في الوقت الذي ترتفع خلاله صرخة كافة القطاعات الاقتصادية عن تراجع نشاطها وايراداتها بسبب الازمات السياسية والاضطرابات الامنية الداخلية من جهة والحرب المشتعلة في سوريا من جهة اخرى، لا يزال مرفأ بيروت يسجل ارقاما قياسية بحركته الاجمالية ووارداته المرفئية للعام الثالث على التوالي.

وهذه الارقام تؤكد ان هذا المرفأ الذي يعتبر المرفق البحري الاهم في لبنان، تمكن من التكيف مع هذه الاوضاع واستيعاب تداعياتها حتى تاريخه.

ومتابعةً لهذا الموضوع كان للنشرة الاقتصادية حوار مع رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت ايلي زخور.

كيف انعكست الاحداث الامنية الجارية في سوريا على حركة مرفأ بيروت وهل تمكن من استيعاب تداعياتها ؟

لا نكشف سرا اذا قلنا انه في الوقت الذي ترتفع خلاله أصوات كافة القطاعات الاقتصادية عن تراجع نشاطها وايراداتها بسبب الازمات والاضطرابات الداخلية والحرب المشتعلة في سوريا منذ حوالي ثلاث اعوام، نرى مرفأ العاصمة بيروت الذي يعتبر المرفق البحري والخدماتي الاهم، الذي يمر عبره اكثر من 80% من تجارة لبنان مع الخارج ما يزال يغرد خارج السرب ويسبح عكس التيار. فهذا المرفق مستمر بتسجيل الارقام القياسية بحركته الاجمالية ووارداته المرفئية للعام الثالث على التوالي والتي تعتبر الاكبر حتى تاريخه. وهذه الارقام تؤكد ان مرفأ بيروت تمكن من استيعاب والتكيف مع الازمات السياسية والاضطرابات الداخلية والحرب السورية وتداعياتها في ظل استمرار الحد الادنى من الاستقرار الامني في البلد.

كيف تقومون نتائج مرفأ بيروت خلال العام 2013 ، مقارنة مع تلك المسجلة في العام 2012 ؟

منذ تاريخ اندلاع الحرب في سوريا اي منذ حوالي السنوات الثلاث، يستمر مرفأ بيروت بتحقيق الارقم القياسية بحركته الاجمالية ووارداته المرفئية.

فقد سجل مرفأ بيروت استيراد وتصدير ما مجموعه 8 ملايين و 268 الف طن في العام 2013 مقابل7 ملايين و225 الف طن للعام 2012، اي بنمو وقدره مليون و 43 الف طن ونسبة 15 %.

وتوزع هذا المجموع على الشكل التالي:

البضائع المستوردة برسم الاستهلاك المحلي  بلغت 7 ملايين و 231 الف طن مقابل 6 ملايين و 375 الف طن في العام 2012، اي بزيادة قدرها 856 الف طن ونسبتها 14%.

في حين بلغت البضائع اللبنانية المصدرة بحرا مليونا و37 الف طن مقابل 850 الف طن، اي بنمو كبير قدره 187 الف طن ونسبته 22%.

كما ارتفع عدد السيارات الى 93 الف سيارة مقابل 86 الف سيارة بزيادة قدرها 7 آلاف سيارة ونسبتها 8 %.

وبلغ عدد الحاويات مليوناً و 117 الف حاوية نمطية مقابل مليون و42 الف حاوية، اي بارتفاع قدره 75 الف حاوية نمطية ونسبته 7%.

ولا بد من الاشارة الى الارتفاع الجيد لحركة الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي التي بلغ عددها 364 الف حاوية نمطية في العام 2013 مقابل 308 آلاف حاوية في العام 2012، اي بزيادة قدرها 56 الف حاوية نمطية ونسبتها 18 %.

كما سجلت حركة الحاويات المصدرة ملأى بضائع لبنانية زيادة كبيرة فبلغ عددها 74 الف حاوية نمطية مقابل 54 الف حاوية، اي بارتفاع قدره 20 الف حاوية نمطية ونسبته 36 %.

بينما تراجعت حركة الترانزيت البحري (المسافنة) فبلغت 359 الف حاوية نمطية في العام 2013 مقابل 407 آلاف حاوية نمطية بانخفاض قدره 48 الف حاوية نمطية ونسبته 12 %.

ونلفت النظر الى ان تراجع حركة المسافنة جاء تجاوبا مع طلب ادارة المرفأ من الشركتين اللتين تعتمدان المرفأ مركزا لعمليات المسافنة وذلك من اجل تخفيف الضغط عن محطة الحاويات والحد من شدة الازدحام مع استمرار ارتفاع حركة الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي.

ونشير اخيرا الى ان ارتفاع حركة البضائع والسيارات والحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي انعكس ايجابا على مجموع الواردات المرفئية التي ارتفعت الى 219 مليون دولار في العام 2013 مقابل 175 مليون دولار من العام 2012، اي بزيادة كبيرة قدرها 44 مليون دولار ونسبتها 25%.

كيف تفسرون هذه النتائج الجيدة في مرفأ بيروت في حين ترتفع أصوات كافة القطاعات الاقتصادية بتراجع نشاطها وايراداتها؟

ان عوامل عدة ساهمت في تحقيق الأرقام الجيدة بحركة مرفأ بيروت ومجموع وارداته المرفئية، نذكر منها:

العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على سوريا، حولت لبنان الى محطة إعادة تصدير (محطة توريد) الى سوريا. فهذا الواقع الجديد دفع التجار اللبنانيين الى مضاعفة مستورداتهم لتغطية الاسواق اللبنانية والأسواق السورية أيضا.

إن استمرار الحرب في سوريا، أثرت سلبا على عمليات الاستيراد والتصدير برا عبر الأراضي السورية بين لبنان والدول العربية، كما أن المخاطر المحدقة بالشاحنات العابرة للأراضي السورية والزيادة المتواصلة لأجور النقل ورسوم التأمين على البضائع المنقولة، حوّلت قسم كبير من حركة الاستيراد والتصدير من البر الى البحر عبر مرفأ بيروت.

كذلك أدى إغلاق المعابر البرية بين سوريا وتركيا بصورة نهائية وتوقف حركة العبور برا بين البلدين، الى تحوّل الاستيراد والتصدير بين لبنان وتركيا من البر الى البحر عبر مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس.

استمرار تدفق النازحين السوريين الى لبنان والذي فاق عددهم المليون نازحا، ساهم في الارتفاع الكبير بحركة البضائع والحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي.

هل تعتقدون أن استخدام التوسعة الجديدة لمحطة الحاويات في مرفأ بيروت أدى الى إيجاد حل نهائي لأزمة الازدحام في المرفأ؟

إن توسعة محطة الحاويات في مرفأ بيروت والتي تبنتها الغرفة الدولية للملاحة في بيروت وعملت جاهدة على إنجازها، ساهمت في حل أزمة الازدحام الذي كان يشهده مرفأ بيروت من حين الى آخر. فاستخدام هذه التوسعة أتاح للرصيف المركزي رقم 16 في المحطة استقبال والتعامل مع أكثر من 4 سفن في وقت واحد، وبالتالي أصبحت السفن تدخل الى محطة الحاويات في أقل من 24 ساعة على وصولها، في حين كانت تنتظر خارج المرفأ أكثر من 72 ساعة لحلول دورها للرسو والعمل في المحطة.

ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه مرفأ طرابلس بعد تأهيله وتجهيزه؟ وهل دوره سيكون تكامليا" مع مرفأ بيروت أو تنافسيا"؟

شهد مرفأ طرابلس عملية توسيع وتعميق وتطوير واسعة خلال السنوات القليلة الماضية. ومن المنتظر أن تباشر شركة GulfTainer التي فازت بمناقصة تشغيل الرصيف المستحدث في المرفأ بالرافعات والآليات. ومن المنتظر أن تصل هذه المعدات الى المرفأ قبل نهاية العام الحالي.

إن موقع مرفأ طرابلس الاستراتيجي يؤهله أن يلعب دورا رئيسيا على صعيد البضائع التي تستورد برسم الترانزيت البري الى العمق العربي. ولكن الأحداث الأمنية التي تشهدها مدينة طرابلس وضواحيها ما تزال تؤثر سلبا على حركة مرفأ طرابلس. كما ان الحرب المشتعلة في سوريا كانت لها تداعياتها السلبية على هذا المرفأ. فمرفأ طرابلس كان قبل اندلاع هذه الأحداث والحرب يستقبل أكثر من 50 ألف طن شهريا برسم الترانزيت البري الى الدول العربية، فانخفضت حاليا الى أقل من 5 آلاف طن شهريا. لذلك نؤكد أن مرفأ طرابلس مؤهل للعب دور محوري على صعيد الترانزيت البري، شرط أن تكون الأوضاع الأمنية الداخلية مستقرة وعلاقات لبنان مع دول الجوار ولا سيما مع سوريا جيدة.

أما عن إمكانية نشوء منافسة بين مرفأي بيروت وطرابلس، فنحن نعتقد وكما ذكرت آنفا، أن دور مرفأ طرابلس هو تكاملي مع مرفأ بيروت، فمرفأ بيروت يلعب حاليا دورا رئيسيا على صعيد الترانزيت البحري (المسافنة) في حين أن مرفأ طرابلس قادر أن يفعّل دوره على صعيد الترانزيت البري بعد إنجاز عملية تجهيزه.

ما هو الوضع الحالي للاسطول التجاري اللبناني؟

إن الاسطول التجاري اللبناني في أسوأ أحواله وأوضاعه، فهذا الاسطول كان يضم قبل اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975، أكثر من 250 باخرة التي كانت حصتها كبيرة على صعيد استيراد وتصدير البضائع عبر المرافئ اللبنانية. أما اليوم فلم يعد يتجاوز عدده الـ50 باخرة أكل على معظمها الدهر وشرب، وتحولت بأغلبيتها لنقل المواشي. إن هذا الوضع المزري مسؤولة عنه الحكومات المتعاقبة التي رفضت تصنيف هذا الاسطول كصناعة وطنية، ليتمكن أصحابه من الحصول على قروض مصرفية بفوائد ميسّرة لكي يتمكنوا من تأهيل وتحديث بواخرهم أو شراء بواخر جديدة.

اخيراً ما هي توقعاتك للعام 2014 بالنسبة لحركة مرفأ بيروت؟

أود أن أشير الى أن حركة المسافنة بدأت تستعيد عافيتها بعد مباشرة ادارة مرفأ بيروت استخدام التوسعة الجديدة لمحطة الحاويات، فالاحصاءات تؤكد أن هذه الحركة ارتفعت الى حوالي 30 ألف حاوية نمطية في كل من شهري تشرين الثاني وكانون الاول من العام الماضي، في حين كانت بحدود الـ 24 ألف حاوية نمطية في تشرين الاول من العام 2013.

أما عن توقعاتي للعام 2014، فيمكنني القول أن مرفأ بيروت سيستمر في تحقيق الأرقام القياسية بحركته ووارداته المرفئية، ولكن أحذّر من أن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والتفجيرات الارهابية لأنه سيؤثر سلبا على المرفأ، مثله مثل باقي القطاعات الاقتصادية.

فهذه الأوضاع غير المستقرة ستدفع التجار الى شد الأحزمة وتقليص من مستورداتهم بانتظار تبلور الأوضاع. لذلك، نجدد دعوتنا الى كافة السياسيين والمسؤولين وأصحاب الحل والربط الى الاتفاق والاسراع في تشكيل حكومة قادرة على اعادة توحيد اللحمة بين اللبنانيين وترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في البلد قبل فوات الأوان.