ترتكب بعض ​الشركات​ أخطاء كارثية، وتحاول التعلم منها منعاً لتكرارها، الا انها تنسى الدروس المستفادة مع الوقت فتكرر نفس الأخطاء مرة أخرى.. وقد سلط موقع جامعة "هارفارد" الضوء على دراسة تتناول هذه الظاهرة.
 
توظف شركة "ناسا" أذكى العقول، لكن ذلك لم يمنع انفجار مكوك "تشالنجر" عام 1986 نتيجة تجاهل تحذيرات بعض مهندسيها من تأثير انخفاض الحرارة على دوائر المطاط التي تربط أجزاء المكوك والتي تشققت بالفعل وأدت لتفككه. ومات أفراد طاقمه السبعة، وحرصت الوكالة بعدها على توفير أقصى درجات السلامة والأمان لأفرادها لكن هذا الاهتمام توانى مع الوقت مما أدى لتكرار الكارثة بانفجار مكوك "كولومبيا" عام 2003 ومقتل أفراد طاقمه السبعة أيضاً. 
 
كما شهدت شركة النفط "بي بي" في نفس السياق كارثة مروعة عام 2005 بانفجار مصفاة بولاية "تكساس مما أودى بحياة 15 عاملاً وإصابة 170 آخرين، وحينها أجبرت السلطات الشركة على زيادة استثماراتها في وسائل الأمان. لكنها تناست الأمر مع الوقت حتى انفجرت منصة النفط بخليج المكسيك عام 2010، وأدت لمصرع وإصابة 27 عاملاً وخلفت أكبر تسرب نفطي في التاريخ الأميركي، وكشفت التحقيقات عن خفض الشركة إنفاقها على عنصر الأمان.
 
وقد حلل الباحثون النموذجين إلى جانب أداء 149 شركة أدوية بين عامي 1997 و2004 لبيان ما يحدث بين دورتي "التعلم والنسيان"، فوجدوا أن حدوث خطأ خطير يثير دورة التعلم ويجعل "السلامة" بمقدمة أولويات الشركة.الا ان هذا الاهتمام يعود ويخبو مع الوقت ويحل مكانه أولويات جديدة مما يمهد الطريق لحدوث الخطأ الجديد، وهذه الأولويات تنتزع المخصصات المالية لعوامل السلامة لتطويرها.
 
واشاروا الى ان اعتبارات السلامة تتداخل في بعض الأحيان مع عنصر الابتكار، فتدفع الشركة للتخلي عن منتج جديد خشية حدوث أخطاء، أما تخفيف تلك الاعتبارات فيزيد جرأة الشركة على التجديد والإبداع.
 
تخضع الشركة في بداية الكارثة الى ضغوط خارجية من السلطات أو المستهلكين وغيرهم من الأطراف المعنية وأخرى داخلية للكشف عن أسباب الخطأ وتداركه، مع الوقت تخف هذه الضغوط فيقل تركيز الشركة تدريجياً على معايير السلامة.
 
كما تمر الشركة بعدد من التغيرات، حيث يغادرها اداريون وموظفون ليحل محلهم أشخاص آخرون، وتحتاج لإطلاق منتجات جديدة وزيادة مبيعاتها وأحياناً خفض نفقاتها، وهنا تبدأ دورة النسيان وتجاهل كل ما تعلمته الشركة من دروس ثمينة.
 
وتمكنت الدراسة من رصد هذا النمط والتتابع بين التعلم والنسيان بعد الأخطاء الفادحة في أداء شركات الأدوية التي تابعتها على مدار 7 سنوات، فتسبب أحد العقاقير في مشاكل ما يدفع شركته لسحبه وتشديد معايير السلامة.
 
فتزيد الشركة عدد التجارب المعملية وتنشر المزيد من المقالات عن نتائجها، وتمتد تلك الممارسات لجميع منتجات الشركة وليس العقار محل المشكلة فقط، لكن الدراسة وجدت أن ذلك يؤدي إلى تراجع معدل المنتجات الجديدة.
 
وقد تم رصد تراجع عدد براءات الاختراع للشركات في السنوات التالية على الكارثة، لكن بعد فترة من الزمن يعود تركيز الشركة على التجديد على حساب السلامة فتتكرر المشكلة.
 
ولفت الباحثون الى أن القيادات يجب ان تتعلم كيفية إدارة الصراع المستمر بين عنصري التجديد والسلامة وتقاوم ميل الشركات لنسيان تداعيات الأخطاء السابقة، مع التأكيد على سرعة الاستجابة للمؤشرات المبكرة على الخطأ وعدم الاستهانة بها حتى تتحول لكارثة.
 
كما يجب غرس ثقافة السلامة لدى كافة أقسام الشركة، وأن تكون ضمن مقدمة أولويات كافة الموظفين بجميع درجاتهم وليس القيادات فقط، والحرص على تأسيس قنوات للتواصل بين جميع وحدات المؤسسة لضمان استمرار هذه الثقافة.
 
وينبغي على الشركة أن تقاوم إغراء تنحية معايير السلامة لصالح زيادة الأرباح والمبيعات أو إطلاق منتجات جديدة لأن حدوث خطأ كارثي سيدمر كل هذه الأهداف، حيث يصرف المستهلكين عن منتجات الشركة. كما سيكبدها خسائر طائلة لتدارك تداعيات الخطأ مثل دفع التعويضات للمتضررين، وتذكر هذه النتائج دائماً سيساعد القيادات على إحداث التوازن المطلوب بين معايير الأمان ومتطلبات المنافسة.
 
وتجدر الاشارة الى ان الأخطاء التسويقية تتعدد وتختلف مع اختلاف الشركات، الا ان اهمها يكمن في تركيز عدد من الشركات على حصد اهتمام العميل وجذب انتباهه وإقناعه بشتى الطرق حتى يقوم بشراء السلعة المعروضة فقط، ثم بعد ذلك تهمله الشركة تماما وكأنه أدى الغرض من شراء السلعة، وهذا يعد من الاخطاء الكبيرة لأن الشركة حولت عميلها من عميل دائم يثق بالشركة إلى مجرد زبون لا اكثر، وربما يمكن للشركات تجنب هذه الزلّة من خلال متابعة العميل وميزات ضمان ما بعد البيع، فضلاً عن التواصل معه وأخذ ملاحظاته وآرائه.
 
ومنن الممكن أن تذهب الجهود التسويقية سدىً، اذا ما لوحظ تقصير في خدمة العميل، فمثلا عندما يتأخر موظف الهاتف بالرد على العميل بعدما يرن أكثر من مرة، هذا الخطأ في حال تكرر وأصبح عادة ، يكون كفيلاً بأن ينفر العميل من الشركة وينتقد الاستهتار الذي تعرض له.
 
ومن الأخطاء التسويقية التي ربما تقع فيها الشركات، عدم مواكبة التطورات التي تطرأ على احتياجات عملائهم، وتغير أذواقهم، حيث أن في المنافسة يسعى المنافس الى إخراج نظرائه من السوق، ويجب عليه أن يواجه هذه الامور بقوة وصلابة، وأن يكون محور إهتمامه هو العميل.
 
ويبقى من أهم الأخطاء في هذا المضمار التسويق بدون تخطيط جيد، فتضيع الدراسة الجيدة للفئات المستهدفة وتجهل الشركة إحتياجاتهم، فلا تتمكن من إرضاء أذواقهم ورغباتهم، لذا يجب أن تعتمد الدراسة على أسس واضحة حتى لا تقع الشركة في مستنقع الكماليات .