أقرب ما يمكن وصف الاجواء السائدة به اليوم في لبنان وخصوصاً في الشارع  هو العصفورية المفتوحة حيث ما من احد يريد فهم الآخر، وانما يتجه صوب المنابر تارة للتهجّم وقيادة الحملات المستفزة  وطوراً الى الشارع  لشتم المسؤولين ولتوجيه كل تهم الفساد الموجودة اليهم.

ومن ملف النفايات التي كانت بمثابة القنبلة الحقيقية  لتفجير باقي الملفات من كهرباء ومياه الى حراك مدني يصّعد تواجده في الشارع ولهجته تحت راية محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين على كل الصعد.

هذا الفساد  المستشري زحف الى  معظم دوائر الدولة اللبنانية، ونهب كل جيوب الفقراء بعدما شلّ كل الخدمات الحياتية، فيما عزّز مكانة اهل السلطة الذين دخلوا في مباراة عقيمة النتائج لتبادل التهم.

وفي غضون ذلك، عاد الحديث مجدداً عن تطبيق قانون الاثراء غير المشروع وتوالت اسئلة " من اين لك هذا؟"

واذا كان التخوين سيّد الساحة السياسية ، ولغة اهل السياسة وزعماء الطوائف، فان ثمة قوانين وضعها المشترع لتحقيق العدالة ورفع الغبن وحماية الحقوق لم يلتزم بها اهل السلطة.

في البدء ما هو تعريف "قانون الاثراء غير المشروع" الذي يحمل الرقم  154والصادر في 27/11/ 1999 :المادة 1- يعتبر إثراء غير مشروع:

1) الإثراء الذي يحصل عليه الموظف والقائم بخدمة عامة و القاضي أو كل شريك لهم في الإثراء، أو من يعيرونه اسمهم، بالرشوة أو صرف النفوذ أو استثمار الوظيفة، أو العمل الموكول إليهم (المواد 351 إلى 366 من قانون العقوبات)، أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة وإن لم تشكل جرماً جزائياً.

2) الإثراء الذي يحصل عليه الموظف والقائم بخدمة عامة والقاضي وغيرهم من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، سواء عن طريق الاستملاك أو عن طريق نيل رخص التصدير والاستيراد أو المنافع الأخرى على اختلاف أنواعها، إذا حصل خلافاً للقانون.

3) نيل أو سوء تنفيذ المقاولات والامتيازات والرخص الممنوحة من أحد أشخاص القانون العام جلباً للمنفعة إذا حصلت خلافاً للقانون.

المادة 2- من أجل تطبيق أحكام هذا القانون:

يقصد بكلمة "موظف" كل موظف أو متعاقد أو متعامل أو مستخدم أو أجير دائم أو مؤقت، في أي ملاك أو سلك، بأي رتبة أو درجة، في الوزارات أو الإدارات العامة أو في المؤسسات في وزارة الدفاع الوطني أو في المؤسسات العامة ومن بينهم رؤساء مجالس الإدارة، أو في المصالح المستقلة أو في البلديات أو اتحاد البلديات، وكل ضابط أو فرد في المؤسسات العسكرية والأمنية والجمارك.

ويعتبر قائماً بخدمة عامة كل من أسند إليه، بالانتخاب أو بالتعيين، رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس النواب أو رئاسة مجلس الوزراء، أو الوزارة أو النيابة أو رئاسة أو عضوية المجالس البلدية أو اتحادات البلديات أو المختار أو الكاتب العدل، أو اللجان الإدارية إذا كان يترتب على أعمالها نتائج مالية، وممثلو الدولة في شركات اقتصاد مختلط، والقائمون على إدارة مرافق عامة، أو شركات ذات نفع عام.

ويعتبر قاضياً أعضاء المجلس الدستوري والقضاة العدليون والإداريون والماليون وأعضاء كل هيئة قضائية معتبرة جزءاً من تنظيمات الدولة.

المادة 3- لا يشترط أن يحصل الإثراء غير المشروع مباشرة أو حالاً، بل يمكن أن ينشأ عن الاستفادة من المشاريع المنوي تنفيذها.

وفي 12 ايلول،  قال وزير العدل اللواء اشرف ريفي انه   سيتقدم للمرة الثانية بمشروع قانون لتعديل قانون الاثراء غير المشروع، لضمان الشفافية الكاملة، بحيث يلزم كل من يتسلم زمام المسؤولية أن يكشف امام الرأي العام، وخارج الظرف المختوم، ما لديه من اموال وممتلكات. واعتبر ان هذا التعديل يشكل خطوة نوعية في مكافحة الفساد، واضعاً اياه ايضا بتصرف الرأي العام، وقوى المجتمع المدني التي يفترض أن تلتقي على دعمه والسير به حتى اقراره.

وكان ريفي في آذار 2014قد تقدم من مجلس الوزراء بمشروع قانون يطلب فيه تعديل قانون الإثراء غير المشروع بما يضمن إلزام التصريح العلني عن الأموال والممتلكات والأصول التي يفترض بالمسؤولين في الدولة التصريح عنها وفقا لهذا القانون.

وجاء في الأسباب الموجبة لتعديل القانون  إضافة فقرة على المادة 2 توجب ضرورة أن يكون التصريح الذي يقدم وفقا لهذا القانون، غير سري قابلا للنشر وغير خاضع لموجب السرية ضمن المؤسسة أو الجهاز الذي ينتمي إلى ملاكه مقدم التصريح  ما يضمن مكافحة الفساد وعدم استغلال المراكز التي تشكل محورا أساسيا للتشريعات المعاصرة .تطبيقا للمتعارف عليه " أن قوانين الإثراء غير المشروع من الواجب تعديلها باستمرار لتواكب التطور الإجتماعي والتوجهات التشريعية "الحديثة"."كما ورد في  هذه الأسباب  سيما و أن من يرغب التعاطي بالشأن العام أو السياسة أو دخول مؤسسات الدولة عليه أن يكون صادقا واضحا لا لبس ولا شكوك في وضعه المادي أو الأخلاقي.

وشدد الاقتراح على تعديل المادة الرابعة ببنودها 1 و2 و3 لناحية علنية التصريح في مهلة شهر من تاريخ المباشرة في العمل على أن تودع لدى المراجع الأتية: رئاسة المجلس الدستوري، رئيس الدولة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء، الوزراء والنواب.

كما انه في عام  2014، وقع 16 نائباً في البرلمان اللبناني على المشروع التي اقترحته جمعية "نحو المواطنية" لتعديل قانون الإثراء غير المشروع. ورفض بعض النواب التعديل المقترح، أما الآخرون فلم تحصل الجمعية على أي رد منهم. هذا ما أعلنته جمعية "نحو المواطنية" في مؤتمر صحافي عقدته وأعلنت فيه نتائج حملة "الشباب يحاسب" الهادفة إلى المطالبة بتعديل قانون الإثراء غير المشروع (154/99)، وكيفية تجاوب النواب معها. يذكر أن الحملة ترى في القانون المذكور عدداً من الثغرات  التي تطالب بتعديلها، وأبرزها: 1- التصريح غير الشفاف عن الذمة المالية، وبقاء التصريح في غلاف سري مغلق. 2- تأكيد القانون الحصانات الدستورية الممنوحة للرؤساء والوزراء، وهم الفئة المعنية بالمخالفات والارتكابات التي تتصل بجرم الإثراء غير المشروع. 3- اشتراط القانون كفالة مالية عالية لتحريك الدعوى الجزائية، والغرامة الباهظة المفروضة إذا لم يثبت الجرم، إضافة إلى العقوبات، الأمر الذي يشل الملاحقة على هذا الصعيد. 4- تطبيق أحكام مرور الزمن العادية، الأمر الذي لا يتفق مع خطورة وطبيعة الجرم.

مرقص

ولكن كيف سيكون دور القضاء في مكافحة الفساد في لبنان اليوم؟

المحامي الدكتور بول مرقـص رئيس "منظمة جوستيسيا الحقوقية " قال " للاقتصاد" :

حسبُنا أن نستكشف، بعدما عجز القضاء الدولي لحينه، أين وكيف يمكن للقضاء اللبناني أن يستعيد الزمام على الأقل في مكافحة الفساد الداخلي.

من الآن نقول، لن يستعجل السياسيون إقرار قانون السلطة القضائية المستقلة.

كما هم لم يقرّوا قانون الانتخابات النيابية كذلك هم لن يقروا قانون السلطة القضائية. فهل سيخوّلون القضاء أن يحاسب متوّلي السلطة بموجب قانون السلطة القضائية المستقلة إن لم يخوّلوا الناس محاسبتهم بموجب قانون الانتخابات النيابية؟! بالطبع لا.

وتابع :  على القضاء التحرّك إذاً لمكافحة الفساد في ظلّ التشريع الحالي، وريثما يتطوّر التشريع، عبر خطوات ثلاث:

أولاً: إعلان مجلس القضاء الأعلى وتوقيع رئيسه وأعضائه على مدونة شرعة سلوك يتعهّدون بموجبها عدم تبوّء أي مركز عام في الدولة اللبنانية لقطع المجال أمام مسايرة القضاة للسياسيين لطمع في منصب وزير أو نائب أو سواه. وهذا شأن مبدئي لا يٌسأل عنه المجلس الحالي.

ثانياً: على القاضي تلقّف أي شكوى أو إجراء من أي نوع كان لمكافحة الفساد والمضي بها حتى الخاتمة السعيدة، إن لم يقدُر القاضي على فتح الملفات من تلقائه خشية على مستقبله.

ثالثاً: اتخاذ كل قاضِ ما يلزم من تدابير وإجراءات تتيحها له القوانين الحالية على تواضعها ومحدوديتها.

وسأل : هل يُعقل أن يلزم قانون الإثراء غير المشروع المعدّل عام 1999 على عجل دون أن يحظى ولا لمرة بفرصة التطبيق طيلة 70 سنة من صدوره، هل يعقل أن ينص على كفالة مصرفية بقيمة 25 مليون ليرة يودعها الشاكي ضمانةً لشكواه تلك؟ وهل يعقل أن يحكم بالغرامة بما لا يقلّ عن 200 مليون ليرة وبالحبس معاً إن كُفت التعقبات أو منعت المحكمة عن المشكو منه؟

هل أودع جميع المعنيين بالتصريح عن الإثراء غير المشروع، الإيداعات المطلوبة منهم قانوناً فور تبوئهم مراكزهم، بمقتضى قانون الإثراء غير المشروع، تحت طائلة إعلان القضاء سقوط ولايتهم بأثر رجعي، حكماً؟

أين دور القضاء بعدما جرى السعي الجاد لتكبيل دور المواطن في مكافحة الفساد؟

نعم ثمة قضاة جريئون ورياديّون. فليتحرّكوا، أقلّه فقط ضمن الهامش القانوني الضيّق المتاح.

وفي ضوء كل ما نقل عن "قانون الاثراء غير المشروع" يبدو ان المطلوب هو شجاعة سياسية   تقرّ  بمبدأ الثواب والعقاب وتطبّقه فتعيد ثقة المواطن بالمسؤول .