أكد الأمين العام ل​اتحاد المصارف العربية​ وسـام فتوح أن القطاع المصرفي العربي حقق آداءً جيداً حتى الفصل الثالث من العام 2015 بحسب البيانات الصادرة عن المصارف العربية والبنوك  المركزية العربية، متوقعاً أن يستمر هذا الآداء الجيد حتى نهاية العام المذكور. وأوضح أن تقديرات إتحاد المصارف العربية تشير إلى أن متوسط نسبة نمو موجودات القطاع المصرفي العربي قد بلغت حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول من العام الحالي حوالي 7%، لتتخطى الموجودات المجمعة عتبة 3.3 تريليون دولار. وبذلك، سوف تساوي موجودات القطاع المصرفي العربي حوالي 135% من حجم الاقتصاد العربي (أي الناتج المحلي الإجمالي). كما فاقت الودائع المجمعة للقطاع المصرفي العربي مبلغ 2.1 تريليون دولار (أي ما نسبته حوالي 85% من حجم الاقتصاد العربي)، وقروضه 1.7 تريليون (حوالي67% من حجم الاقتصاد العربي). مع الإشارة إلى أن الموجودات المجمعة للقطاع المصرفي العربي قد بلغت بنهاية العام 2014 حوالي 3.05 تريليون دولار أميركي.

رسم بياني 1: مقارنة تطور حجم القطاع المصرفي العربي بحجم الاقتصاد العربي (مليار دولار)

ويدير قطاعان مصرفيان عربيان حالياً موجودات تزيد عن نصف تريليون دولار (وهما الامارات والسعودية)، يضاف إليهما ثلاث قطاعات تدير موجودات تزيد عن ربع تريليون دولار (وهي مصر، قطر، والعراق).

وقد حققت معظم القطاعات المصرفية العربية نسب نمو جيدة في الموجودات خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام الحالي. فعلى سبيل المثال زادت أصول القطاع المصرفي الاماراتي (مقيمة بالدولار الأميركي) بنسبة 5.1%، والسعودي بنسبة 4.3%، والعُماني بنسبة 12.6%، والقطري بنسبة 6.3%، والمصري بنسبة 11.6%، والأردني بنسبة 5.5%. كذلك يسري الأمر نفسه بالنسبة للقطاعات التي تتوفر لها بيانات رسمية للنصف الأول من العام 2015 فقط، كالقطاع المصرفي السوداني الذي زادت موجوداته بنسبة 6.3%. مع الاشارة إلى تحقيق عدد آخر من القطاعات المصارف العربية زيادة في مجموع موجوداتها بالعملة الوطنية، إلا أن التراجع في أسعار الصرف خلال العام 2015 قد إدى إلى إنخفاض في قيمة الموجودات بالدولار الأميركي.

رسم بياني 2: الحصة السوقية للقطاعات المصرفية العربية من مجموع القطاع المصرفي العربي – الفصل الثالث 2015 (%)

وحققت المصارف العربية المزيد من التطور على الصعيد العالمي خلال العام 2015، حيث أُدرج 83 مصرفاً عربياً في قائمة أكبر 1000 مصرف في العالم بحسب الشريحة الأولى لرأس المال (Tier 1 capital). وقد بلغت الميزانية المجمعة لهذه المصارف حوالي 2.24 ترليون دولار ومجموع الشريحة الأولى لرأس المال حوالي 248.2 مليار دولار. وقد تضمنت القائمة 19 مصرفاً إماراتياً، 12 مصرفاً سعودياً، 9 مصارف في كل من قطر ولبنان والبحرين، 8 مصارف كويتية، 5 مصارف في كل من مصر وسلطنة عُمان، 4 مصارف مغربية، مصرفين في الأردن، ومصرفاً واحداً في ليبيا.(المصدر مجلة The Banker الصادرة في شهر تموز/يوليو 2015) كما أظهرت البيانات التي نشرتها المجلة في عددها الصادر في شهر أيلول/سبتمبر 2015، والمتضمنة لائحة بـ "250 مصرفاً الأكثر سلامة حول العالم" نهاية العام 2014، دخول 20 مصرفاً عربياً اللائحة المذكورة. وقد سجلت المملكة العربية السعودية أكبر عدد من المصارف العربية التي دخلت ضمن اللائحة (8 مصارف)، تلتها الإمارات العربية المتحدة (7 مصارف)، فالكويت (مصرفين)، ومصرف واحد في كل من البحرين وقطر والأردن.

من جهه اخرى،لم يمثل التراجع الكبير في أسعار النفط أية مشكلة نظامية (systematic) بالنسبة لمصارف الخليج، بدليل إستمرارها في تحقيق نسب نمو إيجابية كما هو وارد أعلاه. وأحد الأسباب الرئيسية لهذا الأمر هو إستمرار حكومات تلك الدول بضخّ السيولة في الأسواق معتمدة في ذلك على الاحتياطات المالية الضخمة التي راكمتها خلال السنوات الماضية، والاستمرار في تمويل المشاريع الاستثمارية ومشاريع البنية التحتية. وإستمرت هذه الأموال تشكل مصدراً أساسياً لسيولة للقطاع الخاص، وبالتالي إستمرار حركة الإيداع في المصارف. إلا أننا لاحظنا إنخفاضاً في نسب نمو الودائع لمعظم القطاعات المصرفية العربية. فعلى سبيل المثال زادت ودائع المصارف الاماراتية بنسبة 1.1% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2015، مقابل نسبة 11.1% خلال العام 2014 بأكمله. كذلك الأمر بالنسبة لمصارف السعودية: 4.9% مقابل 12.4%، وقطر: 5.9% مقابل 9.6%، وسلطنة عُمان: 5% مقابل 13.9%. أما في للكويت فقد إستقرت موجودات القطاع المصرفي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2015 مقابل إنخفاض بنسبة 0.3% خلال العام 2014، وفي البحرين تم تسجيل زيادة 1%  مقابل إنخفاض بنسبة 1.1%. نشير كذلك إلى إنخفاض نسب نمو الودائع في عدد من القطاعات المصرفية العربية الأخرى، كلبنان: بلغت الزيادة 3.2% خلال الأشهر التسعة الأولى من 2015 مقابل 6.1% خلال عام 2014، والأردن: 5.3% مقابل 9.5%، ومصر 8.2% مقابل 15.3%. في مقابل الإنخفاض في نسب نمو الودائع، شهدت بعض القطاعات المصرفية العربية توسعاً في الاقراض خلال عام 2015. فعلى سبيل المثال، زادت قروض المصارف الاماراتية بنسبة 17.5% خلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2015 مقابل 11% خلال عام 2014 بأكمله، والمصارف الكويتية: 2.3% مقابل 1%، والبحرينية: زيادة بنسبة 6.7% مقابل إنخفاض بنسبة 0.3%، والمصرية: 12% مقابل 11.1%. في المقابل تراجع نسبة الزيادة في الائتمان المقدم من المصارف السعودية: 6.7% مقابل 11.3%، والعُمانية: 7.5% مقابل 11.3%، والقطرية: 8.1% مقابل 10%، واللبنانية: 1.8% مقابل 4.5%، والجزائرية: إنخفاض بنسبة 4.8% خلال النصف الأول من عام 2015 مقابل زيادة بنسبة 10.2% عام 2014.

أما بالنسبة لتوقعات عام 2016، فإننا نرى أن التراجع المتوقع في النمو الإقتصادي للمنطقة العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص (والتي تمثل إيراداتها النفطية أهم مصدر للسيولة في أسواقها)، سوف يؤدي على المدى المتوسط إلى آثار سلبية على آداء المصارف العربية. إذ أن تراجع الأوضاع الإقتصادية ونسب النمو وإنخفاض فوائض الحكومات بسبب إستمرار أسعار النفط المنخفضة (والتي تدنت عن 40 دولار للبرميل خلال النصف الثاني من شهر ديسمبر/كانون الأول 2015) سوف يؤثر في قدرة تلك الدول على الإستمرار في ضخ السيولة في الأسواق والاستمرار في تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى. وسوف يكون لإنخفاض السيولة في الأسواق العربية – والخليجية بشكل خاص – آثار سلبية على المصارف. وقد تتمثل هذه الآثار السلبية في إستمرار التراجع في نسب نمو الودائع والسيولة المتوفرة، وبالتالي إستمرار التراجع في الائتمان المقدم إلى الاقتصاد. ولا بدّ من الاشارة هنا إلى أن بعض التحليلات تشير إلى أن بعض المصارف المركزية الخليجية قد تعمد إلى ضخ سيولة بشكل مباشر للمصارف لتعويض التراجع في السيولة المتأتية من الأسواق. 

عامل آخر قد يفاقم الأوضاع بالنسبة للمصارف الخليجية هو إرتفاع مخاطر الائتمان بسبب إنكماش السيولة في الأسواق، ما قد يؤثر سلباً على ربحية تلك المصارف. مع التأكيد في هذا المجال أن القواعد الرأسمالية للمصارف المصارف الخليجية سوف تحافظ على متانتها، ولن تتأثر بالأوضاع الاقتصادية. مع الاشارة إلى أن مجمل رأسمال تلك المصارف قد بلغ بنهاية الفصل الثالث من العام 2015 حوالي 265 مليار دولار.

أما بالنسبة لمصارف الدول العربية الأخرى، وبخاصة في كل من لبنان والأردن ومصر والمغرب وفلسطين والسودان، فنتوقع عدم مواجهتها لمخاطر جدية خلال العام 2016، وذلك بسبب تأقلمها مع الأوضاع السياسية المضطربة، وإعتمادها إستراتيجيات محافظة، وتنويع محافظها الائتمانية، هذا بالإضافة إلى الجهود الرقابية الكبيرة لتعزيز الاستقرار، ومنها على سبيل المثال الاجراءات المتعددة التي إعتمدها البنك المركزي المصري لوقف التلاعب بسعر صرف الجنيه ومكافحة السوق السوداء وزيادة إحتياطات النقد الأجنبي. وعلى الرغم من إنكشاف بعضها على الديون السيادية بشكل كبير (كحالة لبنان مثلاً)، فلن يؤثر هذا الأمر على وضعيتها على المدى القصير والمتوسط بالحد الأدنى، بسبب الاستقرار السياسي والأمني والإقتصادي النسبي الذي تتمتع به حالياً.