استفاق الشارع اللبناني من غيبوبة طويلة تمكن خلالها "سماسرة الوطنية" من استباحة أرض لبنان وشعبه! وشكل موضوع النفايات مدخلا لتعريف أزمة كبرى تعيشها البلاد، وحالة عامة يصطف خلفها الجميع. فخرج الآلاف الى شوارع وسط بيروت في تجمع سلمي لم تشهد مثله العاصمة منذ مدة طويلة ، منددين بفساد الحكام والأنظمة، ورافعين شعار "طلعت ريحتكم".

فالمواطن لم يطالب الا بحقوقه الأساسية في الكهرباء والمياه والأمن والصحة، الا ان هذا الهم غاب عن بال المسؤولين وبقيت الخلافات والتجاذبات السياسية والولاء للخارج والمراكز تسيطر على عقول الحكام واهتماماتهم.

وفي ظل وضع اقتصادي صعب، وموسم سياحي شبه معدوم، وحركة تجارية ضعيفة، أتت "الثورة" لـ"تزيد الطين بلة" على الوضع الاقتصادي العام وعلى حالة التجار في كافة المناطق اللبنانية بشكل عام، وفي وسط بيروت بشكل عام. اذ عمد بعض المتظاهرين ليل أمس، الى تكسير واجهات المحلات التجارية وإلحاق الضرر بها.

فإلى أي مدى سوف تتأثر الحركة التجارية بالوضع السائد في البلاد اليوم؟ وما هي تداعيات "الثورة" على الاقتصاد بشكل عام، وعلى كافة المؤشرات، في المدى البعيد؟

أجاب على هذه الأسئلة نائب رئيس جمعية تجار بيروت، ​جهاد التنير​، في حديث خاص مع "الاقتصاد"، أكد خلاله أن الوضع القائم في البلاد سيؤثر حتما على الحركة الاقتصادية والتجارية، لأنه يزيد من الشلل القائم.

- الى أي مدى سوف يؤثر الوضع القائم على الحركة التجارية، التي هي بالأساس متأثرة بالوضع الاقتصادي السيء؟

وضع البلاد اليوم سوف يؤثر حتما على الحركة، لأنه يزيد من الشلل القائم. فالأسواق ضعيفة والحركة شبه معدومة. وهناك فرق كبير بين نهار الخميس مثلا، أي قبل حصول التظاهرات، وبين اليوم، فالبلد خالٍ حاليا! بطبيعة الحال، إن الحركة التجارية حساسة كثيرا وتتأثر بأي حادث يحصل.

- ما هي تأثيرات الوضع القائم على الحالة التجارية والاقتصادية على المدى البعيد؟

التأثيرات تبدأ في حال لم تستطع الحكومة تأمين الأجور والرواتب للقطاع العام. ففي حال تعثرت، سوف تؤثر على القدرة الشرائية للمواطن خاص مع إقتراب موسم المدارس، مما سينعكس على الوضع الاقتصادي في البلد، وعلى الحركة الاقتصادية. فالأسواق متراجعة بنسبة 30% منذ بداية العام ولغاية اليوم، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. كما أن وضع الشركات صعب جدا لأنها تعاني من نقص في السيولة. وبالتالي لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر على هذا الشكل.

فالدولة هي المقاول الأول، والمسؤولة عن رعاية الاقتصاد، وهذا الأمر غير موجود في الوقت الحاضر.

- ما هي مطالبكم اليوم كجمعية تجار بيروت؟

قبل كل شيء، نطالب بانتخاب رئيس للجمهورية، لأن هذا الأمر سوف يعيد التوازن الى البلاد. اضافة الى اجتماع الحكومة وتفعيل عملها، والتركيز على الأمور المتعلقة بخدمة الدين والهبات والقروض التي سوف ينتهي أجلها قريبا، دون أن تقرها الحكومة، بسبب الشلل الموجود. اذ هناك هبات لها علاقة بخدمة اللاجئين السوريين، ومشاريع محددة، بالاضافة الى القروض وأهمها قرض سد بسري.

وطالما أن القروض والهبات غير مقرة وغير مقبولة، تعتبر الدول المانحة، والاتحاد الأوروبي والصناديق العربية والبنك الدولي، أننا لسنا بحاجة الى الأموال، وبالتالي يتم ايقافها. وهذا الأمر يسيء الى تصنيف لبنان، الذي لا يزال "B". لكن اذا انخفض الى "B-" مثلا (الذي يعطى للدول المتعثرة)، سيؤدي الى انعكاسات كبيرة على استمرارية التعاطي الدولي مع لبنان أولا، وثانيا على الفوائد المصرفية التي سترتفع لأن الثقة ستنخفض.

لذلك نتمنى أن لا يحصل هذا الأمر. لكن اذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم سوف نعاني حتما من هذه الأزمة.

- هل تم احصاء حجم الأضرار الناتجة عن تكسير بعض المتظاهرين ليل أمس، لواجهات المحلات التجارية في وسط بيروت؟

لم يتم احصاء الأضرار بعد، لكن يمكن القول أنها كبيرة جدا. فكل شارع رياض الصلح، اضافة الى جزء من شارع ساحة الشهداء والمحيط، تكسرت فيه واجهات المحلات وتم تخريب المكاتب.

وهنا يجدر القول أن التاجر لا ينقصه أية مصاريف اضافية. لكن الآن سوف يضطر الى تصليح الأضرار من جيبه الخاص، الا اذا أقرت الدولة تعويض ما. لكن لا أعتقد اليوم أن الدولة ستأخذ هذه المبادرة، في ظل المصاريف الضخمة المتكبدة عليها.

- توقع تقرير صادر عن وحدة إيكونوميست للمعلومات "EIU" بشأن لبنان، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.5% في عام 2015 من 2% عام 2014. ما رأيك بهذه الأرقام؟ وهل من الممكن أن يحقق لبنان هذا النمو؟

لا أعتقد في الوضع الحالي أنه من الممكن أن يحقق لبنان نسبة نمو تصل الى 2.5%. والسبب ليس الثورة الحاصلة في الوقت الحالي، ولكن بسبب الوضع السياسي العام والتجاذبات السياسية، فالبلد مشلول، والثورة بدأت منذ 4 أيام، وموضوع النفايات بدأ منذ حوالي شهر، ومجلس الوزراء معطل منذ أكثر من 5 أشهر. وبالتالي هناك أمور أخرى تؤثر على نسب النمو، لا علاقة لها بالوضع الآني. فهذه الحالة اليوم هي نتيجة التعطيل الحاصل منذ فترة بسبب التجاذبات والخلافات السياسية.