استطاعت من خلال أعمالها الأدبية أن تخلق من الخيال حقيقة، فجمعت بين أحرف كلماتها دفء ومشاعر وعاطفة، تأخذك في رحلة الى عالم من الدهاليز الشعرية الجمالية. واضافة الى كتابة الشعر، لمع اسمها في المجال الاعلامي والثقافي، وتمكنت بالتالي من جمع الصوت والايقاع والفكر، من خلال الابداع الشعري والتألق التلفزيوني والازدهار الثقافي. فنجحت ووصلت الى قلوب وعقول الكثيرين من خلال ايقاع الحرف ورصانة الكلمة، ونالت ألقاب عدة منها "عروسة الشعر"، و"أميرة الشعر"، و"سندريللا الشعر". انها الشاعرة والاعلامية ندى بو حيدر طربيه  التي شددت، في حديث خاص مع "النشرة الاقتصادية"، على أن النجاح يرتكز على قلب ينبض حبا ونقاءا وعلى عقل يستميل حكمة وعلما.

حازت ندى بو حيدر طربيه على ماجستير في علوم الاعلام والصحافة من كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، وقدمت برنامج "سهريّة وأوف" على شاشة الـ"otv" مع الشاعر موسى زغيب. وهي اليوم المسؤولة الاعلامية في المتلقى الثقافي للحوار اللبناني العالمي، ومستشارة ثقافية للصالون الأدبي في الشمال، وعضو في اللجنة الثقافية في بلدية طرابلس.

حازت على الميدالية الذهبية في برنامج "استديو الفن" عن فئة الشعر عام 2001-2002، وحصدت جائزة المخرج سيمون اسمر التقديرية التي اعطيت لأول مرة عن فئة الشعر في تاريخ "استديو الفن" منذ 30 عاما، وجائزة الشيخ فيصل العمر الأدبية عام 2010، والوسام العالمي من قبل "المواهب العالمية". كما نالت البراءة التقديرية من "الملتقى الثقافي للحوار اللبناني العالمي" عام 2002، وأخرى في مهرجان يوم البيئة العالمي الأول في لبنان، والبراءة الفنية عن فئة الشعر من "المؤسسة اللبنانية للارسال". اضافة الى نيلها درع وفاء وتقدير من قبل الجمعية الأهلية في الطريق الجديدة عام 2004، وشهادة وفاء وتقدير من قبل الروابط والجمعيات والهيئات البيروتية، وشهادة تقدير من الفنان وديع الصافي.

صدر لها 4 كتب شعرية، "صرخة صمت" عام 2005، "عطر الندى" عام 2009، "مراية من ورق" عام 2011، و"خاتم حبر" عام 2013. بالاضافة الى عدد كبير من المقالات الأدبية والاجتماعية.

- كيف كانت بداياتك الشعرية؟

منذ الطفولة أهوى القاء الكلمات والشعر في الاحتفالات التي تنظمها قريتي ومدرستي. وبدأت بكتابة الشعر منذ عمر الـ12 سنة، الى أن شاركت في برنامج "ستوديو الفن" بسن الـ18، وحصلت على الميدالية الذهبية عن فئة الشعر.

وبرز اسمي بعمر مبكر وهذا ما ساهم بتسريع وصولي الى الجمهور والناس. وبدأت مشاركاتي بأمسيات شعرية مع كبار الشعراء في لبنان، وحصدت العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير في فترة زمنية قصيرة جدا.

- ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرتك المهنية؟

لا نجاح بدون صعوبات وتحديات، وأحيانا تكون الصعوبات متعلقة بالظروف الخاصة والشخصية، وأحيانا أخرى بوضع البلد بشكل عام. فنحن نعيش في وطن لا يعرف الاستقرار أمني ويتأرجح دائما بين 3 خيارات؛ أولا الحرب الساخنة، وثانيا الحرب الباردة، وبين الخيارين لدينا دوما خيار الفوضى الهدامة. وبالتالي هذا ما لم يسمح للدولة في النهوض بشكل كاف كي تتبنى المبدعين، وتدعم الباحثين والفنانين والأدباء كما يجب. لهذا أتت النجاحات بفضل مبادرات فردية وشخصية والاتكال على الذات، بعيدا عن كل دعم فعلي من قبل الوزارات والمؤسسات المعنية. كما أن الاعلام ساهم في تردي الوضع الثقافي والفكري بشكل عام.

وأنا شخصيا واجهت تمييزا سلبيا لأنني بدأت نشاطي بعمر مبكر، وللأسف تعلمنا في العالم العربي أن نقيس النجاح بعدد السنوات. اذ نعيش بحسب ذهنية اجتماعية ترتكز على أمجاد التاريج الماضية، دون الالتفات الى ريعان الشباب فينا وتقديره وابرازه. وكأن الحروب والبؤس والفقر علمونا أن نشيخ ونكبر قبل أن نعيش، ولم نعد نؤمن بقدرات التغيير من قبل الجيل الصاعد والواعد. فأصبح يصح فينا قول الامام علي "الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة".

وتجدر الاشارة الى أنني واجهت تمييزا سلبيا آخر، ناتج عن الاستبعاد نتيجة الشعور بقوة المنافسة بين العاملين في المجال المهني نفسه، خاصة على مناصبهم. لكن على الرغم من ذلك، ربحت بالمقابل تمييزا ايجابيا لأنني امرأة شاعرة وهذا الأمر استحوذ على اهتمام محبي الشعر الذين نادرا ما يجدوا، على حد قولهم، امرأة تعبر عن أحاسيسها ومكنوناتها دون خوف أو ريب مثلما نرى بالعادة. فهناك الكثير من الشعراء الرجال، والقليل من الشاعرات النساء.

- ما هو الحافر الرئيسي الذي دفعك الى التقدم؟ وما هي برأيك مقومات النجاح؟

لا شيء أقوى من امرأة تؤمن بقوتها. وثمة نوعان من الحوافز؛ حافز فطري يولد مع الانسان ان كان رجل أو امرأة، وحافز مكتسب يأتي نتيجة ظروف الحياة البيئية والاجتماعية والثقافية. وأحيانا الواقع القاسي في الحياة يقتل فينا الحوافز الفطرية والمتكسبة ونستسلم لليأس ونرضخ للقوانين الروتينية غير العادلة. وأحيانا أخرى نتحدى هذا الواقع ونواجه بكل عزم واصرار ونثبت أننا لا نخاف الرياح العاتية، وأن ايماننا بقدراتنا وطموحاتنا هو أقوى من خيبات الأمل.

أحد مقومات النجاح هو الايمان بالوجودية وليس بالكينونة، لأن النباتات والحيوانات هي كائنات أما الانسان، ولكي يختلف عنها، يجب أن يؤمن بالوجودية الانسانية. كما يجب الايمان بأن "القوة للحق وليس الحق للقوة"، كما يقول غاندي. وبالتالي ننفي المثل القائل أن "عقل المرأة في جمالها وجمال الرجل في عقله"، ونستبدله بمبدأ تحفيز المرأة والايمان بأن جمالها أيضا في عقلها.

- ما الذي برأيك ساعدك على النجاح؟ وما هي الصفات التي تتمتعين بها وساهمت في تقدمك؟

ثقتي الكبيرة بالله وايماني، وموهبتي التي هي ايضا هبة من الله. كما أن البيئة الاجتماعية التي تربيت فيها ساعدتني كثيرا، لأنني نلتالتشجيع الكافي والمساندة والدعم من قبل أهلي وأصدقائي وزوجي. وهذا ما أرسى مقومات النجاح لدي، وأنا أشكرهم جميعا لان هذه البيئة تؤثر على الانسان بشكل كبير. فعندما تعيش المرأة في بيئة اجتماعية مغلقة، من الصعب أن تتمكن من الوصول، أو عندما لا يسمح لها أن تتعلم وتكتب وتعبر عن ما تحبه أم تمنع من المشاركة في برامج للهواة، هذا يؤثر على نجاحها.

أما بالنسبة الى الصفات، فليس من المستحب أن يذكر المرء صفاته الحميدة لكن ان أردت تقييم الصفات التي ساهمت في تقدمي هناك الكثير، منها الشجاعة، الصبر، الذكاء، الثقة بالنفس، عدم الاستسلام، الرغبة في الفرادة والتميز، حب المعرفة، التواضع، أخذ العبر من التجارب التي بائت بالفشل، المثابرة، العناد، التصميم، التخطيط، والارادة.

وبالطبع يجب اضافة المحبة، لأنه من المستحيل أن ينجح الانسان في أي مجال ان كان يتمتع بعقلية حاقدة، خصوصا في المجال الثقافي والشعري، لأن أساس النجاح يرتكز على قلب ينبض حبا ونقاءا وعلى روح تتنفس صفاءا وسلاما وعقل يستميل حكمة وعلما ما بين القلب والروح.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أنا أحضر اليوم لطرح "cd" شعري بصوتي، يحتوي على حوالي 17 قصيدة مع مرافقة موسيقية. كما من الممكن أن أدخل في مجال التمثيل كتجربة جديدة. لكن الأهم بالنسبة الي اليوم هو الحصول على شهادة الدكتوراه في علوم الصحافة والاعلام.

وطالما الانسان موجود، لديه دائما طموحات لا تنتهي. وكما يقول الشاعر الاغريقي هوميروس "على الانسان أن يكافح وعلى السماء أن تمنح النجاح".

كما أتمنى وأطمح أن يترجم شعري الى لغات أجنبية، وينتشر ويعرف خارج لبنان والوطن العربي. وأطمح أن أعزز دوري كشاعرة وناشطة ثقافية من خلال كتب شعرية جديدة.

- كيف تمكنت من التنسيق بين أعمالك وبين دورك كزوجة وأم؟

أستشهد بقول المخرج الاسباني بدرو ألمودوفار أن "المرأة التي تحسن ادارة منزلها بامكانها حتما أن تدير البلاد". فالادارة هي علم وفن، كما أنها من أقدم الأعمال التي مارستها المرأة على اختلاف العصور لأنها اهتمت بمنزلها وربت الأسرة.

والادارة وحسن تنظيم الوقت هما الأساس كي تتمكن المرأة من التنسيق بين عملها وبين دورها كزوجة وأم.

ولا شك في أنها مسؤولية كبيرة جدا، والمسؤولية الأصعب والأهم هي العائلة، لكن عمل المرأة وتقدمها ينعكس ايجابا على الزوج والأولاد، وليس سلبا كما يفكر البعض، لأن نجاح المرأة على الصعيد المهني يحفز الطموح عند أولادها، وبالتالي تصبح مثالا جيدا لهم. كما أن وجود الزوج والأولاد يشكل حافزا اضافيا للمرأة كي تثبت قدراتها وتحقق ذاتها من خلال تواجدها داخل المنزل وخارجه، مما يضيف سلام داخلي في البيت يتيح لها أن تعطي المزيد. وكما يقول الأديب والشاعر اللبناني أمين الريحاني "المرأة حامل أبدا فإن لم يكن جنينا فأملا".

- أخبرينا عن حفل تكريمك من قبل رابطة البترون الإنمائية والثقافية والتجمّع الوطني للثقافة والبيئة والتراث بمناسبة إصدار كتابك "خاتم حبر"؟

هذه ليست المرة الأولى التي أكرم فيها، واعتدت على هذا النوع من الاحتفالات. لكن على الرغم من ذلك، يبقى لكل تكريم فرحة خاصة به. والأهم هو أنني أكتب حبا بالقصيدةوبالكلمة وبالعطاء للصورة الشعرية، وليس بهدف التكريم والحصول على الجوائز. وأنصح كل شاعر أم شاعرة، أن تكون القصيدة هي الهدف وليس التكريم.

انما لا شك في أن التكريم يشكل دعما معنويا له كل التقدير، وأنا أشكر جميع الأشخاص الذين يبذلون دوما جهودا كبيرة ويعطون الكثير بسبيل رفع شأن المثقفين والشعراء والأدباء وتكريمهم.

- على صعيد حقوق المرأة، ما هي برأيك المعوقات التي تقف في طريق تقدم المرأة اللبنانية؟

لا شك في أن تقدم الرجل على مر التاريخ أتاح له توزيع الأدوار والتحكم بالسلطة، وهذا ما أدى الى ولادة بنى ذهنية معينة لأن الرجل فاق المرأة بالقوة البدنية والعقلية، كونه قد دخل في مجال العمل والفكر لأجيال طويلة، كانت خلالها المرأة محرومة من الانخراط في هذه المجالات.

ومن المعوقات التي تقف في وجه المرأة، نجد القوانين الشخصية وقانون العمل المتعلق بإجازة الأمومة، اضافة الى القيود التي تكبل المرأة بالتبعية المعنوية والاقتصادية والعائلية للرجل. وهذا الأمر يشجع المرأة على التهاون في العمل، أي أنها تلتفت الى مستقبل سهل تحمل فيه الرجل مسؤولية وجودها، وتعتقد دوما ان وجودها متمركز حول وجود الرجل، علما أنه من الضروري أن تعرف المرأة أن الرجال والنساء يمركزون وجودهم حول الوجود الانساني العام.

لكن المشكلة الأكبر هي أن الصراع ليس متكافئا بين الرجل والمرأة لأن غالبية النساء يقفن موقف الرجل من المرأة.

- كيف تقيمين  دور الرجل في حياتك؟

دور الرجل بشكل عام يتأرجح بين 3 اتجاهات، الأول تقليدي محافظ يحصر وظيفة المرأة بالانجاب والرعاية، والثاني يعترف بحقها في العمل باطار ضيق ينسجم مع طبيعتها الأنثوية، أما الثالث فتحرري منفتح يساويها بالرجل من ناحية الحقوق والواجبات. ومن حسن حظي أن زوجي هو من النوع الثالث.

ولا شك في أن دور الرجل مهم جدا بحياة المرأة، لأنه الأب والأخ والصديق والحبيب والزوج والابن. وأنا أوجه تحية الى زوجي الذي يدعمني في مسيرتي الثقافية والفكرية، ولولا منه لما تمكنت من الوصول الى ما حققته اليوم.

وعلى الرغم من أن للرجل دور أساسي، لكنني أشعر دائما أن للمرأة دور شعاعي أكثر، فـ"عندما تثقف رجلا تكون قد ثقفت فردا واحدا، اما عندما تثقف أنثى فأنت تثقف عائلة باكملها"، على حد قول سقراط.

- ما رأيك بالتقدم الذي حققته المرأة في لبنان على صعيد الحقوق؟

التقدم في هذا المجال بطيء، ولا شك في أن اقرار قانون منع العنف الأسري أدى الى تقدم ملحوظ على صعيد حقوة المرأة، لكن بالطبع يبقى الكثير لتحقيقه. فتبين من خلال الدراسة التي أجرتها مؤسسة "تومسون رويترز"، أن لبنان يحتل المركز السابع بين أسوأ دول في العالم العربي حيث يمكن للمرأة أن تعيش فيها. بينما نلاحظ أن جزرالقمر هي الدولة الأفضل لأن المرأة لديها 20% من المناصب الوزارية، والزوجة تحتفظ بالأرض والمنزل في حالة الطلاق. لهذا السبب، من المتفرض توعية المرأة بحقوقها ودورها الحقيقي عبر التنمية الشاملة، وتعديل صورة المرأة السلبية عن نفسها، وتغيير اتجاهات المجتمع نحو المرأة من خلال وسائل الاعلام، التي تضعها في اطار صورة نمطية سطحية مقتصرة على التجميل والتبرج والاستعراض والجنس والابتذال والتسخيف، دون القاء الضوء على النساء الرائدات والمتميزات في مجال العلم والفكر والسياسة.

- هل تؤيدين اقرار الكوتا النسائية في المجلس النيابي؟ وهل لديك أي طموح سياسي؟

اقرار الكوتا مهم جدا، لكن لا يجب أن يكون هدفا بالنسبة للمرأة بل وسيلة تحقق من خلالها هدفها، لأنه ليس من المهم وجود المرأة العددي في البرلمان بل المعنوي. فساحة القرار تعاني من غياب أهل الكفاءات من الجنسين، والانسان المناسب في وطننا لا يتواجد عادة في مكانه المناسب. لذلك أنا مع الكفاءة باختيار المناصب الادارية.

أما بالنسبة الى طموحي السياسي، فلم أفكر في هذا الموضوع حاليا، لأن المنصب السياسي مسؤولية وليس هيبة أو مصدر نفوذ، مثلما جرت العادة في لبنان، والتي تطبق المثل القائل "السلطة المطلقة تغري بسوء الاستعمال".

أنا لا أسعى الى الألقاب والمناصب لكن في حال تم ترشيحي الى منصب سياسي معين ووجدت أنه بامكاني أن أخدم وطني من خلاله وأقدم خبراتي الثقافية ومعرفتي العلمية والمهنية، في سبيل رصد نجاحات جديدة تساهم بازدهار على المتسوى الوطني، فالطبع أكون بخدمة وطني لبنان.

- ما هي النصيحة التي تقدمينها الى المرأة؟

لا بد من القول أن الثورة تعني تحطيم أصنام الجهل في داخلنا، لهذا السبب أقول للمرأة "ثوري على نفسك وعلى جهلك، ولا تقبلي بعد اليوم أن تحصري دورك بالشكل والمظهر والترفيه، بل طالبي بمكانتك وانتفضي على ذاتك".

وأحب أن أختم بمقطع شعري كتبته خصيصا للمرأة:

لَيْش المَرا بِمْراحِل التِحْرير، عَم تحْرموها لِلْمَجِد تِطْمَح

ما زالها بْتُحْضُن طفُل وسْرير، ومِتلكُن عَم تِحْزَن وتِفْرَح

حِمْلِت تَسامُح بِالحَياة كْتير، لَكِن طُمُوحا ما بَقَى يِسْمَح

يْضَلّ مَطرَحها بِقَلب البَيْت، وما يْصير بِالمَجْلِس لِها مَطْرَح

كِلْما الرَبيع بْيِخْلَق من البَرد، بتِصْبَح قَميص الأَرض مِخْضَرَّه

وتَالشِّعر يُوفي لِلْخَوابي الوَعد، بَدُّو الخَمِر يِطْلَع مِن الجَرَّه

وحَتَّى العُطُر يِشْهَق عا تِمّ الوَرد، بْيِلْبُس تْياب الرِيح كِلّ مَرَّه

وهَيْك المَرا بْتُكْتُب لَشَعْبا المَجد، لَمّا تكُون بْفِكرها حُرَّه.