من المسلمات أنه وفي كل عام يفرض شهر ​رمضان​ نفسه مصطحباً معه نوعاً من التسابق الى شراء المستلزمات بالنسبة لكثير من المواطنين..
 
وهذا يرجع الى ارتباط الشهر الفضيل بالعديد من العادات والتقاليد التي إعتاد الكثيرون عليها، ومنها طبعاً إعداد وجبات الافطار الكبيرة، وجلسات السحور المتنوعة، الى جانب العادات التي اشتهر بها شهر رمضان من حشد للولائم، ودعوات إفطار للأقارب والأصحاب، اضافة الى "موائد الرحمن" التي تقيمها العديد من الشركات والمؤسسات والجمعيات خيرية في ​لبنان​، ما يؤدي مجتمعاً الى ارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية بشكل مباشر.
 
في لبنان، ومع ظل غياب الرقابة الملزمة لقانون أسعار موحد، يعمل الكثير من التجار على استغلال هذا الموسم ورفع اسعار منتجاتهم لزيادة حجم ارباحهم خلال فترة زمنية قصيرة، ما يؤدي بدوره الى زيادة العبء على المستهلك.
 
أولاً، علينا أن ندرك أن اقتراب شهر رمضان يثير لدى المستهلكين تخوفاً من إرتفاع الأسعار الفجائي، ما يضطرهم الى شراء كميات كبيرة من السلع الاستهلاكية خلال فترة زمنية قصيرة، وذلك لاعتقادهم بأن الأسعار سترتفع بوتيرة سريعة.. أضِف الى ذلك حبّ المواطنين لاقتناء الحاجات المنزلية وتجميع المؤن خلال هذا الموسم من كل عام، ومع أن هذا العامل لا يرتبط ارتباطاً مباشراً برفع الاسعار، الا أنه يرفع الطلب فوق العرض، ما يؤدي بدوره الى ارتفاع الاسعار بشكل تلقائي.
 
هذا العام، يأتي شهر رمضان على لبنان بالتزامن مع عدد من الأزمات "السياسية والأمنية و​الاقتصاد​ية" التي تهدد كل فترة بضرب بنية البلد الاستهلاكية وكسر صمود المواطن..
 
ونرى مع مجيء هذا الشهر أثراً مباشراً على السوق الاستهلاكية اللبنانية، حيث شهدت السلع الاستهلاكية -كما العادة من كل عام- ثورة في الأسعار خلال الأسبوع الاول، إذ أنها ترتبط بشكل كبير مع قاعدة "العرض والطلب" التي تشهد هي الأخرى تغيرات ملحوظة في شهر رمضان، فالطلب على السع الاستهلاكية يرتفع بشكل ملحوظ فوق العرض المتوفر.
 
 
وفي هذا السياق، كشف وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم عن إجتماع داخلي حصل في الوزارة قبل نحو شهر من رمضان، ضم المدير العام وعدداً من المسؤولين، حيث طلب حكيم تشديد الرقابة على الاسعار بهدف منع أي إرتفاع غير مبرر.
 
كما كشف عن صدور مذكرة داخلية من الوزارة إلى مديرية حماية المستهلك والمصالح الإقليمية في كل المناطق اللبنانية، من أجل تفعيل المراقبة والتشدد في تطبيقها بهدف منع أي محاولة للتلاعب بالأسعار -خاصةً من التجار- بسبب زيادة الطلب على بعض السلع لاسيما الغذائية منها.
 
وأشار حكيم الى أن "المراقبة" لن تكون على الأسعار فقط ، بل سيكون لجودة السلع المعروضة وصلاحيتها نصيب مفروض منها، من اجل منع أي إمكانية لعرض سلع ومواد لا تتمتع بالجودة أو الصلاحية المطلوبتين نتيجة زيادة الطلب.
 
كما أعلن عن توفير خط ساخن بتصرف المواطنين على الرقم 1739، لافتاً الى إمكانية تقديم الشكاوى على الموقع الألكتروني للوزارة، وتوفير تطبيق "Consumer Protection Lebanon " الالكتروني على الهواتف الذكية بهدف خدمة حماية المستهلك في لبنان.
 
وقد قام فريق النشرة الاقتصادية بعمل جولة استطلاعية على عدد من الأسواق اللبنانية عشية اليوم الرابع من رمضان، لحِظ فيها وجود ارتفاعات متفاوتة في أسعار السلع الاستهلاكية من دواجن ولحوم وخضار، حيث أن السعر يختلف من منطقة راقية الى أخرى أكثر شعبية، وذلك يرجع الى تفاوت القدرة الشرائية لدى سكان هذه المناطق.
 
وعلى سبيل المثال لا الحصر ارتفع سعر كلغ  "لحم الغنم" من 33 الف ليرة قبل رمضان الى 35 الف ليرة في رمضان، وسعر كلغ "لحم البقر" من 16 الف قبل رمضان الى 18 الف في رمضان، اي بزيادة بلغت 2000 ليرة لبنانية.. مع العلم أن هذه الزيادة كانت متوقعة بسبب ارتفاع الطلب عليها.
 
 
كما ارتفعت أسعار الخضروات مع دخول شهر رمضان، حيث قفز سعر كلغ البندورة من 1500 الى 2500 ليرة، و كلغ الخيار من 1250 ليرة الى 1750 و2000 ليرة، وبلغ سعر الخس أيضاً 2000 ليرة. فيما بيقى اختلاف المستوى المعيشي بين المناطق عاملاً مؤثراً على الاسعار، فقد لحظنا أن سعر باقة البقدونس في المناطق الراقية قد بلغ 500 ليرة، بينما يبلغ سعر 4 باقات بقدونس 1000 ليرة في المناطق الأكثر شعبية.
 
 
الفاكهة ايضاً أخذت نصيبها من الارتفاع بالرغم من أنها تعاني أصلاً من ارتفاع مسبق في اسعارها هذا العام، وقد بلغ سعر كلغ الدراق 3500 ليرة، و كلغ الاجاص 4000 ليرة، و كلغ الخوخ 4000 ليرة، و كلغ الكرز 5000 ليرة مع دخول شهر رمضان.
 
وفي حديث أجرته النشرة الاقتصادية مع رئيس "جمعية المستهلك" زهير برو للاستفسار عن الخطوات والاجراءات المعتمدة والمتبعة هذا العام في مراقبة الأسعار، أشار برو الى أنهم بدأوا قبل حلول شهر رمضان بـ 15 يوماً القيام بجولات تفتيشية للمقارنة بين الأسعار في الاسواق اللبنانية -بمعدل جولتان في اليوم الواحد- لافتاً الى ان هذه الجولات قد استمرت حتى بعد دخول الشهر، وهي تهتم بشكل خاص باسعار الخضار والفاكهة.
 
واضاف: "لقد اتضح لنا من خلال هذه الدورات المنتظمة وشبه اليومية، أنه لا يوجد ارتفاع جدي في الاسعار، وارتفع سعر البقدونس فقط في السوق بنحو 150 ليرة، وحتى يوم أمس كانت الأسعار ما تزال ثابتة دون أي تغيير جدي يذكر".
 
وفي سؤال للنشرة الاقتصادية حول كلام وزير الاقتصاد آلان حكيم بشأن تشديد المراقبة على جودة وصلاحية السلع الاستهلاكية فضلاً عن اسعارها، قال برو: "في الواقع، التغيير الجديد الذي حصل مؤخراً بوزارة الاقتصاد -حيث تم تعيين عليا عباس بمنصب مدير عام للوزارة- سيكون له أثراً ايجابياً في هذا الخصوص، كما انها أعلنت عن استعدادها للاهتمام بشؤون المستهلكين، ولقد رفعنا لها صورة توضيحية عن الخلل الكبير الذي كان مستشرٍ في عهد سلفها –برأينا- الذي لم يكن تماماً على الحياد، بينما هي أعلنت عن عزمها النظر للطرفين بشكل كامل، وليس بعين واحدة".
 
واعتبر برو ان هذه البداية طيبة، قائلاً: "موضوع حماية المستهلك وشؤون المستهلكين هو اصلاً من قضايا الناس اليومية، وهو ما يساهم بتوفير الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، وفي ظل هذه الظروف الصعبة في المنطقة، والاوضاع المأزومة والصراعات السياسية المفتوحة، فإن أحوج ما يكون المواطن اللبناني اليوم هو بعض الأمن الاقتصادي والاجتماعي".
 
 
 
وتابع: "وزارة الاقتصاد قادرة -إذا قررت- أن تلعب دوراً مهماً وتؤمن الاستقرار الاقتصادي للناس، لكن هذا لم يكن موجوداً في السابق". وختم قائلاً: "بالنسبة لنا هذا التغيير جيد، وسننتظر الاجراءات العملية التي ستقوم بها المدير العام الجديد"، مشيراً الى أنهم عادوا للتعاون مع الوزارة من جديد بعد قطيعة دامت 8 سنوات، متمنياً أن يفتح هذا الامر أملاً جديداً للمواطنين.
 
 
وقال: "طبعاً سنكون شفافين ومرحبين بأي تعاون، إذ أننا نحن والوزارة نكمل بعضنا البعض، فلا هم يمكنهم تجاهلنا، والعكس أيضاً صحيح، ولكلٍّ منا دوره". وقال: "نحن طبعاً مستمرون في اعمالنا وملفاتنا وحملاتنا التي ليس موضوع الاسعار الا واحد منها".
 
وفى النهاية تبقى بعض الأسواق اللبنانية لا تحتكم الى أي ضوابط اقتصادية أو إنتاجية، يتم فيها تسيير الخدمة وفقاً لبعض التجار. وفي ظل هذا الاحتكار يبقى الأمل معقوداً على المعنيين في لبنان من اجل التدخل ومنع أي احتكار في السوق، فالمواطن اللبناني لا طاقة له ولا قدرة على استيعاب الضربات المتلاحقة وسط التردي الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.