كشف تقرير الاستثمار العالمي للعام 2012 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عن ضآلة فضلا عن تراجع مستويات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول مجلس التعاون الخليجي ما يعد أمرا مقلقا. وجاء الأداء الخليجي بشكل عام مغايرا للتوجه العالمي والذي شهد ارتفاعا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة دوليا بواقع 17 في المائة في 2011 متخطيا حاجز 1.5 تريليون دولار.

 في المحصلة هبطت القيمة الكلية للاستثمارات الأجنبية الواردة للدول الست مجتمعة من قرابة 40 مليار دولار في العام 2010 إلى نحو 26 مليار دولار في 2011. وعلى هذا الأساس انخفضت الأهمية النسبية للاستثمارات الواردة لدول مجلس التعاون قياسا بالاستثمارات في العالم من 3.1 في المائة في العام 2010 إلى 1.7 في المائة في 2011. لا شك من شأن هكذا تراجع قرع جرس الإنذار في أروقة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض.

 وفي كل الأحوال حافظت السعودية على مكانتها كأكبر مستقطب للاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لمنطقة غرب آسيا لكن ليس كما كان عليه الحال حتى الماضي القريب. في التفاصيل هبطت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للسعودية من 28.1 مليار دولار في 2010 إلى 16.4 مليار دولار في 2011 ما يعني استمرار مسلسل التراجع. وكانت الاستثمارات الأجنبية قد حققت رقما قياسيا قدره 35.5 مليار دولار في 2009.

 وعلى هذا الأساس شكلت الاستثمارات الأجنبية الواردة للسعودية قرابة 34 في المائة من مجموع الاستثمارات الواردة لمنطقة غرب آسيا في العام 2011 متراجعة عن نسبة 48 في المائة والتي تحققت في 2010. تضم منطقة غرب آسيا دول مجلس التعاون الخليجي فضلا عن اليمن والعراق وسوريا والأردن وتركيا.

 وربما يتعين على السلطات السعودية تحسين القائمة السلبية لقانون الاستثمار الأجنبي عبر فتح المزيد من القطاعات أمام الاستثمارات الأجنبية خصوصا لقطاع الطاقة. المعروف أن السعودية أكبر منتج فضلا عن أكبر مصدر للنفط الخام في العالم ما يجعل القطاع النفطي محل استقطاب المستثمرين الدوليين.

 من جهة أخرى نجحت ​الإمارات​ في استقطاب المزيد من الاستثمارات وتحديدا 7.7 مليار دولار في العام 2011 قياسا مع 5.5 مليار دولار في 2010. وقد تحقق هذا التطور في ظل تحسن الوضع التنافسي للاقتصاد الإماراتي كما جاء في نسخة 2012 للكتاب السنوي للتنافسية ومصدره المعهد الدولي للتنمية الإدارية ومقره سويسرا.

 فحسب التقرير تقدمت الإمارات 12 مرة وبالتالي حلت في المرتبة رقم 16 على الصعيد الدولي لكن الثاني خليجيا وعربيا بعد قطر. حقيقة القول: يمكن تفهم الأسباب التي دعت المديرين التنفيذيين والذين تم استقصاء آرائهم للتقرير وتحديدا تقديرهم للبنية التحتية المتطورة في الإمارات. تكفي الإشارة إلى أن إمارة دبي الوحيدة بين مدن مجلس التعاون الخليجي والتي لديها نظام مترو ما يسهل عملية الانتقال من منطقة لأخرى في هذه المدينة العالمية. أيضا لا يمكن إغفال أمور مهمة حيوية تخدم الإمارات من قبيل وجود مطارات والعديد من شركات الطيران الوطنية فضلا عن الأجنبية التي تسير رحلات منتظمة إليها.

 كما حصلت الإمارات على المرتبة الأولى إقليميا والرابعة عالميا بالنسبة لمتغير سهولة ممارسة الأعمال في الكتاب السنوي للتنافسية المشار إليه سلفا. ويمكن تفهم الأمر نظرا لتركيز الإمارات بشكل عام ودبي بشكل خاص على قطاع الأعمال التجارية عبر تذليل مختلف الصعاب التي تواجه المستثمرين وفي ذلك خدمة لمختلف الأطراف. مؤكداً يستفيد الطرف الرسمي من الاستثمارات المحلية منها والأجنبية لأنها تساعد في حال بعض التحديات الاقتصادية الجوهرية مثل النمو الاقتصادي.

 إضافة إلى ذلك يعد أمرا لافتا نجاح البحرين في تعزيز حجم الاستثمارات الأجنبية الواردة من 156 مليون دولار في العام 2011 إلى 781 مليون دولار في 2010. وتعتبر هذه الزيادة أي خمس مرات الأفضل بين الدول الثلاث التي شهدت ارتفاعا في مستوى التدفقات الاستثمارية من الخارج. فضلا عن البحرين تمكنت كل من الإمارات والكويت من رصد نمو في قيمة الاستثمارات الأجنبية الواردة.

 طبعا المفارقة تسجيل نمو لافت في قيمة الاستثمارات الواردة في الوقت الذي خاضت البحرين تجربة سياسية وأمنية انطلاقا من الربع الأول من 2011. تتمحور مطالب الاحتجاجات بتعزيز الشراكة الشعبية في صنع القرارات من خلال المجالس المنتخبة وضمان الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والتوزيع العادل للثروة.

 وكان أداء العام 2010 أي تدفقات بقيمة 156 مليون دولار الأقل في البحرين منذ فترة ونتيجة لأسباب تشمل التأثر بالأزمة المالية العالمية من جهة والمنافسة الإقليمية من جهة أخرى. بالعودة للوراء وحسب إحصاءات أونكتاد استقطبت البحرين استثمارات أجنبية ضخمة في حدود 3 مليارات دولار في العام 2006 وهي السنة التي دخلت فيها اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة حيز التنفيذ.

 فيما يخص استقطاب الاستثمارات الأجنبية تشمل مواقع القوى بالنسبة للاقتصاد البحريني أمورا مثل توافر عمالة محلية متدربة وعلى معرفة باللغة الإنجليزية. لا شك يضاف لذلك إقرار السلطات لتشريعات في 2006 تضمن محاربة كافة أنواع الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية بغية كسب أصوات أعضاء من الكونجرس الأمريكي حتى يتسنى لهم تمرير اتفاقية التجارة الحرة.

 تعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة دليلا ناجحا على مدى قناعة المستثمرين الدوليين بأهمية الاستثمار في مختلف الدول وذلك بالنظر للآفاق المستقبلية لتلك الاقتصادات. بل يوجد تقدير عالمي لأهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة وقدرتها بالمساهمة في حل التحديات الاقتصادية المحلية مثل تطوير البنية التحتية وتعزيز المنافسة في السوق المحلية وإيجاد وظائف جديدة للمواطنين وتطوير التشريعات.

 الأمل بأن تساهم الاجتماعات الخليجية خصوصا القمة في البحرين نهاية العام الجاري بحث سبل تعزيز الاستثمارات الأجنبية خليجيا