لفت الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة الى أن لتراجع اسعار النفط تداعيات إيجابية على مستويين: الأول على صعيد الكلفة الحرارية والثاني على صعيد الميزان التجاري، لكون تعلّق الاقتصاد اللبناني بالنفط كبير سوف يكون التوفير الإجمالي المُتوقَع على الخزينة بحدود 250 مليون دولار. وشرحفي حديث خاص "للإقتصاد" الأسباب والتأثيرات:

ماذا وراء أسباب تراجع أسعار النفط العالمية وهل هي خطة أميركية سعودية كما يقال؟

مما لا يُخفى على أحد أن أسعار النفط تتعلق: الطلب (الاستهلاك)، التضخم والمضاربة.

والطلب على النفط متعلق بشكل كبير بالدورة الاقتصادية فتحسن الأوضاع الاقتصادية تزيد الطلب وكذلك أسعار النفط والعكس بالعكس. ولمعرفة إذا كان تراجع الطلب هو السبب، يكفي مقارنة مؤشر الأسهم S&P500 والذي يُعتبر من أهم المؤشرات لسوق الأسهم وأكثرها شمولية مع أسعار البترول. وهنا نرى أن لا تجانس بينه وبين سعر النفط ويعود السبب إلى أنّ الاقتصاد الأميركي الذي يُعتبر مؤشراً أساسياً للإقتصاد العالمي- نظراً لحجمه - يعيش في حال شبه ركود لا تؤثر في أسعار النفط.

ولمعرفة إذا ما كان تراجع التضخم هو السبب في تراجع أسعار النفط، يكفي مقارنة مؤشر التضخم (مؤشر الدولار الأميركي الذي يُمثل قيمة الدولار مُقيّماً بحجم التبادلات التجارية مع أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية)، نرى أن العلاقة السلبية شبه دائمة. إذ إنه في كل مرة يفقد الدولار من قيمته يعمد منتجو النفط الى رفع الاسعار لتغطية الخسارة الناتجة عن انخفاض قيمة الدولار والعكس صحيح.

وهذا يعني أن أسعار النفط تدنت بشكل أساسي بسبب تحسن الدولار الأميركي مما قلل من قيمة برميل النفط جراء خفض الطلب وبالتالي تهاوت الأسعار. إلا أنه وفي هذه الحالة تعمد الدول المنتجة للنفط وبالتحديد دول الأوبك إلى تخفيض إنتاجها لكي تحافظ على سعر مرتفع. إلا أن دول الأوبك لم تفلح في خفض إنتاجها نتيجة رفض المملكة العربية السعودية.

وعلى هذا الصعيد، وجّه عدد من الدول المُنتجة للنفط إتهامات للمملكة العربية السعودية التي وبحسب هذه الدول تعمد إلى التلاعب بالأسعار ما يخدم الاقتصاد الأميركي خصوصاً مع وجود علاقات إستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية تتمثل بالمعاهدة الموقّعة بين البلدين والتي تنص على النفط مقابل الامن للمملكة.

وإذا ما أخذنا إحتمال تقليص بعض دول الأوبك لإنتاجها من النفط بهدف رفع الأسعار، فإنّ المملكة العربية السعودية ستعمد إلى رفع إنتاجها من النفط خصوصاً أنها تمتلك القدرة لذلك.

هل سيستمر سعر برميل النفط بالإنخفاض؟ وما مدى إنعكاسه على أسعار النفط في لبنان ؟

ومما لاشك فيه أنّ تقلبات أسعار النفط في العالم تخضع قبل كلّ شيء إلى المُضاربة. لكن وبما أنّ مصطلح اليد الخفيّة لـ آدم سميث "Invisible Hand" هي التي تطغى في ظل عوامل مختلفة كلٌ في إتجاه فإنّ العودة بأسعار النفط الى حوالى الستين دولاراً ستكون محتمَلة في ظلّ ضغط سياسي عالمي لعدم رفع الأسعار من قبل المنتجين أو تقليل الكميات لترتفع الأسعار تلقائياً.

وهذا السعر مُعلل بالتالي: اذا اخذنا معدل التضخم واسعار النفط في العام 1983 مثلاً وحسبنا سعر النفط على اساس التضخم نجد أنّ السعر يجب أن يكون 59 دولاراً أميركياً، لكنّ المضاربة على النفط تخلق تقلبات حول المعدل الوسطي ما يعني انّ سعر النفط في الاسواق هو سعر منصف.

لذا ستستمر الأسعار بالهبوط على هذا النمط إلى حين حصول أمر من إثنين: تسجيل الاقتصاد الأميركي نمواً عالياً في الفصل الثالث والرابع من العام 2014 أو تغيّر إستراتيجي في المعطيات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.

الجدير بالذكر أن إنتاج "داعش" للنفط من الآبار التي سيطرت عليها في سوريا والعراق والبالغ عددها 11، وبيع هذا النفط بأسعار منخفضة جداً يُساعد في دفع الأسعار نحو الإنخفاض.

أما على صعيد لبنان، فستستمر الأسعار بالإنخفاض لكن بوتيرة أقل نتيجة هيمنة كارتيلات النفط على السوق. والخوف الأكبر سيكون عند صعود أسعار النفط العالمية، حيث ستعمد هذه الكارتيلات إلى رفع الأسعار بشكل سريع.

شهد الدولار الأميركي إرتفاعاً مما أدى إلى خفض سعر برميل النفط، هل من تأثيرات مالية على الوضع المالي لبنان؟

نعم سيكون هناك تداعيات إيجابية على مستويين: الأول على صعيد الكلفة الحرارية والثاني على صعيد الميزان التجاري

الكلفة الحرارية:

يتعلّق الاقتصاد اللبناني بشكل كبير بالنفط. وهذا التعلق هو نتيجة الهيكلية الإستهلاكية لهذا الاقتصاد حيث لا يوجد تقريباً أيّ نشاط إقتصادي في لبنان لا يستخدم النفط بشكل أو بآخر. والمُلفت للنظر أنّ الاقتصاد اللبناني لا يستخدم النفط في صناعات تحويلية إلّا بنسبة ضئيلة والسبب يعود إلى غياب الصناعات الثقيلة التي تستهلك كثيراً من الطاقة الحرارية.

هذا الإستهلاك يُكلّف لبنان ما يوازي 5 مليارات دولار سنوياً حيث يتأثر لبنان وبشكل كبير بتقلب أسعار النفط بنسب تزيد عن الـ 30% أحياناً! وبغياب أيّ تنويع في مصادر الطاقة وتعلق قطاعَي الكهرباء والنقل بالنفط، نرى أنّ التغيرات في أسعار النفط تؤثر بشكل تلقائي في الكلفة على الاقتصاد خصوصاً في مرحلة صعود الأسعار حيث إنّ ارتفاع أسعار المشتقات النفطية لا يُبرَّر بإرتفاع أسعار النفط العالمية وذلك بسبب وجود كارتيلات النفط.

وبالنظر إلى حجم تحاويل الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان في العام 2013 وإذا ما اعتبرنا أنّ 70% من الكلفة تذهب إلى الفيول، نرى أنّ الكلفة الحرارية الإجمالية بحدود الـ 1.5 مليار دولار. ومع هبوط أسعار البترول بنسبة 30% في الأشهر الستة الأخيرة يكون التوفير الإجمالي المُتوقَع على الخزينة بحدود 250 مليون دولار. بالطبع هذا لا يأخذ بعين الإعتبار الدعم على المازوت الأحمر.

وعلى رغم أنّ هذا المبلغ محدود إلّا أنه من المفروض أن يخفف الأعباء على الخزينة العامة في وقت أصبح فيه العجز يتخطى الـ 6 مليارات دولار سنوياً أيْ ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي حال إستمرّ هذا الإنخفاض على الوتيرة نفسها لفترة تفوق السنة فإنه من المفروض أن يصل التوفير على الخزينة الـ 700 مليون دولار مع نتائج إيجابية في الاقتصاد عامة- ولو بشكل محدود نظراً لغياب الصناعات التحويلية والثقيلة.

الميزان التجاري:

نظراً إلى أن الشريك التجاري الأساسي للبنان هي منطقة اليورو، فإن تحسن سعر صرف الدولار الأميركي مقابل اليورو سيكون له إنعكاسات إيجابية من ناحية خفض كلفة الإستيراد والتي ستُترجم بخفض العجز في الميران التجاري والبالغ 11 مليار دولار أميركي. وهذا يعني أن الأموال التي تمّ توفيرها ستدخل إلى الماكينة الاقتصادية اللبنانية مما يعني أننا قد نشهد تحسنا ً في النمو في الفصل الرابع من هذا العام والفصل الأول من العام المقبل دون أن يكون هناك أي تغيير آخر في المعطيات الاقتصادية.

بالنسبة لملف النفط والغاز اللبناني.. الى أي مرحلة وصل ؟ هل هناك من بوادر إيجابية؟ متى يمكننا القول بأن لبنان بلد منتج للغاز والنفط؟

هذا الملف هو ملف شائك. وإذا لم يكن هناك من جدية في التعاطي مع الملف في البداية، إلا أنه اليوم أصبح عبء على أهل السياسة حيث أن هذه الثروة تُقدّر بحسب الحسابات التي قمنا بها ما بين 370 و 1700 مليار دولار أميركي.

اليوم الملف متوقف في الحكومة التي من المفروض أن تعمد إلى إقرار مرسوم  تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى رُقع كما ومرسوم دفتر الشروط. وهذا الأمر اليوم عالق في السياسة نظراً إلى خطورة الوضع الأمني والسياسية في المنطقة والى عدم وجود إمكانات لدى الدولة اللبنانية للتعاطي مع هذا الملف خصوصاً مع الخطر الداعشي الذي يعصف بلبنان.

لذا وبإعتقادنا فإن هذا بدء التنقيب متعلق بشكل رئيسي بالملف السوري وما ستؤل إليه هذه الأزمة.

الحملة الغذائية من وزارة الإقتصاد والصحة هل برأيك ستكون منطلق لبداية عودة الثقة بالوزارات والحكومة اللبنانية؟

المعلومات المتوفرة من وزارة الاقتصاد تقول أن هناك عدد من الآليات الجديدة التي قامت الوزارة بوضعها لمراقبة إستمرارية الحملة حتى ولو تغيرت الحكومة. وفي وزارة الصحة أعلن الوزير أبو فاعور أن هذه الحملة مُستمرة وهي ليست آنية. لذا نتأمل خيراً من هذه التصريحات.

لكن السؤال الأساسي الذي يجب طرحه هو التالي: لماذا لم يتم كشف المخالفات سابقاً ونحن نعلم أننا نعيش هذا الوضع منذ الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي؟

بحسب رأينا لا يُمكن أن يكون هناك إستمرارية إلا بمحاسبة الموظفين الذين يكشف التحقيق أنهم لم يقوموا بواجباتهم وهذا سيكون بدء محاربة الفساد في الوزارات وسيُسجّل التاريخ لهذه الحكومة قيامها بما فيه خير المواطن.