"العقبة التي تواجه المرأة في لبنان هي الاستخفاف بكفاءاتها، وعدم الوثوق بقدرتها على تولي مناصب القيادة". هذا ما أشارت اليه أخصائية التغذية سارة عرموش، في حديث خاص مع "الاقتصاد"، تمحور حول بداياتها ومراحل تأسيس عيادتها الخاصة، اضافة الى رؤيتها لواقع النساء اللبنانيات اليوم، ودور الرجل في مساعدة ودعم المرأة.

تعمل سارة عرموش حاليا كمساعد منسق ومساعد باحث في وحدة التواصل والعمل المجتمعي في كلية العلوم الصحية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، التي تخرجت منها مع اجازة في علم التغذية.

عام 2014، حازت على شهادة الماجستير في الصحة العامة مع التركيز على تعزيز الصحة والصحة المجتمعية، وهي اليوم أخصائية تغذية مرخصة. أما المشاريع التي تعمل عليها حاليا فتتضمن التعليم المجتمعي للطلاب، وتوثيق الممارسات الجيدة في مجال البرامج الشبابية بالتعاون مع "اليونيسف".

بالإضافة إلى ذلك، تشارك في تنظيم العديد من الدورات والورش التدريبية لبناء القدرات التي تشمل استخدام التكنولوجيا لتخطي التحديات التي يتم مواجهتها في برامج الصحة العامة، والوقاية من العنف المهني في القطاع الصحي، وإدارة البرامج وتعبئة المجتمع للاجئين السوريين في سياق الأزمات إنسانية.

- أين كانت الانطلاقة ومتى؟

بعد تخرجي من "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، عام 2012، خضعت لفترة تدريب في "مستشفى جبل لبنان"، كما نجحت في امتحان الـ"colloquium" وحصلت على رخصتي.

عند هذه النقطة، بدأت بالبحث عن فرص عمل في مراكز التغذية والمستشفيات، كأخصائية في التغذية، أو مراقبة لجودة وسلامة الغذاء. وبعد أن عملت على عدد من المشاريع كمستشارة في التغذية، قررت اطلاق عيادتي الخاصة في أيلول 2011.

- لماذا قررت التخصص في مجال التغذية؟ وكيف أسست عيادتك الخاصة؟ ومن أين حصلت على التمويل اللازم للبدء؟

خلال سنتي الأخيرة في المدرسة، تعمقت في مختلف المجالات التي من الممكن أن أتخصص بها في الجامعة. وقصدت بعدها "الجامعة الأميركية في بيروت"، وسألت عن اختصاص التغذية والحميات الغذائية، كما قرأت مقالات مثيرة للاهتمام على الانترنت حول هذا الموضوع. وبعد مناقشة مع شخص يعمل في هذا المجال، قررت الانخراط في علوم التغذية. وفي العام 2011 افتتحت عيادتي الخاصة في منطقة الحمرا.

ولا بد من الاشارة الى أن والدي طبيب ولديه عيادة، لذلك استفدت من الأوقات التي يغيب فيها، وقررت الحصول على معدات التغذية واستخدام هذه العيادة. كما أنه دعمني في تمويل عملي.

- من هم زبائنك؟ وكيف تواجهين المنافسة؟

لدي مجموعة متنوعة من العملاء، منهم شباب يعانون من الوزن الزائد، وأشخاص في منتصف العمر، من الرجال والنساء، الذين يناضلون من أجل انقاص وزنهم، أو لديهم ظروف صحية معينة. كما أعاين نساء حوامل يقصدن العيادة للحصول على نصائح غذائية.

أما بالنسبة الى المنافسة، فهي قوية جدا في مجال عملي، اذ يستمر عدد خبراء التغذية في الارتفاع، في حين أن السوق هي بالأساس مشبعة. لكن ما يميزني هو أنني صادقة دوما مع زبائني حول الأهداف القابلة للتحقيق في ما يتعلق بالوزن. فأنا لا أضع أمامهم هدفا غير واقعيا في إطار زمني قصير، بل أشرح لهم منذ البداية الوقت الذي سيستغرقهم من أجل تحقيق هدف معين. كما أتأكد دوما من اتباع نظام غذائي صحي، وليس مبالغا فيه. وأعطي العميل الوقت الكافي لشرح حالته، ومناقشة المسائل الأخرى التي تؤثر على سلوكيات الأكل ونمط الحياة. بالإضافة إلى ذلك، أتيح للعملاء التواصل معي، ومناقشة أي موضوع يرد الى بالهم.

اشارة الى أن رسوم الاستشارة والخدمات معقولة جدا، نظرا الى مكان عيادتي المكلف جدا.

- هل تمكنت من ايصال خدماتك الى خارج لبنان؟

لدي عدد من العملاء من دبي والعراق وليبيا، لكن معظم أعمالي محلية. وبالإضافة إلى ذلك، أستلم عدد من مشاريع التغذية الخاصة، مثل تطوير قوائم الطعام، وتقديم اقتراحات حول النظام الغذائي لبعض الشركات، وغيرها.

- ما هي الصعوبات المهنية التي تواجهك خلال مسيرتك المهنية؟

التحدي الرئيسي في لبنان هو غياب الفرص. ففي مجال عملي، ترفض معظم مراكز الحمية التوظيف خوفا من سرقة أسرارها، أو تفرض بعض الشروط الصارمة على العقد، مثل منع اطلاق مشروع تجاري خاص، حتى بعد سنتين أو ثلاث من مغادرة العمل.

بالإضافة إلى ذلك، يكون المردود المالي في معظم الأوقات قليل جدا بالمقارنة مع كمية العمل المفروضة.

كما أن السوق مشبعة، وفي غالبية الأحيان يكون من الصعب الحصول على الزبائن، وعندما يأتون، يتبين أنهم قد استشاروا العديد من خبراء التغذية من قبل، لذلك أحتاج إلى تمييز نفسي بطريقة أو بأخرى.

أما على مستوى صناعة الأغذية، فهذا المجال صعب جدا، ويشكل العمل في المطابخ تحديا كبيرا، لأنه علينا في معظم الأوقات، التعامل مع أشخاص يفتقرون إلى المعرفة حول قوانين سلامة الغذاء، وبالتالي يرفضون الامتثال لها.

- هل واجهت يوما أي تمييز في اطار العمل لمجرد لكونك امرأة؟

بشكل عام، لم أواجه هذا النوع من التمييز في مجال عملي، اذ من المعروف أنه يجذب النساء في المقام الأول.

ومع ذلك، كوني امرأة وأخصائية تغذية يصعّب علي أحيانا أن أفرض نفسي. فعند العمل في المستشفيات، نتعامل مع بعض الأطباء الذين لا يأخذوننا على محمل الجد، ويريدون القيام بمهامنا، أو الإدلاء بتعليقات غير لائقة.

والموضوع نفسه يتكرر في مجال سلامة الغذاء، فهناك أشخاص لا يأخذون المرأة على محمل الجد. كما أن صغر سنها يجعل الأمر أكثر سوءا، ويبدأ البعض بالتشكيك في مؤهلاتها.

- ما الذي ساعدك برأيك على التقدم والنجاح؟

أنا شخص صبور وطموح، وأسعى دوما إلى توسيع نطاق معرفتي وخياراتي. فعندما واجهت التحديات، قررت مواصلة رحلتي الدراسية.

ولا بد من القول أنه لدي عيادتي الخاص، لكنني أبحث دوما عن فرص أخرى مثيرة للاهتمام. وحصولي على شهادة الماجستير، أتاح لي استكشاف فرص عمل أوسع على المستوى الإقليمي.

- ما هي مشاريعك المستقبلية، وما الذي تطمحين الى تحقيقه؟

أنا متحمسة جدا حول موضوع الصحة العامة والتغذية المجتمعية، لذلك أسعى للحصول على وظيفة إقليمية في وكالة دولية مثل الأمم المتحدة أو هيئة حكومية، أتمكن من خلالها القيام بمشاريع متعلقة بالصحة والتغذية مع المجتمعات المحلية، وتحديدا مع الشباب والمجتمعات الضعيفة.

- كيف تمكنت من التنسيق بين عملك وحياتك الخاصة؟

أعتقد أن ادارة الوقت هي أحد مفاتيح النجاح، فأنا أحب دوما أن أخطط لأيامي كي أتمكن من انجاز كل ما أنوي القيام به. كما أعمل بشكل متواصل للحفاظ على التوازن بين عملي وحياتي الشخصية، وحتى الآن تمكنت من تحقيق ذلك. انما آمل أن لا يتغير هذا الوضع عندما أكوّن عائلتي الخاصة.

- ما هي برأيك المعوقات التي تقف في طريق تقدم المرأة اللبنانية؟

العقبة التي قد تواجه المرأة في العديد من مجالات العمل في لبنان، هي الاستخفاف بقدراتها، وعدم الوثوق بكفاءاتها في تولي مناصب القيادة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك الصورة النمطية للمرأة، التي تظهرها فقط كربة منزل، وتحرمها من العمل. علما أنه يوجد اليوم عدد كبير من النساء الناجحات، والحائزات على أعلى الشهادات، واللواتي يحققن التوازن بين منازلهن وعائلاتهن. لذلك يعود الأمر للمرأة في اختيار الطريق الذي تريده.

من ناحية أخرى، يجب أن تدعم القوانين حقوق المرأة في العمل وفي الحياة بشكل عام، وهذا الأمر غير واضح أبدا في النظام الحالي.

- كيف تقيمين دور الرجل في لبنان؟

للرجل أدوار مختلفة، لكنه حتما عنصرا هاما في المجتمع. انما بعض الرجال يدعمون المرأة ولا يميزون بينها وبين الرجل، فيما البعض الآخر لا يؤمن بإعطاء فرصة للمرأة، وقد يسيء اليها في معظم الأوقات؛ وذلك بناءا على تربية الرجل وأخلاقه.

- ما رأيك بالتقدم الذي حققته المرأة في لبنان على صعيد الحقوق؟

يتم بذل الكثير من الجهود في هذا الموضوع، لكننا للأسف لم نصل بعد إلى الوضع المثالي. وحتى إذا تم اقرار بعض القوانين، يبقى تنفيذها غائب، ولا نزال نسمع عن الحوادث التي تؤذي المرأة، وقد تؤدي أحيانا إلى موتها.

في مجال العمل، هناك عدد كبير من النساء اللواتي يكافحن، ويتم حرمانهن من بعض الامتيازات بسبب جنسهن فقط. لذلك يجب أن تتحلى الشركات بالجدية في احترام حقوق المرأة، وعلى الدولة في المقابل أن تضمن هذه الحقوق، كي تتمكن المرأة اللبنانية من الحصول على فرص متكافئة.

- هل لديك طموح سياسي؟ وهل تؤيدين اقرار الكوتا النسائية في المجلس النيابي؟

أنا شخصيا لست مهتمة بالسياسة، وخاصة في لبنان. لكن الكوتا قد تشكل الخطوة الأولى لادخال المزيد من النساء الى المجال السياسي، شرط أن يكون لهنّ دورا فعالا، وليس لمجرد اشغال مقعد ما، وإلا فلا معنى لوجودهن.

نسمع عن العديد من النساء في الخارج اللواتي يحققن بالفعل بعض التغيير على المستوى السياسي، لذلك نأمل أن نسمع الأمر نفسه عن النساء اللبنانيات.

- ما هي نصيحة سارة عرموش الى المرأة؟

"حاربي الظلم دوما، وكوني واثقة بنفسك. يمكنك تحقيق كل أحلامك إذا ثابرت ولم تستسلمي في وجه العقبات. فالعمل الشاق يأتي دوما بثماره. ارفعي صوتك دائما، ولا تدعي أي شخص يشعرك بالنقص لأنك امرأة!"