قامت الـ"الإقتصاد" بفتح ملف النفايات بكافة جوانبه حيث تناولته من الناحية البيئية، السياسية والقانونية.

نقدم لكم اليوم الجزء الثاني المتعلّق بالشقّين السياسي والقانوني..

*توافق مشترك وفريد من نوعه بين القوى السياسية حول خطة النفايات المعتمدة

*​محمد قباني​: لا مشكلة في وضع المحارق قرب البحر ..

لم تبصر هذه الخطة النور من دون توافق سياسي من "اصحاب القرار" .. ولا يخفى على احد الإنقسام الواضح بين القوى السياسية والمناكفات العلنية في كافة الملفات.. لذا اتجهت "الإقتصاد" لكلا الطرفين.

Displaying قباني.jpg

Displaying قباني.jpg

وفي حديث خاص مع عضو كتلة المستقبل النيابية النائب محمد قباني  عبّر عن موقفه الداعم لاي حلّ لهذه الازمة. ورأى ان الخطة المعتمدة هي الحلّ الوحيد لهذه المرحلة لكي تُنفذ على المدى القريب والسريع. واوضح ان العمل على المدى الطويل والمستدام يبدأ بعد إزالة النفايات من الطرقات.

وردا على سؤالنا حول إمكانية إستعادة ثقة المواطن اليوم بالحلول والخطط المستدامة التي سئم من الاستماع عنها في المجالس فقط، علّق قباني "هذه مأساة لبنان.. على المسؤولين العمل على بناء جسر الثقة بين المواطن والدولة من جديد."

رغم ان كتلة المستقبل النيابية لها وقعا لا يُستهان به في البرلمان اللبناني فهي واقفت كالفريق المعادي لسياستها على خطة بعيدة كل البعد عن الحلول البيئية، لكن قباني وصف هذا الحل بالخطة التدريجية وشدد على ضرورة  وضع خطة للتنفيذ على المدى البعيد، موضحا انه في المستقبل سيتم إعتماد معامل للتسبيخ بالإضافة الى محارق، واسترسل "ولكن فلنبدأ الآن بالمطامر الصحية!"

وبرأيه "لا يوجد أي مشكلة في وضع المحارق قرب البحر، لأن المحارق اليوم تطورت بالتقنيات الحديثة." وعن اتفاقية برشلونة أسِف النائب لإدّعاء الجميع بالمعرفة وبأخذ دور الخبير البيئي موضحا انه حتى الآن لم يتبين اي مخاطر تهدد البحر."  

*​ياسين جابر​ عن تناقض الخطة مع اتفاقية برشلونة: النفايات كانت ترمى بكميات كبيرة في كلا المنطقتين منذ زمن!

ومن الفريق الآخر كان لـ"الإقتصاد" حديث خاص مع النائب عن كتلة الوفاء للمقاومة ياسين جابر الذي اعتبر ان الخيارات البديلة كانت صعبة ومحدودة... وهذا الحل هو الانسب من ناحية التنفيذ السريع.

ورأى ان إعادة فتح مطمر الناعمة على المدى القصير هو امر ضروري مستندا الى حديث وزير الزراعة اكرم شهيب في خطته الاولى الذي اوضح ان المطمر يتضمن خلية كبيرة تَسع حوالي مليون ونصف طن من النفايات.

وعن منطقة برج حمود قال جابر ان المكب قائم في المنطقة من الاساس. واضاف "ليس الهدف في برج حمود القيام بمطمر صحي بل ايضا معالجة ما في الموقع."  وتابع "النفايات كانت تجمّع في منطقة الكوستا برافا حتى من قبل هذه الخطة."

وفيما يخصّ تناقض الخطة المعتمدة مع إتفاقية برشلونة رأى جابر ان الخطة لم تغير شيئا فكيلا المنطقتين يتم رمي كميات كبيرة من النفايات فيهما منذ زمن.

*مستشار النائب سامي الجميل: نتائج المناقصة معروفة اما سيتم تلزيم "سوكلين" و"سوكومي" أو "سوكلين" وسوكومي" ولكن باسماء بديلة

وكان في البرلمان اللبناني فريق وحيد قد رفض هذه الخطة وهو فريق النائب سامي الجميل الذي اتجهنا الى مكتبه لنتعرف اكثر عن موقفه ودوافع هذا القرار.

وفي حديث مع مستشاره الذي لم يُصنّف ما يتم تطبيقه اليوم في ملف النفايات بـ"الخطة" بل اكتفى بالقول انها "قرار مبني على نية إنشاء محرقة كبيرة لبيروت الكبرى التي تضم بلدية بيروت واتحاد بلديات الضاحية بالإضافة الى ساحل المتن الشمالي وكسروان وكاشف ان سعتها ستُشكل 2000 طن باليوم الواحد وكلفتها الاولية ستتخطى الـ500 مليون دولار." واكد ان هذه المحرقة بحاجة الى 4 اعوام ليتم تركيبها، و دفتر شروطها بات جاهزا في مجلس الانماء والإعمار.

وبحسب المستشار اسباب رفض هذه الخطة تتجلى بنقاط اساسية، اولها ان الخطة المعتمدة حاليا مبنية على على المدى البعيد خاصة انها تقترن بفكرة المحارق التي تعتبر اسوء حلّ بيئي يمكن طرحه.

اما السبب الثاني فيتمثل بالكلفة المالية المرتفعة جداً، فتكاليف صيانة المحرقة وحدها تساوي 50 مليون دولار سنوياً مما يعني 75 مليون دولار ستدفعها الدولة اللبنانية لمدة 15 عام بحسب المدة المتفق عليها. وثالثا يؤكد المستشار ان كلفة الرقابة على نوعية الهواء باهظة جداً وصعبة التطبيق.

بالإضافة الى الشقيين البيئي والمالي بني قرار الرفض من الفريق عينه انطلاقا من مبدأ اللامركزية  الذي رأى المستشار انه ينطلق من ملف النفايات لاهميته الكبرى، واوضح ان الخطة المعتمدة حاليا تخالف المرسوم الاشتراعي الصادر في العام 1977 والذي ينص على تلزيم البلديات بإدارة نفاياتها، وارجح سبب تهميش هذا المرسوم الى وجود تستر على صفقات فساد قد يُمدد لها.

واعتبر ان خطة شهيب الاولى كانت الحل الأنسب لكل المكونات البيئية والديموغرافية، واستنكر تعارض الخطة المعتمدة حاليا مع إتفاقية برشلونة.

وعن مطمر الناعمة رأى الأخير انه في فترة معينة كان لا بدّ من إعادة فتحه لمدة محددة لانه الوحيد المؤهّل لهذه العملية ولكن الإعتراض الاساسي  يكمن في  الحلّ الذين يدعون انه مستدام! واضاف "بإمكانهم تبرير مطمريّ الناعمة والكوستا البرافا نظرا لكمية ولكن من يبرر وجود مطمر في منطقة الجديدة على البحر كمنطقة ضمن مشروع الإينور يتواجد فيها تجمعات سكنية وترفيهية؟"

وفي موضوع المناقصات قال "نحن على بينة انه لن تقدم اي شركة على مناقصة مثل هذه لسببين الاول تكليف مجلس الانماء والاعمار بوضع دفتر الشروط وإطلاق المناقصة دون العودة الى مجلس الوزراء، علما ان التجارب السابقة مع هذا المجلس غير مشجعة!" اما الثاني فهو عدم قدرة الشركات على الإلتزام بمناقصة مدتها 4 اعوام فقط وتكاليف التركيب فيها عالية جداً. واضاف " نتائج هذه المناقصة معروفة سلفاً إما سيشغلها شركتي "سوكلين" و"سوكومي" او "سوكلين" و"سوكومي" ولكن بأسماء بديلة!

واوضح المستشار ان الموقف الرافض ليس مبنيا فقط على فعل الرفض فالحل البديل والمستدام يعتمد على البلديات، ولا يتم عبر صرف اموال من الصندوق البلدي على المحارق اما الخطوة الثانية فهي عبر تشكيل لجنة اشراف معنية والتي كان من المفترض تشكيلها من 9 ايلول 2015.

وشدد "لم نعرقل هذه الخطة رغم اعتراضنا عليها لأن بالعودة الى القرار رقم 1 الصادر في 12 كانون الثاني 2015 يتطلب تعطيل اي قرار مكونين سياسيين وبالتالي كل الأفرقاء السياسين وافقوا على الخطة.."

وتساءل  مستشار النائب سامي الجميل عن ثمن العقارات التي ستنجم عن الردم .. فعلى سبيل المثال في الواجهة البحرية بالمتن  سعر متر الارض يتخطى الـ10000 دولار فاذا نتج 200 الى 300 الف متر مربع كمساحة جديدة ناتجة عن هذين المطمرين ستساوي الاسعار 3 مليار دولار وراى ان هذا الامر يوضح سبب شدّة اصرار المعنيين على هذه الخطة!

*المحامي بالاستئناف د. ​شربل عون عون​: لجوء الحكومة اللبنانية الى ردم النفايات في البحر هو خرق لاتفاقية برشلونة وللقوانين البيئية

وبعيدا عن اراء اصحاب القرار و البيئيين كان لا بد لنا من الخوض في تفاصيل هذا الملف اكثر واكتشاف الحكم القانوني الذي قد يصدر بحق الدولة اللبنانية لتوقيعها على إتفاقية برشلونة وتناقض خطة النفايات معها. فكان لـ"الإقتصاد" حديث خاص مع المستشار القانوني المعتمد لدى هيئات دولية عدة والمحامي بالاستئناف د. شربل عون عون، الذي شرح لنا اكثر عن اتفاقية "برشلونه" اي اتفاقية حماية "البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر المتوسط" الذي صادق عليها لبنان. اعتمدت هذه الاتفاقية في 16 شباط 1976 وبدء العمل بها في 12 شباط 1978 وتم تعديلها لاحقا في حزيران 1995 مع بدء نفاذها في تموز 2004.

وبيّن عون بعض الاهداف الرئيسية للإتفاقية نذكر منها: تقدير التلوث البحري ومكافحته، ضمان الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية البحرية والساحلية،إدماج عنصر البيئة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية،حماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية عبر منع التلوث، والحد منه، واستئصاله قدر المستطاع، سواء أكان ناجماً عن مصادر برية أم بحرية، تعزيز التضامن بين الدول الساحلية المتوسطية، وغيرها الكثير.

فاذا بحسب تلك الاتفاقية تقوم البلدان المتعاقدة باتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لحماية وتحسين نوعية الوسط البحري وتقليص وتجنب كل اسباب التلوث في منطقة المتوسط.

من حيث المبدأ ان لجوء الحكومة اللبنانية الى ردم النفايات في البحر هو خرق لاتفاقية برشلونة وللقوانين البيئية في لبنان لان ذلك من شأنه ان يؤدي الى احداث تلوث في المدى القريب والبعيد، الا اذا كان للحكومة خطة بيئية للردم لم تطلعنا عليها بكافة تفاصيلها الامر الذي استبعده عون. 

وفيما يتعلق بشقّ العقوبات والاحكام كشف عون انه خلال العام 2008 اسست الاطراف المتعاقدة على الاتفاقية "لجنة امتثال" يكون هدفها اعداد تقارير عن الدول المخالفة لبنود الاتفاقية مع ذكر جدية المخالفات واهميتها. لا يحق للجنة الامتثال اصدار اي عقوبات بحق الدول المخالفة وان كافة التقارير المعدة من قبلها ترفع الى الاطراف المتعاقدة.

في حال تبين للاطراف المتعاقدة ان المخالفات تتكرر وهي ذات جدية، يحق لها عندئذ اتخاذ كافة التدابير اللازمة بحق الطرف المتعاقد والمخالف.

وبعد إطلاعنا على كافة مكونات هذا الملف وجميع الأطراف المعنية به يتضح للمواطن اللبناني يوما بعد يوم انه غارق بهمومه الحياتية وانه بعيدا كل البعد عن الصفقات المخفية ومصالحه الصحية والإقتصادية.. فإذا تكبدت الدولة اللبنانية غرامات دولية من سيدفعها لنا في خضم العجز الإقتصادي المتراكم الذي نعايشه .. والأهم من سيضمن لنا صحة الهواء والماء بعد اليوم .. وهل يثق المواطن اللبناني بعد الآن بالكلام عن الحلول المستقبلية المستدامة ونحن في بلد الخطة المؤقتة فيه تُعمّر 10 اعوام فهل سيكون مصير هذه المطامر كمصير مسلخ بيروت المؤقت منذ 10 اعوام؟؟؟

يمكنكم قرارة الجزء الاول من خلال الرابط التالي: https://www.eliktisad.com/news/show/224163