ترتبط القدرة الشرائية بعدة عوامل في علم الاقتصاد ومن بينها الانتاج ، الاستهلاك، مستوى المعيشة والأجرفضلاً عما يعتبر من ملحقاتها من مقاييس مختلفة مثل الكساد، الاستيراد ، البطالة وغير ذلك... وليس بعيد عنها معدل النمو المحلي، حيث ان منظومة عجلة الاستهلاك والتصدير تدخل بكاملها في ركائز الاقتصاد.

والبعض يقوّم القدرة الشرائية عند الفرد بما يتوفّر لديه من نقود واموال لشراء حاجاته  المختلفة، كما انه بالامكان الاستناد في تقويمها الى القطاع المصرفي الذي يدرس مجموع التسليفات المقدمة، ومجموع المديونية لدى الافراد والأسر.

وفي هذا الاطار، وفق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان مديونية الأسر وصلت الى 50% هذا العام.

ما هو واقع القدرة الشرائية عند اللبناني اليوم ؟

عجاقة

الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة يعتبر انه من الصعب  تحديد ارقام  او نسب في موضوع القدرة الشرائية خصوصاً وان ذلك مرتبط بما هو معروف بJOrdre de grandeur و عندما نتناول المدخول عند اللبناني لابد ان نلحظ وفق الاحصاءات بين فريقين ؛ فريق هو الموّظف والآخر هومن بين اصحاب المهن الحرة . فالموّظف مدخوله محدّد وثابت من الراتب والاجر الذي يتقاضاه. ويالتالي فان هذا لم يتغّير ولم يؤدي الى اي تضخّم.

الا انه في غضون ذلك، ثمة قسم من هؤلاء يعتمدون على الاموال المرسلة من المغتربين اللبنانيين ولا سيما من الخليج وهي تشّكل ما نسبته 25% من مجموع  الاموال المرسلة الى الداخل.

ولا شك ان هبوط اسعار النفط انعكس تراجعاً في قيمة هذه الاموال خصوصاً وان معظم بلدان الخليج جمّد  توظيف الاستثمارات الجديدة ، وبالتالي ارتد ذلك على مداخيل اللبنانيين العاملين لديها وتلقائياً على تحويلاتهم الى ذويهم في لبنان.

اما بالنسبة لاصحاب المهن الحرة فان الامر مختلف . ووفق رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس فان  حركة المبيعات تراجعت 15% . ولاشك ان القطاع التجاري تأثّر بعدة عوامل منها اقفال الطرقات ، الاعتصامات وغيرها من التحركات في الشارع.

وفي مطلق الاحوال،  فان الحركة الاقتصادية وصلت الى مرحلة تراجعت فيها الماكينة الانتاجية بشكل كبير. فالبطالة شهدت ارتفاعاً  ملحوظاً هذا العام  لتصل الى نسبة 30 بعدما كانت 25%. وهذا مرده الى مزاحمة اليد العاملة السورية ،تراجع  الوضع الاقتصادي ، اقفال العديد من المؤسسات وغير ذلك ... كل هذه العوامل مجتمعة تنعكس تراجعاً في القوة الشرائية دون التمكّن من تحديد المعّدل .

ولا شك ان واقع الحكومة المعطّلة ينعكس تراجعاً على ثقة المستهلك والمستثمر معاً الذي يتردد في ضخّ اي اموال جديدة.

وفي غضون ذلك، لا يمكن اغفال مردود الاقتصاد غير المسجّل او غير الرسمي Léconomie informelle. وهو يشكّل 30% من حجم الاقتصاد اللبناني ، لذلك فمن الممكن ان يكون تراجع القدرة الشرائية بنسبة 50% اذا اخذنا بعين الاعتبار هذا النوع الاخير من الاقتصاد.

فالتعطيل الحكومي والمؤسساتي ساهم في تراجع النمومن 0,7% مطلع هذا العام الى 0 % وهذا ما اكده حاكم مصرف لبنان أخيراً.

قراءة في التدهوّر

وفي قراءة سريعة للمعطيات المتوفرة،  يثبت الجدل القائم في شأن واقع الأسعار بين وزارة الإقتصاد وجمعية المستهلك، على تدهور القدرة الشرائية لدى الأسر اللبنانية. عملياً، فإن أسعار السلع الإستهلاكية شهدت إنخفاضاً طفيفاً في الأسواق اللبنانية، باستثناء المشتقات النفطية التي انخفضت أسعارها بنسب معقولة رغم الإنخفاضات الكبيرة التي شهدتها أسعار النفط العالمية خلال الفترة الاخيرة .

هذا ما تؤكده إحصاءات "جمعية حماية المستهلك" في لبنان. فبناء لمراقبتها، سجّل مؤشر الأسعار الفصلي إنخفاض أسعار السلع والمواد الغذائية والخدمات الإستهلاكية بنسبة 1.33 في المئة في الفصل الثاني من العام 2015 مقارنة مع الفصل الأول من العام نفسه، وارتفاعها بنسبة 0.92 مقارنة مع الفصل الثاني لعام 2014.

وفي الخلاصة، فان الاقتصاد بفعل السياسة يعمل دون طاقته الانتاجية الحقيقية ما خلق هوة بين الناتج المحلي الاجمالي المسجل والناتج الممكن تحقيقه.

وهناك قاعدة مهمة يعتمد عليها لبنان وهي تدفقات الاموال الوافدة على مدى فترات زمنية طويلة والتي تقدر بحوالى 8 مليارات دولار سنويا، وتعتبر بمثابة "اوكسجين" للاقتصاد الوطني بمقومات الحياة.

الا ان كل ذلك، لا يلغي التحديات الجمة التي يواجهها لبنان في ظل انسداد الافق الاقتصادي والتخوف من فقدان المناعة التي ما زال يتمتع بها.

واذا كانت الحركة السياحة تحسنت بنسبة 15% فقط مع اطلاق المهرجانات خلال الصيف الفائت، فإن ذلك لم يمنع من تراجع حجم الانفاق السياحي من 7 مليارات دولار الى حوالى 4 مليارات دولار بسبب استمرار شبه المقاطعة الخليجية للبنان، كما ان نسبة التشغيل الفندقي لم تتعد 60% فيما كانت تصل الى 100% خلال الصيف.

وبقاء القطاع المصرفي اللبناني متينا في العام 2015، مع تسجيله نموا مقبولا قد لا يتجاوز 7% دلالة على انه  الممّول الرئيسي للقطاع العام مع اكثر من 15 مليار دولار.

الا  انه في موازاة ذلك ، يشهد القطاع المصرفي تباطؤا في نشاطه ونموا ضعيفا في تسليفاته نتيجة اجواء عدم اليقين وتراجع نشاط غالبية القطاعات الاقتصادية، التجارة، حوالي 25% ، الصناعة والزراعة حوالى 10%، السياحة وملحقاتها اكثر من 15%، ونتيجة اجراءات مصرف لبنان التي تحد من قروض التجزئة او الاستهلاكية بسبب تزايد المخاطر.

كما تزداد معدلات الفقر وحالات الصرف من العمل، يواكبها تراجع القدرات الشرائية لدى الأسر اللبنانية، مع تراجع قدرة الاقتصاد على خلق فرص العمل، حيث لا تتجاوز حاليا 5 آلاف فرصة عمل سنويا، بينما المطلوب أكثر بخمسة أضعاف المستوى الحالي حسب ما جاء على لسان الوزير السابق عدنان القصار.