لعلّ من أقدم السجالات بين البشر منذ فجر تاريخ الإجتماع الإنساني، هي تلك التي كانت تدور زمن مرحلة ​المقايضة​ بالسلع الزراعية أو برؤوس الماشية والخيل وما شابه ذلك، بين طرفيْ عملية المقايضة، وكِلاهما بائع وشارٍ في الوقت نفسه. ويُطلق عليها توصيفات شتّى: عملية المساومة، المفاصلة، المشاركة، والمكاسرة بالأسعار... ودام الأمر كذلك حتى بعد اختراع النقود المعدنية، ومن ثمّ الورقية. وهي مهارات تُستخدم فيها الفراسة والذكاء وخبرة السوق، وقراءة انطباعات الفريق الآخر لدوزنة خطّة البيع والشراء في صالح كل طرف.

ورغم انتشار ظاهرة ظاهرة تحديد الأسعار وإعلانها لكل سلعة، فما زالت مناروات البيع والشّراء سائدة في أسواق المجتمعات الشرقية. وبالمناسبة، فإنّ مبدأ تحديد أسعار بأرقام مكتوب عليها، هو ابتكار مُهاجر لبناني في القرن الماضي إلى البرازيل، افتتح مخزنًا تجاريًا ولا يُجيد لُغة القوم هناك، فتفتحت قريحته عن ابتكار كتابة الثمن على السلعة، وصار تقليدًا في المخازن الكبرى.

في مناورات البيع والشراء، تُستنفر كل المهارات والخبرات، وتكتيكات الكر والفر وحرب الأعصاب، بحيث يحرص كل طرف أن يكون الصيّاد الفائز والآخر الطريدة الدسمة.

الإيماءات ولُغة الجسد، فضلاً عن الذكاء العملي الذي راكمته الخبرة، تلعب دورًا هامًا في عملية الغبن أو عقيق الربح المجزي.

مجال البيع:

إنّ فك رموز لُغة الجسد أمر في غاية الأهمية بالنسبة للذين يعملون في مجال المبيعات، حيث ينبغي على البائع"Sales Man"أن يتعلّم تحليل ردود الفعل لدى الزبونأي المشتري، أو ما يمكن أن يغريه بالشراء، كي يستطيع إدارة عملية البيع بحذق يُفضي إلى إتمامها بنجاح.

على سبيل المثال، إذا أشارت لُغة جسد الزبون إلى ممانعة أو نفورٍ، أو حتى تبرُّمٍ مفاجئ من عملية الشراء على وجه الإجمال: تنقبض أساريره، يهزّ برأسه يُمنةً ويُسرةً، مع قلب شفته السُفلى وتهيؤٍ للانصراف أو إنهاء المقابلة. هُنا يتوجب على البائع أن يمتصّ هذه الحالة بمرونة ويحرص ألاّ يبدو عليه أي أثر للإنزعاج، ويُبادر من فوره إلى تغيير أسلوبه في البيع، ويخرج بتكتيكٍ جديد يطرحه بحذرٍ وهو يُراقب ردود فعل الزبون، فيستمر فيه إن أَنِسَ منه ارتياحًا، عبر قراءة ملامح وجهه وإشارات لُغة جسده الإيجابية، حتى يتأكد أن تقنية البيع التي يعتمدها صحيحة ومجدية وتوصل الصفقة إلى نهاياتها السعيدة.

لذلك يجب أن يكون البائع المحترف مسلّحًا بمجموعة من الخطط التي تتناسب مع مختلف أنماط الشخصيات والطبائع وأنواع ردود الفعل، وأن يتدرّب على ضبط النفس والصبر والحِلْم من أجل الوصول إلى الهدف المنشود. بل وأن يُشعر الزبون أنه سيظل"صديقه"سواءً اشترى منه السلعة أم لا. وأسوأ أنواع الباعة هو ذلك الذي ما أن يفارق الزبون- الطريدة، حتى يتنفس منه الصُّعداء حين"يحلّ عنه"كما يقولون!

مجال الشراء:

من المعلوم أن عملية البيع ثنائية الإتجاه، وهذا يعني أن المعرفة بلُغة الجسد تُفيد كِلا طرفيها البائع والمشتري على السواء، في مباراة يمكن للمشتري أن يستثمر فهمه لها في محاولاته لتخفيض الثمن الذي يطلبه البائع.

وتجري مناورة البيع والشراء التقليدية عادةً على النحو التالي:

-يحاول البائع البرهنة على صحّة وعدالة ثمن السلعة المعروضة.

-يحاول المشتري كسر السعر المعروض وتخفيضه إلى أدنى حدّ ممكن. هُنا يتوجب على المشتري مراقبة بدقّة ردود فعل البائع والإيماءات الجسدية التي تصدر عنه، وأن يتوخّى عدم الخلط بين الإيماءات والإنطباعات العفوية أو المصطنعة. فإذا لمس من البائع تصلبًا حازمًا، وملامح تؤكد ذلك، يتوجّب عليه، خصوصًا إذا كان معجبًا بالسلعة ويودّ صادقًا شراءها أن يستدرك على الفور، وبسلاسة، لتلطيف إصراره على مطلبه بغية الحصول في النهاية على سعر مقبول لكليهما معًا، وإلاّ فإن استمراره في الإصرار على الثمن الذي يرضيه تمامًا، قد يؤدي إلى إلغاء عملية الشراء كليًا، خصوصًا إذا كانت السلعة موضوع المساومة ليست متوفرة في المخازن الأخرى ومبذولة للجميع.

إنّ كل ذلك يتعلّق بحُسْن قراءة مفردات لُغة الجسد، إيماءاته وردود فعله اللاإرادية خصوصًا، عندها يكمن الخبر اليقين.