نجح لبنان في ظل الأزمات الأمنية والسياسية والإقتصادية، من تسجيل نمو في النشاط الاقتصادي اللبناني، فقد شهد شهر آب المنصرم وفقاً للمؤشر الصادر عن مصرف لبنان تحسناً طفيفاً أي بزيادة بنسبة 8.2% مقارنة بشهر آب عام 2013. وبحسب التقرير الأخير لبنك عودة، رفع تقرير آفاق الإقتصاد العالمي الصادر هذا الشهر عن صندوق النقد الدولي، توقعات نسبة النمو الى 1.8%، بعد ان كانت 1.0% في التقرير الأخير. وأبقى صندوق النقد الدولي توقعات النمو لعام 2015 على نسبة 2.5%.

كل هذه التطورات إلى جانب ملف سلسلة الرتب والرواتب، ومؤسسة كهرباء لبنان، وأوضاع القطاع الزراعي أوضحها  الخبيرالإقتصادي جاسم عجاقة في الحوار الشامل الذي أجرته معه النشرة الإقتصادية.

01- رفع تقريرآفاق الاقتصاد العالمي الصادر هذا الشهر عن صندوق النقد الدولي وإستناداً لأداء القطاع العقاري، توقعات نسبة النمو الى 1.8% بعد ان كانت 1.0%..لماذا النجاحات في القطاع العقاري تغرد خارج سرب الأزمات الإقتصادية في لبنان ؟ مع العلم بأن انعكاستها الإيجابية ليست واضحة.

إن الأرقام الصادرة عن المؤشرات الاقتصادية تُشير إلى أن الإستهلاك زاد 4% في الأشهر التسعة الأولى من العام 2014. وهذه الزيادة تأتي كنتيجة لزيادة التحويلات المالية للمغتربين اللبنانيين إلى ذويهم.

وفي دراسة أجرتها جامعة اليسوعية، 60% من الأموال المُرسلة تُستهلك على المواد الغذائية والباقي في تحسين الأوضاع والعقارات، وزيادة عدد المعاملات بنسبة 3.92% يُفسر بهذا الأمر. لذا نعم يُمكن القول أن القطاع العقاري يُغرد خارج السرب لكن هذا ما هو إلا نتيجة عدم ثقة المواطن بالليرة وإلا لكان تم وضع الأموال في المصارف وعدم ثقته بالإقتصاد وإلا لكانت الإستثمارات زادت.

وفيما يخص الإستثمارات الداخلية، نرى أنها إنخفضت بنسبة 3% في الأشهر التسعة الأولى والإستثمارات الأجنبية المباشرة قلت بنسبة 23% في العام 2013، وهذا يدعم السيناريو الذي طرحناه. وما توقعات صندوق النقد الدولي بنمو 1.8% إلا نتيجة للزيادة في الإستهلاك. لكن للأسف هذا الإستهلاك يذهب بمعظمه خارج الماكينة الاقتصادية من ناحية أننا نستورد 90% مما نستهلكه.

02- ملف سلسلة الرتب والرواتب وبحسب وزير العمل السابق ضرب مجدداً وبان الأزمة أصبحت أزمة مصالح بين السياسيين وكبار مضاربي المال والعقار؟

إن ملف السلسلة هو ملف غير عادل بين الأسلاك، وإذا كانت مشكلة السلك العسكري قد أوقفت بالظاهر هذا الملف إلا أن السبب الأساسي يكمن في الأزمة المالية في خزينة الدولة التي سيسببها إقرار السلسلة وذلك لعدم وجود تمويل كافٍ لتغطية الكلفة.

إن نظرة وزير العمل السابق، الذي نكّن له كل إحترام، هي نظرة إجتماعية يسارية لا تتلائم مع الإقتصادات الحرّة ومنها الاقتصاد اللبناني. نعم هناك مصالح للسياسيين لكن لا أعتقد أن هناك تضارب بل على العكس كل الأفرقاء يدفعون في نفس الإتجاه. إلا ان هناك عائق أساسي وهي التدعيات على الاقتصاد (تضخم) وعلى المالية العامة (عجز) وهذا الأمر سيكون له عواقب وخيمة من ناحية أن وكالات التصنيف الإئتتماني ستُخفص تصنيف لبنان ومصارفه وهذا سيضرب الثبات النقدي.

03- هل ملف العسكريين في السلسلة وجد لتأخيرها وضربها؟ مع العلم بأن للعسكريين الحق في الحصول على رواتب تنصفهم.

منذ العام 2012 ونحن نُنادي بفصل الأسلاك عن بعضها. فمثلاً درجة السلك الديبلوماسي تُدفع بالدولار الأميركي ودرجتها أعلى بكثير نسبة إلى السلك العسكري. والأحداث الأمنية التي تعصف لبنان وما يُقدمه الجيش من تضحيات على مذبح الوطن أبرز إلى الواجهة غياب الإنصاف بين الأسلاك (السلك العسكري، السلك الديبلوماسي، السلك الإداري، المعلمين، الطيران المدني). من هذا المُنطلق عدم الإنصاف بين الأسلاك موجود منذ البدء وقد يكون البعض قد دفع هذا الظلم إلى الواجهة لوقف إقرار السلسلة.

وبغض النظر عن الأرقام التي يتم تداولها حول السلسلة، نرى أن إحدى الحلول تكمن في فصل الأسلاك مما يُخفف من حجم السلسلة على أن يتم دفع المستحقات لكل سلسلة بعد إعادة النظر فيها. وهذا سيكون له فوائد للدولة وللمستفيد من السلسلة: أولاً على صعيد الدولة، سيسمح هذا الفصل بتخفيف الكلفة السنوية عبر إقرار السلسلة للسلك المُتضرر في الدرجة الأولى ثم يتم إقرار السلسلة لكل سلك عاماً بعد عام على أن تُحفط كل الحقوق. ثانياً على صعيد المستفيد، ففصل الأسلاك سيسمح بإعطاء الموظف حقه دون أن يكون هناك غبن بين الأسلاك.

04- فيما يخص القطاع الزراعي اللبناني، لماذا هناك تقاعس رسمي في لبنان عن تطوير وحماية ودعم هذا القطاع والذي يعد في هذه الأيام من القطاعات التي ترمم جزء من التصدع في الإقتصاد الوطني.

المُشكلة لا تكمن في القطاع الزراعي وحده بل تطال القطاع الأولي والثانوي. وهذا يأتي من نقص التمويل الناتج عن تقاعس المصارف عن تمويل الإستثمارات.وهنا يجدر الذكر أن مؤسسة كفالات لم تعد قادرة على كفالة قروض نظراً للمحدودية رأسمالها الذي يفرضه النظام المصرفي (Ratio de Cooke).

لذا هناك حاجة ملحة إلى إستراتيجية وطنية تسمح بتنويع الاقتصاد اللبناني الذي أصبح إقتصاد خدماتي بإمتياز (الخدمات لا تحتاج إلى تمويل كبير) ومنذ العام 2011 أي منذ بدئ الأزمة السورية، تحول إلى إقتصاد ريعي يعيش على تحاويل المغتربين اللبنانيين.

وكما سبق وذكر وزير الاقتصاد، هناك حاجة إلى إستراتيجية زراعية، إستراتيجية صناعية، إستراتيجية نفطية، إستراتيجية سياحية... وهذا الأمر بإعتقادنا يُخفف التعلق بالخدمات التي ترهن الاقتصاد بالأوضاع الأمنية والسياسية.

05- هل صحيح بأن مشكلة  كهرباء لبنان بسيطة للغاية والحل سهل جداً، وبان المعامل القديمة العهد الى جانب بيع الكهرباء دون الكلفة، هي الأسباب الرئيسية لحصول المشكلة؟  

هذا الملف هو وصمة عار على جبين لبنان، فقطاع الكهرباء يستنزف خزينة الدولة ويزيد  الدين العام حيث أن أكثر من 36 مليار دولار هو الدين الناتج عن قطاع الكهرباء في لبنان!

إن مشكلة الكهرباء هي مشكلة بسيطة ومعقدة في نفس الوقت. فنحن بحاجة إلى 5 معامل جديدة تُنتج 3000 ميغاوات وكلفتها لا تتعدى الملياري دولار ونصف. وهذا التمويل لا تستطيع الدولة القيام به، لذا يتوجب إقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وتحرير قطاع الكهرباء وسنوف نشهد حل سريع وفعال للأزمة.

إلا أن مافيات النفط تمنع هذا الأمر وتستخدم نفوذها نظراً للأرباح الهائلة التي يتم تحقيقها على حساب الفيول والمشتقات النفطية التي يتم إستيرادها. وعلى هذا الصعيد، نُذكرّ بالعرض القطري بإنشاء معمل جديد مجاناً يعمل على الغاز وتم رفضه من قبل الحكومة اللبنانية لأسباب لا نعرفها. واليوم هذا المعمل يُنتج الكهرباء في تونس!

لذا نرى أن الأمر هو بيد السياسيين ويكفي على الحكومة أخذ القرار المناسب لكي يتم محو وصمة العار هذه.