ليست المرة الاولى، ولن تكون الاخيرة التي تكون فيها المواجهة بين الاعلام والطب محتدمة . فقضية الطفلة الملاك ايللا طنوس فجرّت هذا الصراع . و كل طرف يعتبر انه يقوم بواجباته ويلتزم برسالته مع ما تحمله من  مسؤوليات متجاهلا الضحية وهو المريض.

للاعلام الحق ومسؤولية في نقل الحقائق بدقة ومهنية الى الرأي العام،وليس تشويهها،وذلك بهدف الترشيد والتوعية دون النيل من سمعة أحد . وميثاق الشرف الاعلامي يرعى ضوابط العمل الاعلامي . وهنا المسيرة طويلة تبدأ بالخبر اليقين الى التحقيق والاستقصاء ، الى جانب المقالة التي لاتخلو من انواع السرد والتحليل .

فإذا كانت الحرية الاعلامية مكرّسة في الدستور ال​لبنان​ي وفي القوانين التي ترعى الاعلام، الا ان هذه الحرية يجب ان تمارس دوما تحت سقف القانون، الذي يصون حقوق الناس وكرامتهم ويحمي السلم الاهلي والوحدة الوطنية من كل تعرض.

كما ان القوانين المرعية الاجراء، ولا سيما قانون العقوبات تدين التجاوزات الاعلامية.

اما الطب فهو مسؤولية بدوره . وقانون الآداب الطبية جازم في تحديد واجبات الاطباء نحو المرضى  وفي تحديد المسؤولية الطبية والسرية المهنية وغير ذلك...

وابرز ماتنصّ عليه الاحكام في واجبات الاطباء العامة:

ان رسالة الطبيب تتمثل في المحافظة على صحة الإنسان الجسدية والنفسية وقائياً وعلاجياً والتخفيف من آلامه ورفع المستوى الصحي العام.

و على الطبيب، مستلهماً ضميره المهني، أن يعالج أي مريض، سواء كان في زمن الحرب أو السلم ومهما كانت حالة هذا المريض المادية أو الاجتماعية ودون النظر إلى عرقه أو جنسيته أو معتقده أو آرائه السياسية، أو مشاعره أو سمعته.

كما يجب أن تحترم إرادة المريض قدر المستطاع، وإذا تعذر على المريض إبداء رأيه، وجب على الطبيب إعلام أقربائه بحالة مريضهم، إلا في حالة الطوارئ أو الاستحالة.

ايضاً على الطبيب، أن يرفض سواء في زمن السلم أو الحرب، وحتى تحت التهديد استغلال مؤهلاته المهنية، للمساعدة أو الاشتراك أو القبول بأية معاملة غير إنسانية، وإذا طلب منه معالجة أو معاينة فاقد الأهلية، وتبين له أن هذا الشخص خضع للتعذيب، وجب عليه إبلاغ السلطات القضائية.

اوالى ذلك  يتوجب على الطبيب أن يجهّز عيادته بالتجهيزات المناسبة وبوسائل تقنية كافية وأن يحرص على عدم ممارسة مهنته في ظل ظروف وشروط قد تضر بكرامته أو بنوعية العلاج الذي يصفه.

وعلى كل طبيب مهما كان عمله واختصاصه، إذا كان متواجداً مع مريض أو جريح في حالة الخطر، أو أبلغ بوجود مريض أو جريح في حالة الخطر، أن يساعد هذا المريض أو الجريح أو أن يتأكد من حصوله على الإسعافات اللازمة، إلا في حالة القوة القاهرة.

والاهم انهلا يجوز للطبيب أن يمتنع عن تلبية نداء لحالة طارئة، إلا إذا تأكد من انتفاء أيخطر محدق بالمريض أو إذا كان محجوزاً لسبب طارئ يعادل في الأهمية حالة هذا المريض، وعليه في الحالتين الإجابة دون إلإبطاء بعدم التلبية.

النائب مجدلاني

مأساة الطفلة ايللا كبيرة وما من اي تدبير يعوَض عليها ما فقدته معنويا ً وجسدياً.

ايللا الملاك الصغير  تصدّرت اخبار وسائل  في الآونة الاخيرة بصورة الطفلة المتألمة والضحية لخطأ طبي ربما او غير ذلك .. . فيما انه كان الأحبّ طبعا ً لها ولأهلها  ان تظهر في الاعلام  بمشهد يذكرها بطفولتها السعيدة  . وبانتظار ما سيصد ر عن القضاء من حكم  بعد اكتمال عناصر التحقيق والاثباتات ، فيما ان الجسم الطبي يعيش في اجواء  تسودها النقمة على ما يتعرَض  له من اتهامات،  لا بد من التوقف عند تقييم  رئيس لجنة الصحة النيابية د.عاطف مجدلاني  لما يحصل اليوم بين الاعلام ونقابة الاطباء.

وهو يعتبر ان هذه المواجهة لم يكن يجب ان تحصل . وقال "للاقتصاد": صار هناك سوء فهم للموضوع وعدم تعاطي بحكمة وحسن دراية معه.

وقال : انا كطبيب وكنائب ابدي كل المحبة وتعاطفي مع الطفلة ايللا واهلها التي تابعت معاناتها وألمها بحزن والم شديدين. نحن في موقع واحد مع الأهل ، لأن الهدف مشترك والمطلوب تحديد المسؤوليات وإحقاق الحق وليس إطلاق الاحكام جذافاً.

الهدف المشترك والمنشود هو الوصول الى المسبّب لهذه الحالة التي وصلت اليها الطفلة وليس سلوك الطريق السهل واعلان المحاكمة المباشرة . اظّن ان ما حدث في هذه القضية هو اطلاق احكام مسبقة في غير محلها.

نحن كأطباء لسنا مجرمين . نحن بشر معرضّون لإرتكاب اخطاء في اي لحظة . ولكن الفارق اننا نتعاطى مع اغلى ما يملكه الانسان وهو صحته. ومع هذا أكرّر ان الطبيب ليس مجرماً ولايجب بالتالي السماح بإدخال اي طبيب الى السجن تحت اي ذريعة ، سيما وان في ذلك الكثير من التسرّع والتجنّي عليه وعلى سمعته.

ويتابع: عشت في فرنسا 15سنة ولم اسمع خلالها باي حادثة ادخال طبيب الى السجن جراء خطأ طبي. فالتعامل مع الطبيب كمجرم لا يجوز، لان الخطأ فيما لوحصل فأنه بالتأكيد هو غير مقصود.

وكشف د.مجدلاني انه اليوم بصدد مراجعات التشريعات الموجودة حول هذا الموضوع مع محامي نقابة الاطباء بما يسمح  بايجاد نص اقتراح قانون جديد من شأنه  توفير الحماية للمريض وللطبيب معاً.

وقال : لا ننسى انه اليوم في نقابة الاطباء مجلس تأديبي ولجنة تحقيقات يمارسان مهامهما وعملهما بكل مسؤولية لإحقاق الحق.

و بعد اكتمال عناصر التحقيق الذي يتم بسرية تامة  يرسلان التنبيه والتحذير وابعد من ذلك يصدران أمر وقف مارسة المهنة للمذنب في حال ثبتت مسؤوليته. فالتحقيق يتم اذاً بشكل سري وموضوعي بعيداً عن الاعلام .  وهذا ما هو معمول به في السلك الامني والعسكري اليوم  دون الذهاب الى الاعلام الذي يقوم للاسف بعضه بتشّويه الحقائق.

وما أريد قوله اننا مع القانون ومع القضاءالعادل. مع الناس الذين نحن منهم ونكنّ لهم كل محبة ونية صادقة في توفير الرعاية اللازمة.

وأركزّ انه في لبنان لطالما كنا نتغنّى بمستشفى الشرق فلماذا اليوم نسعى الى ضرب هذه الصورة الجميلة ؟

غالبية المرضى الذين يدخلون المستشفيات اليوم يشفون عن طريق علاج  يقدمها الاطباء . وهؤلاء الاطباء داخل وخارج لبنان يحققون  الانجازات الطبية اللافتة ويكونون محطة تقدير واحترام محلي وعالمي. من هنا لايجب ابداً التعرّض لكراماتهم والنيل من سمعتهم قبل اكتمال الحقائق.

و لفت د.مجدلاني الى انه ليس هناك من معطيات متوافرة حول واقع الاخطاء الطبية في لبنان اليوم اي اذا كانت في ارتفاع او تراجع.

الاخطاء الطبية ملف شاءك ودقيق فاين هو في ملف القانون؟

المحامي د. بول مرقص

رئيس مؤسسة جوستيسيا المحامي الدكتور بول مرقص يوضح في هذا المجال :انه حسب تعريف   الفقهاء الخطأ الطبي هو : "كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه عن القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العرف العام، والمتعارف عليها نظرياً وعملياً وقت تنفيذه العمل الطبي، أو إخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة التي يفرضها القانون وواجبات المهنة على الطبيب، متى ترتبت على فعله نتائج مهمة، في حين كان في قدرته، وواجباً عليه، أن يكون يقظاً وحذراً في تصرفه حتى لا يلحق ضرراً بالمريض." ويشكّل الخطأ الطبي أحد أشدّ الأخطاء المهنية خطورةً في الحياة اليومية لأنه على خلاف الأخطاء المهنية التي قد يرتكبها المهنيون الآخرون كالمحامين أو المهندسين أو المحاسبين، فإن الخطأ الطبي يمسّ صحة الانسان وحياته على نحو مباشر.

ويتابع: فكم من إنسان فقد حياته بسبب خطأ ارتُكب أثناء إجراء عملية جراحية، وكم من شخص تخلّف

عن  علاج بسبب خطأ في التشخيص للمرض الذي يعاني منه.

وعلى الرغم من المبدأ المسلّم به قانوناً بكون الطبيب ملزماً بموجب وسيلة وليس موجبنتيجة،اي موجب بذل

عناية وليس موجب شفاء المريض بالضرورة، إلا أن هناك حداً منالمسؤولية  يجعل الطبيب ملزماً بتوّخي

أقصى السبلالممكنة لشفاء المريض. كما ان موجب  الوسيلة هذا الموضوع لصالح الطبيب بدأ يتقلّص لصالح المريض.

إن الخطورة الكبرى في موضوع الأخطاء الطبية هو انتفاء الإحصاءات الدقيقة حولها، فضلاً عن التكتّم

والغموض اللذين يحيطان بالأخطاء الطبية التي تحصل ، رغم الاضواء الاعلامية التي تسلط بين الفينة والاخرى والتي لا يمكن أن يعوّل عليها للمعاجلة المنهجيةرغم أهميتها في بناء الرأي العام ،بما من  شأنها الحد من تنظيم معالجة سوء الممارسة الطبية والاستشفائية ووضع العقوبات الملائمة بصددها. إن ما تمّ رصده من حالات أخطاء طبيةوجرت إحالته إلى القضاء غالباً ما انتهى بتعويضات مالية تتولاها شركات الضمان أحياناً دون حبس الفاعل لمدة طويلة وايقافه عن العمل والاكتفاء بمجرّد بمجرّد توجيه اللوم إليه أو تنبيهه مسلكياً. هذا فضلاً عن التعقيدات الإجرائية التي تترافق مع  تقديم شكوى بحق طبيب والتي من شأنها أن تفرغ الشكوى من معناها كلما طال أمد الإجراءات وتشعّبت النواحي التقنية. أما من ناحية أخرى، ولإنصاف أصحاب الإختصاص من الأطباء، فإن ليس كل مضاعفة يعاني منها المريض تكون خطأً طبياً؛فلايجب إلقاء اللوم على الطبيب في كل مصاب يلحق بالمريض بعد زيارة الطبيب:

فالمسؤولية مبنية على الخطأ والرابطة السببية،مع التأكيد علىالموجبات الدنيا للطبيب التي اشرنا اليها سابقاً. فالمسؤولية الطبية يجب أن تشتمل على الخطأ الطبي استناداً إلى  قاعدة المسؤولية وتحديد المسؤول عنه سواء المستشفى أو الطبيبوالطاقم الطبي لمعرفة الإجراءات الواجب اتخاذها والعقوبات الواجب تطبيقها لحماية  المريض.

وفي المقابل، تكمن أهمية تثقيف المريض والتوعية حول حقوقه في هذا الإطار لتمكينه من المتابعة الفاعلةلتحصيل حقوقه في حال الخطأ الطبي.

عن موقفه من دور الإعلامفي هذه الحملة يجيب الدكتور مرقص:" أؤّيد تماماً دور الإعلام الحقوقي بالخصوص الذي يساهم في فضح الفساد وينهض بالسلطات المعنية للقيام بواجباتها ويشكل حالة ردع ووعي اجتماعي لبناء رأي عام قائم على المحاسبة. لكن الرأي العام المذكور مطالب أيضاً بالوقوف ليس موقف شفقة بل التحرك لمواكبة الإعلام في جهوده دون أن يصل الناس إلى حدّ التعميم أو إطلاق الأحكام المسبقة.

وأخيراً، يبقى القول ان للاعلام والطب مسيرة طويلة في النضال من اجل الانسان الذي يجب ان يبقى في اولويات مقدسات ممارسة اي مهنة.

اما بالنسبة للمريض الضحية فمهما كتب في الاعلام،  ومهما كان العقاب شديداً بإيعاز من القانون وبحكم القضاء ليس من تعويض عادل، لاسيما مع الملاك الصغير ايللا التي يبقى التمني لها بالشفاء الكامل من القلوب المؤمنة بالمعجزات هو الاجدى، لانها وحدها قادرة على ادخال الفرحة مجددا اليها والى عائلتها وتجاوز ما حصل .والله الخالق هو المنصف والعليم  وقدرته لا سقف ولا حدود لها.