هناك صورة روتينية كئيبة تشكلت حول البيانات الشهرية للاقتصاد ​الصين​ي. فقد نشرت بكين أرقاما سلبية أثارت الدهشة وجعلت المحللين يقللون توقعاتهم بشأن النمو. وانتظرت الأسواق حابسة أنفاسها كي يتسجيب صناع السياسة ويتخذوا إجراءات تحفزية سريعة.

وبينما يتمسك الاقتصاد الصيني بمستوياته المرتفعة بصورة أفضل مما كان عليه الحال خلال الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في نهاية عام 2008، إلا أن التوقعات كانت تشير إلى أداء أفضل من مجرد التماسك في هذا الوقت، الذي كان مفترضا أن يكون فيه الاقتصاد في خضم انتعاش تام.

عوضا عن ذلك فإن انخفاض الإنتاج الصناعي، وانهيار نمو التصدير عاما بعد آخر حتى بلغ 1 في المائة في تموز (يوليو)، وعمليات الاقراض البنكي الفاترة، جميعها كانت نقاطا ضعيفة لم تساعد على التعافي وتأتي عند مستوى أقل مما يأمله المستثمرون. وقال شوانج دينج، الخبير الاقتصادي في سيتي بنك: "يميل الناس إلى الإفراط في التفاؤل بشأن قدرة السياسة على التأثير في الاقتصاد الحقيقي، خاصة في ظل الرياح الخارجية المعاكسة".

وتحولت الصين إلى سياسة مؤيدة للنمو خلال حزيران (يونيو) الماضي، عندما قامت بتخفيض معدلات الفائدة لأول مرة منذ ما يقارب أربعة أعوام، ثم أتبعت ذلك بخفض آخر خلال أقل من شهر.

وقال محللو بنك باركليز إنهم حددوا حالتين من المخاطر عند الخط الأساسي لتوقعاتهم بشأن التعافي خلال النصف الثاني من العام، تتمثلان في مزيد من المشكلات الخطرة التي ستواجهها أوروبا، وفي دعم سياسي محلي غير كاف. وكتبوا إلى عملائهم مذكرة جاء فيها: "إن التطورات التي شهدها شهر تموز (يوليو) على الصعيدين الخارجي والداخلي تشير إلى أن هناك خطرين سيظهران".

كذلك توجد إشارات إلى حالات إنفاق ضعيفة تعكس صدى إجراءات تحفيز كبيرة تمت في أواخر عام 2008. وقال وين جياباو، رئيس وزراء الصين، في بداية الشهر الماضي إن الاستثمار أمر ضروري لترسيخ النمو، مبرهنا على كلامه بسلسلة من القرارات الحكومية المحلية، مثل ما حدث في شانجشا في وسط الصين والتي امتدت حتى جويزهو في الجنوب حيث تم الإعلان عن خطط إنفاق ضخم. وكان من غير الواقعي أن تتوقع البلاد تحركا نحو طفرة فورية، إلا أن الكثير من المحللين يعتمدون على هذا الثبات حالياً. وفي هذا الشأن فإن واحدة من أكبر خيبات الأمل التي تضمنتها بيانات تموز (يوليو) كان ما يتعلق بإنتاج المصانع: فقد تباطأ معدل النمو السنوي لينخفض من 9.5 في المائة إلى 9.2 في المائة، ما يعني أن الظروف الصناعية لا تزال مستمرة في التدهور. وقال تشين جيانجوانج، الخبير الاقتصادي في مؤسسة ميزوهو للسندات: "لا تزال سرعة استجابة الحكومة غير كافية لإيقاف التدهور الاقتصادي". وأضاف: "نعتقد أن إتخاذ إجراءات سياسية أكثر جرأة أمر ضروري لإعادة الاقتصاد إلى مساره".

وأدى انخفاض الصادرات إلى المزيد من الضغط على بكين. وخلال السنوات الخمس الماضية قلل الاقتصاد الصيني بصورة مضطردة من اعتماده على الصادرات. لكن الصناعات الموجهة نحو التصدير لا تزال مهمة، فهي تقوم بتوظيف عشرات الملايين من العمال. وتأمل الحكومة في أن يساعد ذلك في توفير بعض الحماية ضد الطلب المحلي الواهن.

وبدلا من ذلك فإن الصادرات أصبحت في خطر أن تصبح معوقا للنمو الاقتصادي، حيث انخفضت إلى 1 في المائة خلال تموز (يوليو) بعد أن كانت 11.3 في المائة في حزيران (يونيو).

والسؤال الأهم الآن هو ما إذا كانت خيبات الأمل هذه التي شهدها تموز (يوليو) ستحفز صناع السياسة في الصين للكشف عن المزيد من التسهيلات النقدية والإنفاق المالي. ويعتقد بعض المحللين أن البنك المركزي سيتصرف سريعا، وربما لا يتجاوز ذلك نهاية هذا الأسبوع، ليخفض نسبة الودائع التي كان على البنوك التجارية الاحتفاظ بها كاحتياطي، وهذا ما سيسهل لها عملية الاقتراض. لكن ربما لا يكون الأمر بهذه البساطة. فمع انخراط الحزب الشيوعي الحاكم هذا العام في عملية تغيير القيادة التي تتم مرة كل عشر سنوات، سيكون التركيز على السياسة أكثر منه على الاقتصاد. وكان سونج يو، الخبير الاقتصادي في جولدمان ساكس، أمينا حين اعترف بحدود قواه التنبؤية في هذا المرحلة من الدورة السياسية قائلا: "إن مستوى عدم وضوح السياسة أعلى من المعتاد".