دخل لبنان في دوامة التوقعات الاقتصادية السلبية مجدداً واستحوذت انعكسات أزمة انتخاب رئيس جديد للبلاد على العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، فجمهورية من دون رئيس لا توصف سوى بشبه دولة، وشبه الدولة لا استمرارية اقتصادية فيها، والتخبط الاقتصادي من شأنه ان يولد ازمة بطالة واضطرابات، اضافة الى الانقسمات، وما يرافقه من تعطيل او تأجيل للحلول، وللايضاح عن الانعكسات السلبية للنمو الاقتصادي البطيء، كان للنشرة الاقتصادية حوار مع الخبير الإقتصادي والإستراتيجي جاسم عجاقة، قيّم فيه الاقتصاد اللبناني بشكل عام، وما ينتج عن التعطيل للاستحقاقات السياسية ومدى انعكاس نتائجها على الاقتصاد الوطني، اضافة الى شرح مفصل لموضوع السلسلة واخيراً ازمة النازحين السوريين المرافقة للازمات اللبنانية.

بداية ما هو تقييمك للاقتصاد اللبناني بشكل عام؟ خاصة بعد مرحلة تشكيلة الحكومة منذ ما يقارب الـ 80 يوماً؟

يوماً بعد يوم، يُؤكد لبنان المقولة الشهيرة بأن الإقتصاد يتعلق بشكل وثيق بالأوضاع الأمنية والسياسية. فبعد بداية سنة ملطخة بالدماء، إستطاع الجيش والقوى الأمنية وقف حمّامات الدم وعادت الثقة مجددا إلى الإقتصاد كما تُظهره بعض إستطلاعات الرأي للأشهر الأربعة الأولى من العام 2014. لكن الإستحقاق الرئاسي عاد ليلقي بظلّه على الوضع الإقتصادي كما أن إحتمال حصول الفراغ الرئاسي والتجديد لمجلس النواب كلها عوامل بدأت تطال الثقة بالإقتصاد، ركن أساسي للإستثمار المحلي والأجنبي. كل هذا في ظل نزوح سوري أصبح أكثر من ثقيل على الإقتصاد اللبناني وفي ظل رغبة عربية أقله ظاهرياً بدعم لبنان عبر رفح الحظر على سفر الخليجيين إلى لبنان.

هل الفراغ الرئاسي يؤثر سلباً على الاقتصاد؟ ووجود رئيس للجمهورية هو عامل مطمئن للاستثمارات و الشركات؟

مما لا شك فيه أن الفراغ الرئاسي هو مؤشر رئيسي على الإنقسام السياسي في لبنان لأن إلزامية نصاب الثلثنين في جلسات إنتخاب الرئيس هو رهينة التوافق السياسي. من هذا المنطلق كل فراغ أو تعطيل في مؤسسات الدولة اللبنانية له تأثير سلبي على الإستثمار وخصوصاً الأجنبي المباشر حيث تُفضل الشركات الأجنبية عدم خوض مغامرة قد تُكلفها على صعيد التصنيف الإئتماني أو قد تُخسّرها من الأموال. من هنا نرى أن الإحتمال القوي بالفراغ الرئاسي والتجديد لمجلس النواب سيكون لهما تداعيات سلبية على إستراتيجيات الشركات الوطنية والأجنبية.

في ما يخص موضوع السلسلة هل من خطورة اقتصادية في حال اقرت السلسلة؟ او على العكس تعود بالفائدة على الاقتصاد من خلال زيادة القدرة الشرائية  كما اكد بعض الاقتصاديين؟

إن طريقة التعاطي مع ملف سلسلة الرتب والرواتب يُظهر أن الملف كان سياسيا بإمتياز وهذا منذ إقراره من قبل حكومة الرئيس ميقاتي. وقد تم التعاطي معه على أساس سياسي خلال عامين قضاها بين الحكومة واللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة. المشروع الأساسي الذي قدمته الحكومة في العام 2013 والمشروع الذي أحالته اللجنة الفرعية منذ شهرين، هما مشروعين مضريين للإقتصاد بشكل كبير وخاصة من ناحية التمويل وناحية التداعيات التضخمية.

وكل شخص يقول أن زيادة الأجور ستزيد الإستهلاك نقول لهم هذا غير صحيح لأن سرعة نمو الطلب أكبر بكثير من سرعة نمو العرض مما يعني تحول الكتلة النقدية إلى تضخم.

أما فيما يخص المشروع الذي قدمته اللجنة المختلطة، فنرى أنه غير عادل بحق الموظفين ولا يمكن للدولة أن تتناسى المفعول الرجعي. كما أن بنود التمويل المقترحة لم تتطرأ إلى المصادر الحقيقية وإكتفت بالإعتماد على الضرائب على النشاط الإقتصادي وهذا غير واقعي في حال الإقتصاد اللبناني مع نمو 1%.

بعد الحديث عن اقتراب عودة  السياح  الخليجيين الى لبنان؟ ما مدى عملية انعاش او انقاذ الاقتصاد اذا صح التعبير، التي تحملها عودتهم الى لبنان؟

نعتقد أن رغبة السعوديين بدعم لبنان هي سياسية قبل كل شيء ولا نعتقد أنه سيكون هناك أي تغيير ملموس قبل عدة شهور إلى سنة والسبب يعود إلى الإستحقاقات الإنتخابية في لبنان وإلى إحتمال عدم حصولها ما يعني إحتمال تراجع المناخ الإستثماري وبذلك فقدان السوق اللبناني لجاذبيته الإستثمارية.

والحل بحسب رأينا يكمن قبل كل شيء بالإصلاحات وعلى رأسها محاربة الفساد وتحرير الإقتصاد اللبناني من المافيات التي تُسيطر على إقتصاده.

ما هي دقة التقارير الاقتصادية التي تحدثت عن ان سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المالية والمصرفية والنقدية حمت لبنان من الانهيار المالي والنقدي وبالتالي الاقتصاد الكلي؟

ينصّ المبدأ الإقتصادي المعروف بـ "مثلث عدم التوافق" على أنّ إقتصاداً معيناً في إطار دولي، لا يمكنه تحقيق الأهداف الثلاثة التالية في الوقت نفسه: نظام سعر صرف ثابت، سياسة نقدية مستقلة، وحرية تنقل رؤوس الأموال. لكن، إذا تمّ التخلي عن أحد هذه الأهداف، فإنه من الممكن تحقيق الهدفين الآخرين. ومحاولة تحقيق الأهداف الثلاثة، تؤدي إلى أزمة نقدية ومالية كما حصل في الأزمة الآسيوية في العام 1997 أو المكسيكية في العام 1995، لكنّ الصين التي قيدت حرية تنقل رؤوس الأموال إستطاعت الحفاظ على إستقلالها النقدي على رغم تثبيت عملتها مقابل الدولار الأميركي. وهذا يدفع إلى الإستنتاج أنّ أمام المصرف المركزي خياراً واحداً من الخيارات التالية: (1) سعر صرف ثابت وتنقل حرّ لرؤوس الأموال؛ (2) سياسة نقدية مستقلة وتنقل حرّ لرؤوس الأموال؛ أو(3) سعر صرف ثابت وسياسة نقدية مستقلة.

وقد إختار حاكم مصرف لبنان الخيار الأول أي سعر صرف ثابت وتنقل حرّ لرؤوس الأموال وذلك منذ أوائل تسعينات القرن الماضي. وحتى لو كان هناك بعض الملاحظات التي تطال فلسفة هذه السياسة، إلا أن التاريخ أعطى الحاكم الحق في إتباعها من ناحية صوابية السياسة النقدية المُتبعة. وأساس هذه الخطة يعتمد على توافر السيولة وإحتياط عالٍ من العملات الأجنبية.

وعلى رغم الأحداث التي عصفت بلبنان خلال هذه الفترة من إعتداءات إسرائيلية إلى حروب داخلية مروراً بإنعدام الثبات السياسي، بقيت الليرة اللبنانية في الهامش المحدّد لها. وهذا يأتي من منطلق أن الإحتياطي من العملات الأجنبية والسيولة العالية لعبت دور عازل (Buffer) يمتص هذه الصدمات التي كانت تؤثر في الطبقة الخارجية للمعطيات الاقتصادية (Wrapper).

وصل العجز التجاري الى 4.62 مليار دولار في الفصل الأول من  2014  هل سنشهد زيادة سنوية في العجز التجاري او قد يتحسن المؤشر في ظل الهدوء النسبي التي تشهده الساحة الامنية والسياسية؟

نعم العجز التجاري سيزيد وخصوصاً إذا ما تم إقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي ستزيد الطلب الخارجي بإعتبار أن لبنان يستورد الأساس من إستهلاكه. ومع ضعف تدفق رؤوس الأموال وزيادة تحاويل الأجانب العاملين في لبنان سيزيد العجز العام هذه السنة وفي العام 2015.

اخيراً بالنسبة للنازحين السوريين ومن الناحية الاقتصادية هل هؤلاء يكبدون الدولة خسائر ام انهم  يساهمون بالحركة الاقتصادية؟

نعم مما لا شك فيه أن النزوح السوري يُكبدّ الدولة خسائر كثيرة وهذا على صعيد التصدير عبر البر والمُنقطع منذ فترة مما يزيد كلفة تصدير البضائع عبر البحر والجو. كما أن الإستهلاك للنازحين السوريين يطال بشكل أساسي السلع المدعومة من الدولة كالخبز. لكن الكارثة الكبيرة تطال سوق العمل. وإذ ليس هناك من إحصاءات رسمية حول عدد النازحين الذين يعملون، إلا أن التقسيم الديموغرافي والأرقام المطروحة من قبل هيئة اللاجئين يسمح لنا بالإستنتاج أن ما يقارب الـ 400 ألف لاجئ يعملون في لبنان.

وهذه الأعمال في معظمها غير مصرح عنها وتطال الأعمال اليدوية التي لا تتطلب مهارات معينة ما يعني إن الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة في لبنان هي الأكثر تأثراً. وبحسب البنك الدولي فإن 170 ألف شخص من الطبقة المتوسطة سيصبحون تحت عتبة الفقر. كما ويتوقع  أنه وبحسب البنك الدولي، من المتوقع أن يكون هناك أكثر من 320 ألف عاطل عن العمل في الـ 2014 نتيجة عمل اللاجئين. وهذا سيُخفض أجر اليد العاملة 14% بحسب الأسكوا.