من المفيد أن تكون جميلة، وأنيقة، وربة منزل، وناشطة في الحياة الاجتماعية، ولكن من المفيد أيضا أن تطالب بحقوقها القانونية. فالأم، والزوجة، والأخت هي أول محطة لمنع التطرف. كما أن وجود المرأة ضروري للتطور الاقتصادي، ولمنع التطرف الاجتماعي، ولتربية أجيال تتشوق للقيام بأمور جميلة لمستقبل البلاد. لذلك أقول لها: "لا تخافي، بل تجرأي وقولي أنني أستطيع التفكير فقط. فصنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليس للرجل فحسب، بل هو واجب على المرأة، وليس فقط حق لها، وبالتالي أتمنى أن تأخذ بعين الاعتبار واجباتها كمواطِنة، لأن المواطَنة مسؤولية مهمة، وواجب أساسي".