ماريتا فرام هي امرأة مثابرة ومميزة على كافة الأصعدة، أثبتت على مر السنوات، أنها قادرة على تحقيق النجاحات والانجازات مع خمسة أولاد في المنزل، و2000 ولد في الجمعية التي ترأسها، فاستطاعت أن ترسم قصة نجاح، وتكون بذلك قدوة لكل لبناني ولبنانية.

حازت مؤسسة جمعية "جنة الأطفال" (Paradis D’enfants)، ماريتا فرام، على اجازة في التصميم الداخلي من كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية في "جامعة الروح القدس – الكسليك"، "USEK". أسست عام 1994، مستوصف في منطقة حارة صخر، كما أطلقت في 1997، جمعية "جنة الأطفال" التعليمية، بالتعاون مع رابطة أصدقاء المدرسة الرسمية ومؤسسة جورج افرام، وفي 2000 جمعية حماية المواقع الطبيعية والمباني القديمة في لبنان، "APSAD".

نشاطها الفعال أتاح لها أن تكون جزءا من جمعيات وهيئات ومؤسسات، عدة مثل "الهيئة العليا للمؤسسة الاجتماعية المارونية – البطريركية المارونية"، واللجنة العليا للطفولة في وزارة الشؤون الإجتماعية، و"الحركة العالمية للأمهات"، ونادي فاريا للتزلج.

فرام تحدثت عن مسيرتها المهنية في العمل الاجتماعي، ورؤيتها لواقع المرأة في المجتمع والسياسة، في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

- أين كانت البداية ومتى؟

تخصصت في مجال الهندسة، لكن بعد أن تزوجت وأنجبت الأطفال، وجدت أن العمل في نطاق التعليم وثقيف المجتمع اللبناني، خاصة في سن مبكرة، هو ذات أهمية أكبر من العمل في الهندسة. لذلك تطوعت في البداية، في مدرسة أولادي، وعملت بعدها مع الوزير جورج فرام في "أصدقاء المدرسة الرسمية". فتبين لي أنه اذا أردنا أن يصل المجتمع اللبناني، وخاصة جيل الشباب، الى مراحل متقدمة في التعليم، علينا التركيز والاهتمام بالتعليم الابتدائي وبمرحلة ما قبل الابتدائي. وهكذا افتتحنا مدرسة صغيرة في الحي، وبدأنا في العام 1997 مع 33 تلميذ، واليوم لدينا 3 مدارس، تحتوي تقريبا على 2000 تلميذ، ونسبة النجاح فيها كبيرة.

ولقد توسعت هذه المدرسة لأنها استهدفت الولد الذي لا تسمح له أوضاعه العائلية بأن يتعلّم في مدرسة خاصة، كما أن المدرسة الرسمية لا تستطيع أن تقدم ما يتيح له النجاح في المستقبل.

ولا بد من الاشارة الى أننا نركز بشكل كبير على ثقافة الولد، وعلى حس المسؤولية لديه، والشعور بالمواطنية، وذلك من خلال منهج خاص بمدرستنا.

- من أين حصلت على التمويل اللازم لاطلاق المدرسة الأولى؟

في البداية حصلنا على المبنى من "راهبات القلبين الأقدسين"، بالاضافة طبعا الى العديد من المتطوعين، مثل "مؤسسة فرام" التي كانت ولا تزال من أكبر الداعمين لـ"جنة الأطفال". ومع الوقت كبر المشروع وتوسع، اذ هناك الكثير من الأشخاص الذين يؤمنون بالعلم والثقافة وبأهميتها للمجتمع اللبناني.

- على مر السنوات، ما هي العوائق التي تعرضت اليها في عملك؟

أولا كنا بحاجة الى ايجاد مكان لاستيعاب كافة الطلبات التي تصل الينا. وثانيا لطالما واجهنا صعوبة في التمويل، مثل كل المنظمات غير الحكومية العاملة في لبنان، وذلك بسبب غياب الدعم للجمعيات من قبل الدولة، وبسبب الحالة الاقتصادية السيئة في البلاد، اذ بات المجتمع اللبناني لا يمتلك الامكانيات المادية التي كان يتمتع بها خلال السنوات الماضية.

- هل تعرضت يوما الى أي تمييز في اطار العمل لمجرد كونك امرأة؟

أعتقد أن قدرات المرأة أو الرجل تظهر من خلال النتائج، واذا لم يعمل الانسان بجدية، لن يصل أبدا.

ولكن على الصعيد الشخصي، لم أواجه يوما هذا النوع من التمييز، فنتائج المدرسة ونجاح تلاميذنا، واستمراريتنا، تتكلم عني وعن كل الأساتذة والمسؤولين في المدرسة. ونحن لدينا اليوم حوالي 160 موظف، 92% منهم من النساء، وبالتالي فإن نجاح هذه المدرسة هو بسبب المرأة، علما أن وجود الرجل كان سينجحها أيضا، لكن المرأة تأخذ بالعادة الحصة الأكبر من قطاع التعليم.

- ما هي برأيك الصفات التي ساهمت في نجاحك على الصعيد العملي؟

نحن نعمل لخدمة مهمة معينة، وأنا مقتنعة بأنه علي تكريس حياتي وقدراتي في سبيل هذه المهمة، التي تهتم في تأسيس الطفل، لكي يصبح شابا ناجحا، ومواطنا صالحا، ويتمكن من إعمار بلده؛ وهذا ما يحفزني على العطاء الكامل. فنحن نبحث دوما عن الأفضل، ونعمل كثيرا مع الأهل، ولقد تبين لنا من خلالهم، ارتياحهم الكبير بعد أن تمكنوا من تأمين لأولادهم التعليم الذي يتيح لهم النجاح في المستقبل.

- ما هي مشاريعك وتطلعاتك المستقبلية؟

منذ حوالي سنتين، أسسنا مكتبا لكل التلاميذ الذين يغادرون "جنة الأطفال"، من أجل متابعتهم لكي لا يتركوا المدرسة، وبالتالي نواكبهم لكي يحصلوا على شهادة البكالورويس، ويصلوا الى الجامعة، ويكتسبوا شهادة تتيح لهم النجاح في المستقبل، وتغيّر طريقهم ومسيرة حياتهم.

هذا المكتب يتابع كل ولد ويوجهه ويساعده على الوصول الى خط النهاية، ولقد تعاونا مع كافة المدارس الثانوية والخاصة والمهنية، لكي نحرص على أن يتواجد أولادنا في المكان الملائم. وتبين لنا أن كل التلاميذ الذي غادروا مدرستنا أكملوا الدراسة، و6% فقط على عدد 900 تلميذ تخرجوا من مدرستنا خلال العام الماضي، تركوا المدرسة، فيما الباقي أكمل مسيرته التعليمية. وهذا الأمر يشجعنا على تقديم المزيد، والتمسك أكثر بالمهمة التي نقوم بها.

كما لدينا المكتب الاجتماعي الذي نطلق عليه اسم "centre d’ecoute"، والذي يستمع الى مشاكل الأهل ويساعدهم على حلها، بالاضافة الى تقديم التوعية والمحاضرات، لكي نؤمن للولد في منزله جوا ملائما يساعده على النجاح. هذا المركز يحتوي على مساعدة اجتماعية، ومعالج نفسي، وطبيب نفسي (psychopedagogue)، يتابعون العائلات التي تعاني من المشاكل. ولقد ساعد العديد من التلاميذ على الاستمرار، وتخطي مشاكلهم في المجتمع، والنجاح في مسيرتهم.

أما المشروع الثالث فيتمثل في دعم التلميذ الذي لا ينجح وحده، فبعض العائلات لا تستطيع تأمين دروس خصوصية لأولادهم بعد الدوام المدرسي، بسبب التكلفة المرتفعة، لذلك نعطي الدروس بعد الظهر للتلاميذ الذين لا يتمكنون من الدراسة في منازلهم، كما أننا أضفنا الى منهج قبل الظهر نظام للمعالجة، يكون بمثابة دعم للتلاميذ الذين لا ينجحون.

نحن نعمل على هذه المشاريع الثلاثة منذ 4 سنوات، وهي تساعدنا على رفع نسبة النجاح في مدرستنا.

- كيف تمكنت من التنسيق بين عملك وعائلتك؟

واجب كل امرأة بالدرجة الأولى هو عائلتها، لذلك عندما بدأت بالعمل الاجتماعي، كان عملي محصورا بسبب واجبات الأمومة، وبالتالي لم أباشر بالأعمال الكبيرة التي تتطلب وقتا طويلا، مثل المشروع الذي أعمل فيه حاليا، الا بعد أن أصبح أولادي مستقلين، ويستطيعون أن يدرسوا وحدهم. فأنا أم لخمسة أولاد، وأشكر الله على نجاحهم جميعا؛ اذ كنت قبل الظهر أعمل للمدرسة، وبعد عودة أولادي أتواجد معهم في المنزل، وأواكبهم، وأقوم بكافة واجباتي تجاههم. فالأولوية بالنسبة الي هي لواجبات منزلي وعائلتي، وفي المرتبة الثانية يأتي عملي.

اذ على المرأة أن تعرف كيف تحقق التوازن في حياتها، وتنظم أوقاتها لكي تتمكن من النجاح في العديد من الأمور، لأنها تتمتع بقدرات واسعة وكفاءات عالية.

- على صعيد حقوق المرأة، كيف تصفين وضع النساء في لبنان اليوم؟

حقوق المرأة اللبنانية لم تتحقق بعد، علما أنها تتمتع بمعطيات كثيرة، كما أن غالبية الجمعيات في لبنان الفاعلة على الأرض، على رأسها امرأة.

فالمرأة لديها عطاء كبير، وتقدم خبراتها بطريقة ناجحة لأنها تستطيع التنسيق بين انسانيتها واحترافيتها. لكن دورها في الحقل السياسي هو للأسف غائب، والى حد اليوم لم يساعدها أحد، ولم تفتح أمامها الأبواب لكي تصل. ونحن لا نزال من البلدان المتأخرة من هذه الناحية بالمقارنة مع الدول العربية. فالنساء اللبنانيات لم يحصلن الى حد اليوم على حقوقهن، بالرغم من أن المرأة تشكل عامود الأساس في المجتمع.

- كيف تقيمين دور الرجل في حياتك؟

أنا أشكر الله لأن والدي ربانا بانفتاح ومساواة، وكذلك الأمر مع والدتي. اذ تربينا على تحمل المسؤولية، لكي نتمكن من النجاح، وإمساك مستقبلنا في أيدينا. وهذا الأمر عزز ثقتي بنفسي، وشجعني على المبادرة في العمل الاجتماعي.

وعندما تزوجت، دخلت الى عائلة منغمسة في خدمة المجتمع، كما أن زوجي هو من الأشخاص المؤمنين بأن للمرأة دور فعال في الحياة. ولا شك في أن هذا الأمر ساعدني كثيرا على التطور والنجاح في المشروع التي أطلقته.

- نصيحة الى المرأة.

على المرأة أن تكون فعالة في المجتمع، وتتمتع بمسؤولية ودور كبيرين، لكن يجب أولا أن تعمل على انجاح عائلتها وأولادها؛ اذ نرى اليوم أن مجتمع الشباب يسير نحو الانحراف، وينسى أصوله وعاداته. ومع كل التطور الحاصل، والذي أراه ضروريا، هناك جذور يجب الحفاظ عليها، وهنا يأتي دور الأم التي من مسؤوليتها المحافظة على هذه الجذور، لكي تحافظ على نجاح أولادها. كما أن حضورها أمامهم مهم للغاية، لأن المرأة هي "عامود نار البيت"، واذا أرادت أن تكون على المستوى الفكري والتطوري ذاته، مع زوجها وأولادها، يجب أن تعمل دوما على تطوير نفسها، وتتعلم، وتدخل الى سوق العمل، لكي تواكب العصر وتتمكن من مواكبة أولادها.

وفي النهاية لا بد من الاشارة الى أن للمرأة دورا كبيرا في نجاح مجتمعنا اللبناني، لذلك يجب أن تأخذ على مسؤوليتها الخاصة هذا النجاح اذا أردنا أن نبقى في وطننا ونحافظ عليه.