من منا لا يعرف الشاعرة والكاتبة اللبنانية جمانة حداد، التي اشتهرت بشراستها في التعبير عن آرائها، وصراحتها في التطرق الى مواضيع تعتبر من التابوهات في مجتمعنا اليوم، وثباتها في الدفاع عن قناعات ومبادئ آمنت بها. وذلك في اطار قد يعتبره البعض جريء ومستفز، ويجد فيه البعض الآخر صوتا يترجم ما لم يجرأوا على قوله خوفا من نظرة المجتمع.

لكن سواء أكنت مؤيدا لها أم معارضا، لا بد لك من الاعتراف بأن هذه المرأة القوية والمناضلة، تمتلك القدرة على التأثير، وتمكنت من الحصول على ثقة الكثيرين من خلال كتاباتها المنتوعة التي وصلت الى جميع أنحاء العالم، وخولتها الحصول على قاعدة جماهرية من مختلف الجنسيات والثقافات والمجتمعات. فاختارتها مؤخرا مجلة "CEO" بين أقوى 100 امرأة عربية في العام 2014 عن فئة الناشطات.

وللتعرف الى بدايات جمانة حداد وتطلعاتها ومشاريعها المستقبلية، اضافة الى رأيها حول مشاركة المرأة في السياسة، كان لـ"النشرة الاقتصادية" حديث خاص معها، تناول جوانب مسيرتها المهنية وتطرق الى الدور الذي لعبه الرجل في حياتها.

حصلت جمانة حداد على اجازة في العلوم الطبيعية، لكنها سرعان ما قررت الانتقال الى المجال الأدبي، فتخصصت في الأدب والترجمة. وهي اليوم مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة "النهار"، وأستاذة في "الجامعة اللبنانية الأميركية، وعضو في مجلس أمناء منظمة "دوت" غير الحكومية التي تعنى بالتمكين الاقتصادي للنساء في المناطق الريفية، وعضو في مجلس مستشاري منظمة "مارش" غير الحكومية التي تناضل في سبيل حرية التعبير في لبنان.

تتقن 7 لغات، ولها ترجمات في الشعر والرواية والمسرح لعددٍ من الأدباء العرب والعالميين.

أسست مجلة "جسد"، وتولت بين عامي 2007 و2011 مهمّة التنسيق الادراي للجائزة العالمية للرواية العربية، وهي اليوم عضو في مجلس أمناء الجائزة.

حصلت على العديد من الجوائز، مثل "جائزة الصحافة العربية" (2006)، وجائزة "شمال جنوب" للشعر في بيسكارا، إيطاليا (2009)، وجائزة "بلو ميتروبوليس للادب العربي" في مونتريال، كندا (2010)، وجائزة "رودولفو جنتيلي" في بورتو ريكاناتي، إيطاليا (2010)، وجائزة "كوتولي" العالمية للصحافة في صقلية (2012). كما تم تعيينها في تموز 2013 سفيرة فخرية للثقافة وحقوق الانسان في منطقة المتوسط من جانب عمدة مدينة نابولي الايطالية. وحصدت في شباط 2014 جائزة المسيرة الشعرية من مؤسسة "أركيكولتورا" الإيطالية.

نشرت عدد كبير من الكتب الشعرية والأدبية والروائية، منها "وقتٌ لحلم" (1995)، "دعوة إلى عشاء سرّي" (1998)، "يدان إلى هاوية" (2000)، "عودة ليليت" (2004)، "عادات سيئة" (2007)، "هكذا قتلت شهرزاد" (2010)، ومؤخرا "سوبرمان عربي" باللغة العربية بعد أن كتبته بالأصل بالانكليزية وترجم إلى الفرنسية والإيطالية والاسبانية والكرواتية.

- أخبرينا عن بداياتك المهنية.

انضممت الى أسرة جريدة "النهار" عام 1997 كمترجمة، وعملت في قسم القضايا لأربع سنوات، لكنني كنت في الوقت نفسه أكتب بعض المواضيع للصفحة الثقافية والملحق الثقافي الأسبوعي، وكان هدفي منذ البداية الانتقال الى العمل الأدبي. فتحقق هذا الأمر عام 2001. ثم في 2005 تم تعييني مسؤولة عن الصفحة الثقافية اليومية.

- ما الذي دافعك للدخول الى مجال الكتابة علما أن دراستك الجامعية كانت في بداياتها علمية، قبل أن تنتقلي الى تحصيل شهادة أدبية؟ وكيف يتداخل الشعر والصحافة في كتابتك؟

بدأت الكتابة منذ أن كنت في العاشرة من العمر، ولطالما كان حلمي أن أكون كاتبة. لذلك أعتبر نفسي بالدرجة الأولى شاعرة، وبالدرجة الثانية صحافية. لكن العمل في الكتابة والشعر والصحافة متناغم، بسبب العلاقة الموحدة بالفكر والتعبير واللغة. أما في ما يتعلق بالعلوم فأنا لا أرى تنافراً بينها وبين الأدب، بل على العكس من ذلك، المجالان مترابطان ويغذّي الواحد منهما الآخر.

- لماذا قررت اتباع هذا الأسلوب الجريء في كتاباتك؟

لا يمكن الحديث هنا عن "قرار" متعمد، فطبيعة كتابتي لم تكن خيارا واعياً ومدروساً بالنسبة الي، سعياً الى الإستفزاز مثلاً. انها بكل بساطة طريقتي الفطرية في التعبير عن نفسي، كمثل بركان يطلق حممه بلا إيعاز من أحد. وهي لغة تشبعني للغاية، فأنا شخص مباشر، لا أحبذ المراوغة أو الرضوخ للخوف والقيود المجحفة، بل أحب تحدي نفسي وتسمية الأمور بأسمائها. وهذا الأمر، في مجتمع مثل الذي نعيش فيه اليوم، يدفع الناس الى وصفي بالجريئة.

أما أنا فلا أعتبر نفسي جريئة بالضرورة بل "حقيقية". أنا شخص شفاف، في الحياة كما في النص، وأرى أنه من حقي أن أعبر عن نفسي ورؤيتي وأفكاري وأرائي الخاصة. ما تسمينه جرأة هو في الواقع تصميمي الشرس على الدفاع عن هذا الحق، لا أكثر، لا اقل.

- كيف تواجهين الانتقادات اللاذعة وأحيانا الجارحة التي تطالك؟

أعتبر الانتقادات جزءا لا يتجزأ من مسيرة كل كاتب يتخذ قرار النشر. من الطبيعي أن يكون هناك عدد كبير من الناس الذي لا يحتملون هذه الجرعة من الصراحة لديّ، أو يعارضون مواقفي وأفكاري، تماما مثلما هناك أشخاص يجدون في كتاباتي "فشة خلق" لهم، ومنبراً يعبر عن أفكار قد لا يمتلكون قدرة التعبير عنها بأنفسهم.

لا يمكن التحكم بالانتقاد، لكني أفرّق بين ذاك الراقي البناء، وبين الكلام غير الأخلاقي الذي يهدف حصرا الى التجريح والأذى الشخصي. الأمر الوحيد الذي بامكاني التحكم به، هو أن أفصل تقييمي لنفسي عن النوع الثاني، الهدام، الذي قد يدفع بالبعض الى فقدان ايمانهم بأنفسهم أو الاستسلام.

وهناك قاعدة أتبعها في حياتي، وهي أنني لا أقرأ هذا النوع من الأمور. في الماضي كنت أقرأها وأتأثر الى بها حد ما، ولكن اليوم لم أعد أوليها أي اهتمام. هي بكل بساطة لا تستحق وقتي ولا طاقتي.

- ما هو برأيك أبرز انجاز حققته حتى اليوم؟

الانجاز كلمة كبيرة، لا أحسبني أستحقها. على المستوى الشخصي، أهم انجاز بالنسبة الي هو ولداي منير وأنسي. أما على الصعيد المهني، فما أطمح اليه لم يتحقق بعد ولا أعرف حتى اليوم ما هو، لكنه بالتأكيد أكثر من كل ما فعلته في حياتي، وأتمنى أن أعطى فرصة تحقيقه.

لست من الذين يكتفون بما قاموا به، مهما كان مهما، بل أعتبر أنني حققت الى الآن جزءا صغيرا فقط من طموحاتي وأحلامي.

- ما هي الصعوبات التي واجهتك طوال مسيرتك المهنية؟

لا يمكنني التكلم حقا عن صعوبات لأنني كنت محظوظة بانضمامي الى أسرة جريدة "النهار". ولست أتملق أو أمدح، لكن العامل الأهم في "النهار" هو أنني لم أُقيد يوما بحدود أو برقابة. هناك أيضاً جو من الاحترام، ومن تقديس حرية التعبير، ما يمنح كل شخص فرصة التعبير عن نفسه، اضافة الى ايلاء مكانة مهمة جدا للثقافة.

لذلك أحسست منذ البداية أنني موجودة في بيتي، ولم يراودني أبدا الشعور أنني أسبح ضد التيار أو أني أتعرض لهجومات. أعتبر أنني رحبت الجائزة الكبرى عندما أصبحت فردا من عائلة "النهار".

- هل استخف أحد بقدراتك لأنك امرأة وعاملك بفوقية؟

لا أعتقد أن أحدا تجرأ أن يقول لي هذا الأمر بوجهي، لكني لا أشك أن الكثيرين فكروا فيه، أو قالوه من وراء ظهري. لكني صدقاً لا أركّز على مثل هذه الصغائر. لستُ مضطرة لأن أضيع من طاقتي ووقتي لكي أقنع شخصا، رجلاً أكان أم امرأة، بقدراتي.

ما يهمني بالدرجة الأولى، هو أن أكون أنا مقتنعة بما أقوم به، وأن تتكلم أعمالي عني. أرفض أن أضع نفسي في موقع الدفاع عن النفس. فمن المهم جدا أن تؤمن المرأة بنفسها، وأن تستخف بمن يستخفون بها.

- كيف تتعاملين مع العاملين معك في القسم؟

هم زملائي، وبعضهم أصدقاء أيضاً. نحن فريق متكامل، ولم أعتبر نفسي يوماً أهم منهم، بل على العكس هم أهم مني لأن الصفحة بدونهم لن تكون موجودة.

- ما هي برأيك مقومات نجاح الانسان في الحياة؟

لا أعتقد أن هناك صيغة موحدة للجميع. لكن المقوم الأهم هو أن يحلم الانسان كثيرا ويطمح دائماً الى الأبعد ويعمل جاهداً لكي يجسّد ما يطمح إليه. لا أحبذ مقولة "القناعة كنز لا ينفى"، التي تدفع بالبعض الى التكاسل. القناعة تعني أن يركز الشخص على الامور الايجابية في حياته، لا أن يحد من طموحه بحجة الرضوخ لقدره. أقدارنا نحن نصنعها.

من أهم عوامل النجاح هو الطموح، بمعنى الطمع الى الأفضل والى الأكثر، وعدم الاكتفاء بما تحقق. هذا اضافة الى الايمان بالذات والثقة بالنفس، لكن من دون الوصول الى مرحلة العجرفة. من المهم جدا أن يستمع الانسان لغيره، وأن يواصل التعلم.

لكن للأسف النجاح يغير عددا كبيرا من الأشخاص، فيتملكهم الغرور السلبي السخيف، ويبدأون بالتعامل مع الناس وكأنهم أهم منهم وأعرف. لا أحد أهم من أحد، ولا وظيفة أرفع من وظيفة. فمن ينظف الطرقات هو بأهمية المدير أو النائب، لأن العمل الذي يقوم به لا يقل أهمية عن عمل الأخيرين.

لذلك على الشخص الناجح أن لا يستخف بأحد وأن يبقى حقيقيا. في لبنان نعيش يخضع كثر لثقافة الـ"التصنع"، وثمة من يمثل حياته بدلا من أن يعيشها. يا له من سجن كئيب.

- ما الذي برأيك ساهم في نجاحك؟

هناك عوامل خارجية كثيرة ساعدتني، أولها أهلي الذين شجعوني كثيرا على التعلم. فمنذ أن كنت صغيرة لم أعامل يوما في المنزل بطريقة مختلفة عن أخي، وكان الهم الأكبر لدى الوالدين، رغم ظروفهما المادية الصعبة، دعمنا لإكمال تعليمنا. كما أن الأدب والكتب والقراءة كانت جزءا لا يتجزأ من طفولتي ومراهقتي، وهي عناصر غذتني الى حد كبير، وأعطتني قاعدة متينة.

لم أتوقف يوما عن اهتمامي بالتعلم واكتساب معارف جديدة، لأنني استكشافية بطبعي، ومغامرة، وجشعة، أتطلع على الدوام الى الأكثر.

يضاف الى ذلك الحب الذي أحاطني به كل من حولي وأعطاني دعما كبيرا، بدءا من حب عائلتي وولديّ، مرورا بأصدقائي، ووصولا الى قرائي.

أما على المستوى الشخصي، فحسبي أن الشغف الذي يسكنني، وشخصيتي المسائِلة والمتمردة، وشيء من العناد "المرضيّ" الذي يحركني، وقوتي التي لا تحول دون وجود هشاشةٍ وحساسية عاليتين فيّ، كلها عوامل ساهمت في بلورة مسيرتي على النحو الذي هي عليه الآن.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

انتهيت للتو من العمل على مسرحية تتطرق الى العلاقات بين النساء والرجال، وموضوع التمييز والمعايير المزدوجة، سوف أنشرها بداية ككتاب، على أمل أن يتم عرضها الخريف المقبل في لبنان. كما ثمة مشاريع لترجمتها بهدف عروض في الخارج، تحديدا في بعض المدن الأوروبية.

كذلك شرعتُ في العمل على فيلم وثائقي، ولكن من المبكر الحديث عنه الآن. كما أنني أنوي الانتهاء من أطروحتي الدكتوراه اللتين أعمل عليهما، اذ حان الوقت كي أعاود تركيزي عليهما، بعدما صببت كل اهتمامي في الفترة الأخيرة على كتبي.

- كيف تمكنت من التنسيق بين الأمومة والحياة المهنية؟

لم أكن يوما أما بالمعنى التقليدي للكلمة. أنا محظوظة لأن والدتي ساعدتني كثيرا في كل التفاصيل المتعلقة بالعناية بالأولاد، خصوصاً خلال طفولتهم. اذ لا يمكن القيام بجميع هذه الأمور، التي تشكل عملاً بدوام كامل، وفي الوقت نفسه وضع كل طاقتي في عملي، خاصة أني أسافر كثيرا لاعطاء المحاضرات وإجراء اللقاءات والتواقيع.

والدتي كانت دوما الى جانبي، تمنح ولديّ العناية التي يحتاجان إليها، وتدفعني الى تحقيق طموحاتي، وتعيش من خلالي الطموحات التي لم تتمكن هي من تحقيقها. لكنني كنت دائما حاضرة في حياة ولديّ من الناحية التربوية والعاطفية والروحية. واليوم كبرا وأصبحا شابين رائعين يشكلان بدورهما دعماً هائلا لي.

- كيف كانت ردة فعل المجتمع اللبناني على كتاب "سوبرمان عربي" الذي أطلقته مؤخرا باللغة العربية؟

لقد نال هذا الكتاب الكثير من الاهتمام لدى صدوره باللغة العربية، علما أن عددا كبيرا من اللبنانيين قرأوه سابقا باللغتين الانكليزية والفرنسية.

الأصداء جاءت ممتازة، ليس من لبنان فحسب بل من العالم العربي عموماً، على الرغم من أن الكتاب ذا مضمون ينطوي على الكثير من المواجهة وكسر التابوهات.

الجميل في الأمر أن الرسائل التي تصلني من القراء الرجال توازي في عددها الرسائل التي تصل من القارئات، ما يدحض الفكرة القائلة إن هذه الموضوعات تهم النساء حصراً. أعتقد أن الرجل العربي متعب هو الآخر ويحتاج الى التخفف من هذه الأثقال المفروضة عليه والتي تربط الذكورة الشرقية بالقوة الخارقة والمطلقة.

- هل تطمحين الى مركز سياسي؟

رغم موقفي الشكاك حيال السلطة عموماً، والسياسة في لبنان خصوصاً، عندي طموح سياسي ولكن ليس بالمعني النيابي، فهذا ليس مجالي. لم أعتبر نفسي يوما قادرة على تمثيل مجموعة من الأشخاص، أو على القيام بحملات لجمع أصوات ناخبين. فأنا لا أستطيع أن أبذل مجهودا كي أقنع من هو أمامي بشيء هو ليس مقتنعاً به أصلا.

لكنني رفعت منذ فترة رسالة الى رئيس الجمهورية لتشكيل وزارة في لبنان تعنى بحقوق المرأة. ويهمني كثيرا أن تكون هذه الوزارة موجودة، أكنت أنا من يتولاها أم أي شخص آخر. والكفوءات على هذا الصعيد في لبنان كثيرات.

- هل تؤيدين اقرار الكوتا النسائية في المجلس النيابي؟

أنا من الأشخاص الذين لا يحبون الكوتا، لأني أراها شكلا من أشكال التمييز الايجابي و"إرضاء الخاطر".  لكنني أعتبر أنها خطوة ضرورية في بلد مثل لبنان، علما أنها ليست الهدف أو المثال بالنسبة الي، كونها تمثل في شكل ما اهانة، وكأننا نقول للمرأة: هذا حجمكِ فقط وهذا ما يحق لك به. لكنها بداية جيدة، أني أرى أنها يجب أن تكون بنسبة 50%، لا 30%.

أنا مع المشاركة الفعالة للمرأة في الحياة السياسية، ومع أن تعمل النساء على أن يكون هذا البلد أكثر عدلا وانسانية، وهذا المجتمع أكثر كرامة واحتراما للحقوق. من غير المنطقي ومن غير السليم أن يكون نصف المجتمع مهمشاً وطاقة غير مستثمرة.

- كيف تقيمين دور الرجل في حياتك؟ هل كان داعما لمسيرتك المهنية؟

صحيح أني أتكلم كثيرا عن حقوق المرأة، لكنني لا أستثني الرجل من هذا النضال، بل أرى أن الشراكة بين المرأة والرجل أساسيةوضرورية. ولم أعتبر يوما أن الرجل هو العدو، فهناك رجال سخفاء وسيئون مثلما هناك نساء سخيفات وسيئات. لم أصنف يوما الأشخاص بحسب جنسهم يعتمد تقييمي لهم على طبيعتهم وأفكارهم وأخلاقهم وتصرفاتهم.

الرجل حاضر جدا في حياتي من جميع النواحي، كإبن واب وصديق وحبيب. والدي مثلا رجل محافظ وتقليدي، وقد فرض علي الكثير من القيود خلال نشأتي، لكنه شخص مثقف كان همه أن أتابع تعليمي، وكان بيتنا مليئا بالكتب، مما ساهم بتغذية فكري وتفتيح ذهني.

- هل تقدمت المرأة اللبنانية اليوم؟

وضع المرأة لم يتحسن، بل ما تقدم هو الوعي المتزايد للمشاكل التي تواجه المرأة في لبنان. ونلمس هذا الوعي مثلا في المظاهرة الأخيرة التي حصلت في اليوم العالمي للمرأة، والتي شارك فيها عدد كبير من الناس، رجالا ونساء.

بالتالي لقد أصبح لدينا وعي أكبر بسبب نشاط منظمات المجتمع المدني في هذا المجال. لكن على الأرض لم يتغير شيء بعد، ولا نزال على مستوى الكلام، ولم نصل بعد الى مرحلة الفعل، رغم كل حوادث العنف ضد المرأة التي تتزايد في البلاد.

- ما الذي برأيك يقف عائقا أمام تقدم المرأة في لبنان؟

بالدرجة الاولى، لا بد من الكلام عن المعوقات العامة التي لها علاقة بالقوانين. فما ينطبق على المرأة لا ينطبق نفسه على الرجل. وطالما أن هذا الانعدام في التوازن موجود، أي طالما أن المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، لا يمكن الانتقال الى المرحلة التالية من المعركة.

ليس مقبولا أن يتعامل القانون مع الانسان الذي ولد امرأة، بطريقة مختلفة عن الانسان الذي ولد رجل، وذلك في بلد يدعي الديموقراطية. على المرأة أن تشعر أنها مواطنة 100% في هذا البلد، وأن القوانين هي نفسها للجميع.

من هنا، لا بد من اعتماد قانون مدني في مجال الأحوال الشخصية لا يفرق بين مسلم ومسيحي، ولا بين امرأة ورجل. خطوة كهذه من شأنها أن تجرد المواطن من طائفيته مع الوقت، وأن تعطي الأولوية لمواطنيته، ما قد يتيح الانتقال الى معالجة مشكلة الطائفية السياسية.

أما على صعيد المعوقات الخاصة، فأسوأها أن المرأة تستلذ أحيانا بدور الضحية، ولا تكافح بما يكفي لكي تخرج من الدوامة التي هي عالقة فيها.

الاستقلال المادي على هذا المستوى مهم للغاية، ويعطي المرأة القوة والاستقلالية والقدرة على قول "لا". بينما عندما تتكل على الرجل لكي تعيش وتشبع حاجاتها، فهي مجردة من وسائل المواجهة لأن بقاءها على قيد الحياة مرتبط بشخص آخر.

- في النهاية ما هي النصيحة التي تقدمينها الى المرأة؟

لا أشعر أنه يحق لي اعطاء النصائح، فلكل منا طريقه وطريقته وأساليبه، وليس هناك معادلة تنطبق على الجميع. لكن اذا كنت لأسمح لنفسي بقول شيء واحد، فهو أن أحث المرأة على الايمان بنفسها وقوتها وقدراتها. ليس من الضروري أن يكون التغيير بعناوين كبيرة وخطوات واسعة، لأن الأمور الصغيرة التي نقوم بها في حياتنا قد تغير الكثير.

أحيانا كلمة "لا" التي نقولها لشخص يتعدى على كرامتنا ويتوقع منا أن نسكت، يمكنها أن تغير نظرتنا الى أنفسنا ونظرة الآخرين إلينا.

وعلينا ألا ننسى الدور الحيوي للأمهات اللواتي عليهن تربية بناتهن وصبيانهن على قيم المساواة والاحترام، بدلا من البقاء في حلقة مفرغة قائمة على التمييز والمعايير المزدوجة.