يطمئن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان "القطاع المصرفي اللبناني يتمتع بسيولة مرتفعة تتيح للمصارف التجارية تمويل احتياجات الحكومة والقطاع الخاص، مع الحفاظ في الوقت نفسه على استقرار الفوائد. وحرصا منه على مصداقية لبنان في الأسواق العالمية، فإن المصرف المركزي مستعد للتدخل عند الضرورة لتأمين السيولة بالليرة الللبنانية أو بالدولار. ولبنان لم يتخلف يوما عن تسديد ديونه. وبالرغم من العجز المستمر في ميزانية الدولة والارتفاع المستمر في الدين العام، تسجل كل من ميزانية المصارف وميزانية مصرف لبنان نموا مستمرا، مما يدل على الثقة التي ينعم بها القطاع المصرفي".
 
لاشك ان  نجاح  الجهاز المصرفي في تجاوز أزمة الـ2008 كان له نتائج إيجابية، وليس بشكل مؤقت فحسب. كما أن هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة إذ جاء نتيجة النموذج المصرفي الذي طبق في لبنان والذي يحافظ عليه. وهو يقوم على فصل المصارف التجارية عن المصارف الإستثمارية مما سمح بحماية مدخرات المودعين وحصر المضاربات بالأوراق المالية. واذيؤكد سلامة المحافظة على هذا النموذج، فهو ايضا يكشف العمل أيضا على تحسين نوعية العمل المصرفي بالتعاون مع المصارف، وذلك من خلال وحدة معنية بحماية المستهلك تابعة للجنة الرقابة، تعمل ليس كصندوق شكاوى بل تتأكد من أن المصارف تملك الأنظمة والتجهيزات والرأسمال البشري الكفيلة بتأمين التعاطي الشفاف والعادل مع الزبائن، ما يحسن سمعة القطاع المصرفي اللبناني".. 
 
وويقول ان "المركزي" يسهر على التقيد بالمعايير الدولية، ولا سيما معايير بازل 3. وقال: "وفي هذا السياق، اتفقنا أن تصل نسبة الملاءة لدى القطاع المصرفي اللبناني إلى 12% في سنة 2015، علما أنها حاليا بحدود الـ10%. هذا يعني أن نسبة الملاءة التي نفرضها تتخطى ما هو مطلوب في بازل 3.
 
الالتزام بمعايير بازل  امر أساسي ليبقى تعاطي المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة جيدا، خصوصا وأن البيئة المصرفية قد تغيرت بعد أزمة عام 2008، إذ باتت المصارف تواجه تحديات عدة، منها تعويض الخسائر التي تكبدتها في سنة 2008 ، ومواجهة الضغوط المرتبطة بالعقوبات والغرامات التي عليها أن تسددها جراء مخالفة القوانين.
 
من الواضح ان  الدروس المهمة التي قدّمتها تلك الأزمة، هي قيام المصارف بتقوية عمليات تخطيط رؤوس أموالها.و في الآونة الأخيرة، بدأت السلطات الرقابية حول العالم بوضع القواعد والشروط لما يمكن أن يمثل تخطيطاً سليماً لرأس المال، وكيف يمكن لعمليات التخطيط تلك أن تساعد إدارات المصارف بالقيام بأحكام مستنيرة حول مبلغ وتكوين رأس المال اللازم لدعم استراتيجيات أعمال المصرف. ونتيجة لذلك، أدخلت بازل 3 نسبة رافعةماليةبسيطة، وشفافة وغير مستندة إلى المخاطر، لتكون بمثابة قياس تكميلي لمتطلبات رأس المال المستندة إلى المخاطر. وقد هدفت نسبة الرافعة المالية هذه إلى:  
 
1- تقييد المديونية في القطاع لمصرفي، لتجنب عمليات تقليص المديونية لاحقاً، والتي يمكن أن تضرّ النظام المالي والاقتصاد بشكل عام.
 
2- تعزيز متطلبات رأس المال المستندة إلى المخاطر، بمقياس مساند  بسيط،وغير مستند إلى المخاطر.
 
وقد بوشر بتطبيق متطلبات نسبة الرافعة المالية إبتداءً من أول كانون الثاني من عام2013. وسيتم وضع المعيار النهائي بحلول عام 2017وفق ما ينقله رئيس اتحاد المصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه.
 
ومن المعلوم ان الرقابة المصرفية  ترمي إلى حماية المودعين، ويتم ذلك من خلال تدخل السلطات الرقابية لفرض سيطرتها واتخاذ الإجراءات المناسبة لتفادي المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها الأموال في حالة عدم تنفيذ المؤسسات الائتمانية التزاماتها تجاه المودعين وخصوصاً تلك  المتعلقة بسلامة الأصول.وحيث كان لا بدّ من تحديد أهداف الرقابة المصرفية والإتفاق على معايير موحدة بشأنها بين الدول، جاءت مقترحات لجنة بازل التي تم اعتمادها وتطويرها مع تطور متطلبات السوق المالي في العالم.
 
القطاع المصرفي اللبناني اسوة بغيره في الدول يعيش التحدي الدائم في الحفاظ  على نسبة ملاءة سليمة تطمئن المودعين  وتسمح له بخلق ادوات جديدة.
ما هي اتفاقيات بازل ؟ كيف تعاطت المصارف اللبنانية معها ؟ واين هو لبنانمن الرقابة المصرفية؟ 
 
المحامي الدكتور ​بول مرقص
 
المحامي الدكتور بول مرقـص، رئيس لجنة الدراسات والشؤون المصرفية في نقابة المحامين  في بيروت  يوضح  لموقع "النشرة الاقتصادية ": انه   لجنة بازل الأولى هي لجنة استشارية فنية لا تستند إلى أية اتفاقية دولية. وعليه فإن مقرارات هذه اللجنة أو توصياتها لم تكن تتمتع بأية صفة قانونية أو إلزامية إلا أنها اكتسبت مع الوقت قيمة كبيرة. وفي هذا السياق، تلجأ بعض المنظمات الدولية والدول إلى ربط مساعدتها المالية للدول الأخرى بمدى احترام هذه الأخيرة لهذه القواعد والمعايير. كذلك تتضمن برامج الإصلاح المالي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في كثير من الأحوال شروطاً بإلزام الدول باتباع القواعد والمعايير الدولية في مجال الرقابة على المصارف وغيرها من قواعد ومعايير الإدارة السليمة. لذلك يمكن القول أن القواعد التي أصدرتها لجنة بازل تتمتع بنوع من الإلزام المعنوي الذي يترافق في معظم الأحوال مع كلفة اقتصادية عند عدم الإنصياع لها.
 
 ويقول : يشكلالقطاع المصرفي اللبناني الدعامة الاساسية للإقتصاد الوطني وبات أحد أهم الجسور للتمدد الإقتصادي الخارجي، كما أصبح شريكاً فاعلاً في منظومة القطاع المصرفي العالمي لجهة التزامه بالمعايير الدولية وبالقرارات الصادرة عن المراجع الدولية. بناءً عليه فإن المصارف اللبنانية تدرك حجم المخاطر التي قد تتعرض لها من جراء عدم التزامها بأي قرار صادر عن مراجع دولية أو تدابير صادرة عن دول لها نفوذ كبير على النظام المالي العالمي. لذلك، فهي ملتزمة بالمعايير المحاسبية الدولية ومعايير التدقيق العالمية ومقررات لجنة بازل الدولية .وقد أكسبها هذا الأمر ثقة المراجع الدولية ومكّنها من الإحتفاظ بنسب ومؤشرات لمواجهة الصدمات.  فالتزام المعايير الدولية هو في صلب اهتمامات القطاع المصرفي ومصرف لبنان. وتلتقي المصارف اللبنانية في هذا الإطار مع الجهود الدولية المبذولة لهذه الغاية. 
 
لذلك، اتّبعت السلطات النقدية في لبنان منذ اتفاقية بازل الأولى ثم بازل الثانية وأخيراً بازل الثالثة نهجاً يقضي باعتماد المعايير الدولية لكفاية الرساميل التي تضمّنتها هذه الإتفاقيات ووضعها موضع التنفيذ في حيّزٍ زمنيٍ غالباً ما يكون أقصر وأقسى مما تفرضه أو توصي به لجنة بازل. ويعود ذلك، من جهة، إلى البيئة العالية ومتعددة المخاطر التي تعمل فيها المصارف اللبنانية، ومن جهة ثانية، إلى حجم مطلوبات وموجودات المصارف في لبنـان بالدولار بنسبـة هامة جداً. ويعود أخيراً الحرص على سرعة التنفيذ الى أن جميع المصارف العاملة في لبنان تعمل على صعيد دولي وتقيم علاقات مراسلة مع المصارف العالمية، وبناءً على ذلك، لا بدَّ لها من الإلتزام بمعايير الصناعة المصرفية العالمية.
 
ففي ما يتعلق بـتطبيق معايير اتفاقية "بازل 2" اعتمدت المصارف اللبنانية المنهج المعياري لاحتساب المخاطر، بدلا من المقاربات المتطورة التي تبيّن لاحقاً أنه لم يتم اختبارها كما يلزم والتي عانت من جرائها مصارف كبيرة في بلدان عديدة من نقص في رأس المال.
 
وفي السياق عينه، فإن القطاع المصرفي في لبنان لديه أموال خاصة مريحة  كافية تتخطى النسب التي أقرّتها لجنة "بازل 3" والتي تستعد الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى اعتمادها رسمياً. ولديه كذلك حالياً سيولة فوق المعدّل الذي تتطلع إلى بلوغه الصناعة المصرفية العالمية بدءاً من العام 2015. فالمصارف اللبنانية أصبحت تتمتع بملاءة تتعدى 10 % وفقا لـ "بازل 3" في حين أن ثمة دولاً عدة لم تستطع بلوغ نسبة 7 %.
 
واضاف : بحسب تقرير لجمعية المصارف في لبنان، فإن المصارف وبتشجيع من الجمعية ومن مصرف لبنان تخصّص الجزء الأكبر من أرباحها أي حوالي 75% منها لتقوية زيادة رساميلها إضافة إلى تكوين احتياطات حرة لمخاطر مستقبلية غير محددة ، وذلك تدعيماً لقدرتها على مواجهة أي طارئ محتمل في المستقبل قد ينشأ نتيجة الأوضاع الإقليمية والدولية الصعبة، فلا تضطر المصارف عندئذٍ أن تلجأ إلى إصدار أدوات رأسمالية مكلفة.
 
 ويعتبر الدكتور مرقص انه ليس الكثير من المبادئ والمعايير مطبق في القطاع المصرفي اللبناني. وغنيّ عن القول أنها ليست مطبّقة بالكامل في أي قطاع مصرفي متقدم وإن كانت مطبّقة على نحو أفضل وأكبر ممّا هو في لبنان. وليس في ذلك عجبٌ. 
 
أما الملفت في التجربة اللبنانية، فهي الأسباب وراء قصور تطبيق هذه المبادئ والمعايير في لبنان، التي تعود إلى بعض خصوصيات المجتمع المصرفي اللبناني العصيّة على التغيير أقلّه لغاية اليوم. وأكثر تحديداً، فإن معايير ومبادئ الرقابة تلقى ما يسمّى في التعبير اللبناني "تدويراً للزوايا" حينما يصل الأمر إلى تشريعها على الواقع اللبناني وتنظيمها بموجب تعاميم مصرف لبنان. ويصيب زواياها تدوير أكبر عندما يُصار إلى تطبيقها من المصارف نفسها، لتصبح مدوّرة تماماً عندما يضطر مصرف لبنان ولجنة الرقابة إلى توجيه أي ملاحظات إلى المصرف تبدأ بــالتنبيه مروراً بمنعه من القيام ببعض العمليات او فرض اية تحديدات اخرى في ممارسته المهنة ولا تصل إلى الشطب عن لائحة المصارف، وهي العقوبات المنصوص عليها في المادة /208/من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي الصادر عام 1963. 
 
ذلك أن تطبيق الرقابة على المصارف اللبنانية بحذافيرها دونه معوّقات موضوعية لا يمكن إنكارها وإن كان ينبغي ألاّ تنتقص من المعايير الرقابية العالمية المتعارف عليها عالمياً، ومأمولٌ العمل على تجاوزها على المستوينالمتوسط  والبعيد المدى. وهذه المعوّقات تتعلّق بالواقع الاقتصادي الصعب والمعقّد الذي يعيشه لبنان ما بعد الحرب، وإشراك المصارف في تحمّل مسؤولية كبيرة عن دين الدولة المتعاظم، وتضخّم عددها، وتراجع حركة الاندماجات بين المصارف منذ سنين، واقتصار جلّ الاندماجات المنفّذة على ابتلاع مصارف كبيرة لمصارف متعثّرة أو صغيرة، والتكوين العائلي للمصارف، ومراعاة تنوّعها الطائفي وتوزيعها المناطقي.
 
ويختم : كما أن ثقافة الرقابة المصرفية ليست هي الثقافة المتعارف عليها عالمياً. والاختلاف في مفهوم الثقافة هذا، إنما ينسحب على تقييم النتائج: فعلى سبيل المثال لا الحصر، ثمة في بيروت من يعتبر أن ازدياد العمالة المصرفية التي تربو إلى خمسة وعشرون ألف مستخدم هو مؤشّر عافية فيما هو من باب التضخّم Inflation في علم الموارد البشرية مع تنامي الخدمات الالكترونية اليوم.