دخل  العام  2015  في  منتصف  الشهر  الثاني  ولبنان  بدون  موازنة عامة  شفافة  ترسم  سياسة  الانفاق وتوسع باب  الايرادات بما  يتيح  تحديد آلية  الاستثمار وتحقيق الانماء  المتوازن . واذا  كان  وزير المال علي حسن خليل قد  اكد  ان  وزارته  قد أنجزت إعداد مشروع الموازنة لسنة 2015 واحالتها على مجلس الوزراء قبل انتهاء المهلة الدستورية في آب الماضي،  و  قد رفع  المسؤولية عنه  بوضع  الكرة  في ملعب مجلس الوزراء  الذي عليه تحديد  جلسة خاصة للمناقشة  والاقرار قبل احالته الى مجلس النواب ،  فانه حتى تاريخه لم تتقدم الحكومة من المجلس النيابي بمشروع قانون يجيز لها الجباية  والإنفاق على أساس الموازنة  الاثني عشرية عن الشهرين الاولين من العام أو الأشهر المرتقبة  وفق ما يجيز لها الدستور ، سيما وان اقرار هذه الموازنة  لن  يكون  في المدى القريب المنظور .

اين الصعوبة اليوم في اقرار مشروع  الموازنة العامة لعام 2015 ؟ وما هو مصير الموازنات  السابقة  منذ العام 2006  بعدما  تم اقرار آخر موازنة في العام 2005؟

غازي  وزني 

الخبير المالي  والاقتصادي  الدكتور  غازي  وزني  يحّمل  المسؤولية  للحكومة  ويقول  ان  الوزير خليل وضع  امامها  المشروع  الُمعد  في الموعد المحدد ، وكان من المفترض  ان تتم مناقشته  واقراره ، وبالتالي ارساله الى مجلس النواب في النصف الاول من تشرين الثاني 2014.  ويرى  وزني  صعوبة  في التوصل الى اتفاق  وزاري  بشأن كيفية  الانفاق  بغياب الدراسات والاجراءات الضريبية   المرافقة  للمشروع  حيث ان كل وزير سيحاول رفع حجم  الانفاق  في وزارته .

ويلفت الى اهمية :

-ربط اقرار هذه الموازنة بمشروع قطع الحساب  في 2013.

- فتح عقد استثنائي في مجلس النواب مع انتهاء  العقد الثاني في كانون الثاني .

ويعتبر انه من ابرز  نتائج هذا التخلّف في اقرار الموازنة  العامة  حرمان المواطن  من اي  اجراءات اصلاحية  ممكنة  في مجال  النفقات  الاجتماعية  والاستثمارية  بحيث  انها ستكون  بدون  رؤية جديدة.

واشار  الدكتور وزني الى ما ينص عليه  الدستور اللبناني  من وجوب  ارفاق  اي موازنة  عامة حالية  او سابقة  بقطع  حساب عائد لسنتين  من قبل ، وذلك للتدقيق في كيفية  الانفاق  وتحقيق الواردات ومدى الالتزام بهما ، ما يساعد في بناء توقعات مقبلة.

وعن الموازنات العائدة للسنوات السابقة ، يؤكد انها بحاجة جميعها الى قطع الحسابات والاقرار ضمن مشاريع قوانين مستبعداً حدوث ذلك .

قطع الحساب ؟

الجميع يقرّ ان عدم اقرار الموازنات العامة على  مر السنوات  فيه مخالفة  دستورية  واضحة .

وبين كلفة الدين العام المتنامي  والنمو الخجول ، شهد  لبنان عام 2005  إقرار آخر موازنة عامة . بعد ذلك  التاريخ  تقدمت  الحكومة الأخيرة  بثلاثة مشاريع  قوانين  لموازنات  أعوام 2006و 2007 و 2008. غير أن الأزمة السياسية  التي مر بها لبنان منعت المجلس النيابي من مناقشة تلك المشاريع.

و بقيت  الأرقام  الواردة  حول الإيرادات هي الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المال اللبنانية  دون موافقة المجلس النيابي عليها  ومراجعة  ديوان المحاسبة  في كيفية  تنفيذها لها.

وإلى جانب عدم إقرار مشاريع  الموازنات  للسنوات المنصرمة ، وعدم  إقرار مشروع موازنة للسنة الحالية وإرساله إلى المجلس النيابي، وعدم إرسال الحكومة إلى المجلس النيابي مشروع قانون يجيز لها الجباية والإنفاق على القاعدة الاثني عشرية، في انتظار إرسال الموازنة  وإقرارها تبرز مشكلة قطع الحساب وحساب المهمة.

فمن الناحية الدستورية، إن إقرار الموازنة ونشرها مشروطان بان تعرض حسابات الإدارية المالية النهائية لكل سنة أي قطع حساب الموازنة وحساب المهمة على مجلس النواب ليوافق عليها  قبل التصديق على مشروع الموازنة وفقا للمادة 87 من الدستور.

وقد أوجبت المادة 83 من الدستور  اللبناني الحكومة تقديم موازنة شاملة لنفقات الدولة ودخلها عن السنة المقبلة  الى مجلس النواب لإعطاءها  إجازة بالإنفاق  وبجباية  الضرائب  والرسوم  لمدة  سنة  تبدأ من أول كانون الثاني وتنتهي في 31 كانون الثاني.

وعلى مجلس الوزراء أن يقرّ مشروع الموازنة في صيغته النهائية بعد أن يرفعه وزير المال قبل الأول من أيلول، ويودعه  المجلس النيابي  في بدء  عقد تشرين الأول  من كل سنة.

وقد الزم الدستور المجلس النيابي  ان يخصص جلساته في عقد اجتماعه الثاني الذي يبدأ يوم الثلثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول  ويدوم  حتى  خر السنة  للبحث  في الموازنة  والتصويت عليها قبل كل عمل آخر. وان يمتنع عن التأخر في درس الموازنة  واقرارها بهدف عرقلة أعمال الحكومة. وقد أجاز الدستور للسلطة التنفيذية  إصدار الموازنة بمرسوم شرط أن يكون مشروع الموازنة  قد طرح على المجلس النيابي قبل بداية عقده بخمسة عشر يوما على الأقل وفق المادة 86.

لاشك  اليوم ان وجود موازنة يُحسّن صورة لبنان لجهة الشفافية، ويمنحه فرصة للحصول على تصنيف أفضل من قبل وكالات  التصنيف  العالمية. 

ومن المعلوم أن الإيرادات عام 2014 زادت نسبياً حيث بلغت حوالي 16 ألف مليار ليرة فيما قدر العجز بنحو 5.9 آلاف مليار ليرة بما يوازي 8% من الناتج المحلي الإجمالي مقاربة بـ 9.3% من العام 2013 بما حقق فائضاً أولياً للمرة الأولى منذ سنوات.

وهذا الضبط المالي ساعد  وفق وزير المال في الحصول على بعض من التمويل الخارجي وتحقيق تصنيف لبنان الإئتماني وملاءته .و التقارير المتتالية عبر أكثر من مؤسسة  ابقت  على  نظرة  مستقبلية مستقرة  للبنان.  كما أبقت  على  تصنيفها  للديون  السيادية  القصيرة  والطويلة  الاجل بالعملة  الاجنبية  أيضاً. ولكن المراقبون  يجزمون  بان  اقرار موازنة شفافة  يساعد في  ايجاد ادارة  سليمة لخدمة الدين العام وفي الاستمرار في   الحفاظ على مستوى سيولة مناسب لطمأنة الاسواق وان اي اختلاف او تماد يهزّ الثقة بالاقتصاد الكلي .

ويبقى السؤال عما  اذا كان  رئيس الحكومة  تمام  سلام  سينجح  في تمرير قطوع الموازنة  وسط  اجواء مجلس وزراء عاصف يدرس بنوده  على توتر عال بعدما وعد مؤخراً بتحديد جلسة  قريبة  لمناقشة  المشروع المقدم من وزير المال؟