إنها  9 أشهر... 9 أشهر كفيلة بإكتمال جنين!!

9 أشهر لم تكن كافية لحلّ ملف النفايات اللبناني .. عايشانا فيها إعتصامات وخطط مؤجلة مبنية على احلام وردية ..

فرز ،طمر، ترحيل، وحرق كلها مصطلحات سمعنا عنها ولكنها لم تقترن بأفعال.. 

الى ان "اُفحِمنا" بخطة اعادتنا 17 عاما الى الوراء..

 الـ"الإقتصاد" تفتح اليوم ملف النفايات من كافة جوانبه البيئية السياسية والقانونية  في هذا الجزء الاول  نطلع على آراء بيئيين حيث كان لـ"الإقتصاد" جولة ميدانية ومقابلات خاصة تمحورت حول خطة النفايات المعتمدة حاليا ليس من منظورها البيئي فحسب، بل تضمنت ايضا اراء "أصحاب القرار" بالإضافة الى الشقّ القانوني في مسألة "إتفاقية برشلونة".

 في البداية سألنا عن الخطة الحالية التي تنص على إنشاء مطامر قريبة من البحر وكأننا نطمر مشاكلنا لنستخرج مخلفاتها من ملف بيئي آخر يتجسد في تلوث المياه ..

* حلواني : منطقة برج حمود المقابلة للبحر منطقة موبوءة تفتقر التنوع البيولوجي وليس هناك ما يجب الحفاظ عليه

وفي مقابلة خاصة مع الخبير البيئي ورئيس قسم الصحة والبيئة في كلية الصحة بالجامعة اللبنانية جلال حلواني، إعتبر ان الخطة المعتمدة حاليا هي "أهون الشريّن" فلا يجوز ان تبقى الامور على حالها وإلا ستكون العواقب الصحية والبيئة وخيمة وستنعكس النتائج على السياحة والإقتصاد. وقال "الخطة المطروحة تحل المشكلة مؤقتاً ولكن الحل المستدام يتمثّل بخطة متكاملة لإدارة النفايات تأخذ بعين الإعتبار التخفيف من المصدر، الفرز ،المعالجة وطمر الحدّ الادنى من العوادم".

وتابع "انا من مؤيدي تفعيل الطاقة من النفايات ولكن هذه الامور لا تتم بـ"كبسة زر" انما الخطة المتكاملة تتطلب توعية وآلية لجمع النفايات ولكننا في هذه المرحلة علينا العمل على المدى القصير والمتوسط."

وعن تعليقه حول مواقع المطامر القريبة للبحر ومدى تأثيرها على الثروة السمكية وتلوث المياه وتناقضها مع إتفاقية برشلونة التي وقّع عليها لبنان، رأى حلواني " ان موقع برج حمود الحالي لا يشكل أهمية كبيرة لأن المكب الموجود لا يزال قائما حتى الآن وفي مرحلة التحلل البيولوجي أو بمعنى آخر العصارة منه لا تزال تنساب الى البحر وبالتالي لا يوجد ما يسمى بالتنوع البيولوجي الذي يمكن ان يتأثر سلبياً."

واضاف حلواني ان المنطقة نفسها تضم نقاط تفريغ السفن للمشتقات النفطية ووجودها في هذا الموقع يؤثر سلبا على التنوع البيولوجي والبيئة البحرية لإحتمال تسرّب بعضها.

أما النقطة الثالثة التي تناولها فكانت نهر بيروت الذي اشار الى انه ينقل الى المنطقة المذكورة اعلاه ملوثات متنوعة، اما رابعا فهناك وجود لمعمل شركة "سوكومي" والمسلخ في المنطقة الجغرافية عينها!! استنادا الى ذلك اعتبر حلواني "يمكن تصنيف المنطقة الشمالية لبيروت خاصة البحرية منها مقابل برج حمود بالمنطقة الموبوءة بيئياً!"

وتابع "من هنا اذا كان لا بد من الردم او استحداث موقع جديد فلن يكون هناك اي اثر سلبي فيما يخص التنوع البيولوجي الذي سيساعد في حلّ الاشكالات." مؤكدا ان السبب وراء رفض الخبراء البيئيين فكرة الردم تكمن في الحفاظ على التنوع البيولولجي فقط! ولكن اذا كانت عملية الردم تعتمد على الحجار والرمال المتعارف عليها وليس على الاوساخ والبلاستيك او غير ذلك فلا يوجد اي مانع للردم من الناحية العلمية."

موضحا انه في حال تمّ الردم وفقا للأصول الهندسية والبيئية المطلوبة مع اختيار صحيح للمواد المستخدمة مع الإبتعاد الكلي عن المخلفات البلاستيكية والزفت وغيرها، يمكن حينها وفور إنتهاء عملية الردم، وضع حاجز من الصخور المدروس بعناية قد يساعد في إعادة الثروة السمكية."

وفي موضوع إعادة فتح مطمر الناعمة وقدرته على استيعاب نفايات مكدسة من 9 اشهر، اوضح حلواني ان لكل مطمر صحي مدّة زمنية محددة .. فكان من المفترض إغلاق بعض الخلايا في المطمر منذ اعوام والانتقال الى أماكن اخرى تدرس وفقا للمعايير البيئية. كاشفا آلية العمل في المطامر الصحية التي تتم بالعمل على كل خلية على حدة على ان تكون معدة مسبقا لمعالجة العصارة والغاز المنبعث من عملية التحلل، وعندما لا تُنفّذ هذه النقاط يتحوّل المطمر الصحي الى "مطمر مراقب"!  

وعن المحارق علّق حلواني "إذا كانت المحارق معتمدة وفقاً للمواصفات الهندسية وتحت عملية مراقبة لا ضرر فيها." واضاف "التطور التكنولوجي الحديث هو اكبر داعم لنا، المحارق اليوم باتت معتمدة ومصنّفة ومتواجدة في كل دول العالم .. قد يستغرب البعض ولكن في العاصمة باريس هناك محرقة للنفايات وهي على مدخل المدينة ومراقبة بشكل كامل."

وعن كلفة المحارق الباهظة قال الخبير البيئي عينه "لا شك ان التكاليف عالية ولكن إعتماد محارق لتوليد الطاقة الكهربائية هو امر بغاية الاهمية! علما ان بعد الحرق تأتي خطوة معالجة كل الإنبعاثات بالإضافة الى طمر الرماد الصادر عنها في "مطمر مراقب". واكد "اذا أقيمت المحارق فقط للقيام بفعل الحرق العشوائي يكون هذا الامر بمثابة الانتحار الجماعي!!"

وأسِف حلواني على الوضع الذي توصّل اليه هذا الملف.. فالنفايات المتواجدة اليوم في الشوارع هي نفايات غير مفرزة وبدأت بالتحلل كما انها تحتوي على الكثير من الفطريات والباكتيريا .. فمن الصعب جدا إعادة معالجتها وسيكون هناك خللا ما لا بد منه. لذا الخطة المبدئية التي لا مهرب منها هي اللجوء الى "مطمر عشوائي مراقب" لوجود كميات كبيرة في الطرقات تشوّه الشوارع والبيئة السكنية بشكل عام وتهدد حياة الانسان .. معتبرا انه عندما تتواجد المشاكل البيئية يجب العمل قدر المستطاع على تخفيفها والعمل بالمبدأ الذي ذكره في البداية "أخفّ الشريّن". 

*الخبير البيئي ناجي قديح: نحن في دائرة الصفقات ليس المعالجات البيئية وازمة النفايات مفتعلة!!

من جهته خالف الخبير البيئي ناجي قديح في حديث لـ"الإقتصاد" ما طرحه حلواني، فإعتبر ان المحرك الرئيسي للخطط المطروحة من الحكومة لا يتمحور حول الحلول البيئية بقدر ما هو محصور بصفقات مربحة ومصالح شخصية .. ولفت الى ان البعض الآخر من اعضاء الحكومة يتماشى مع هذه الخطة خوفاً من تفاقم الازمة اكثر.

وكشف ان ما يتم تنفيذه حاليا يمُثل دمج لعمليتين  فمن جهة يتم طمر النفايات ومن جهة آخرى يردم البحر.. واسترسل عمليّا يتم عبر هذه الخطة خلق موقع ملوث جديد على البحر مما يؤدي الى خرق المنظومة البحرية البيئية في المنطقة. وأكد ان مجمعات النفايات القائمة على البحر تعني ان عصارة النفايات ستصرّف مباشرة في مياه البحر وتلوثها!

من جهة اخرى سيتم ردم مساحات اضافية من البحر مما يعتبر تعدياً على المنظومة البحرية البيئية وتدخّل بالإستقرار البيئي مما يؤدي الى تأثيرات سلبية على الحياة البحرية.

ورأى ان الحلول المقترحة هي لصالح فئات معينة تتم على حساب بيئة وبحر لبنان من جهة وعلى تعهداته تجاه اتفاقية برشلونة من جهة اخرى. فهذه الاتفاقية وُجدت لحماية هذا البحر من التلوث وللعمل على إدارة متكاملة للمناطق الساحلية وليس لتحويلها الى مطامر للنفايات ومناطق مردومة!!

واعتبر قديح ان الخطة البيئية السليمة للتعامل مع النفايات تتمثل ببناء معامل للفرز والتدوير والتسبيخ ومعالجة المواد العضوية في مناطق نائية رغم انها لا تعتبر مصدرا للتلوث. فوضع هذه المعامل في الاماكن المناسبة وبإدارة جيدة يضمن معالجة صحية للنفايات التي يتم استخلاص المواد القابلة لإعادة التدوير منها، معالجة المواد العضوية، والاستفادة من السماد العضوي.  

وعن الاخبار المتادولة بخصوص وضع محارق قريبة للبحر اجاب قديح "برأيي الخاص ان الخطة المعتمدة حاليا ستؤمن للمستفيدين منها صفقات بمليارات الدولارات لمدة 4 اعوام الى حين استبدالها بالمحارق."  واضاف "نحن نعتبر ان المحارق هي الاكثر ضررا وكلفةً.. وهي نموذج من نماذج الصفقات وليس الحل البيئي المطلوب للنفايات."

كما اعتبر ان أزمة النفايات مفتعلة لمصلحة الاطراف العاملة على هذا الملف. واضاف" عملية إغلاق وإعادة فتح مطمر الناعمة ليس الا جزء من عملية افتعال الازمة وتراكمها ..والهدف من هذه الخطوات هو التمسّك بالاساليب السابقة لكي يقتنع المواطن اللبناني انه لا يوجد اي حل سوى إعادة فتح مطمر الناعمة وتسليم الامور لشركتي "سوكومي" و"سوكلين" اي الاستمرار بالسياسات السابقة التي كانت تدر مئات الملايين من الدولارات." وشدد "نحن في دائرة الصفقات ولسنا في دائرة المعالجات البيئية في ملف النفايات!"

ختاما اكد قديح ان الاستمرار بهذه السياسات سيؤدي الى المزيد من التلوث البيئي في البحر والبرّ! وسيؤدي ايضا الى المزيد من الهدر في الاموال العامة.

تابعونا غداً في الجزء الثاني المتعلق بالشق السياسي والقانوني...