لن يتعدى النمو الاقتصادي في لبنان في 2013 الـ 1.5% وفقا لأرقام البنك الدولي، وذلك نتيجة الازمة السورية وتداعياتها على المناطق الحدودية، فضلاً عن دخول اللاجئين السوريين الاراضي اللبنانية باعداد كبيرة ووصول أعدادهم الى نحو مليون ونصف مليون نازح، مما سيؤثر سلباً في موازنة الدولة، واستهلاك البنى التحتية وقطاعات الصحة والتعليم وسائر القطاعات. كما تشير الأرقام في أكثر من دراسة الى أن ضغوط الازمة السورية على لبنان منذ نحو 3 سنوات ادت الى تكبيده خسائر سنوية في الناتج القومي بنسبة 2.8%، والتي تبلغ نحو 7.5 مليار دولار.

وللوقوف على هذه الأرقام ومدى صحتها، بالإضافة الى متطلبات المرحلة المقبلة والإجراءات التي يمكن أن يتخذها لبنان للتخفيف من الأعباء، كان للنشرة الإقتصادية حديث خاص مع الخبير الإقتصادي د.​ألفرد رياشي​ الذي إعتبر أن عدد النازحين وصل الى مكان يفوق قدرة لبنان على التحمل، وأن عجز الحكومة زاد بنسبة 12% تقريبا بسبب شح المساعدات الدولية.

• برأيك ما مدى صحة الأرقام التي تضمنها تقرير البنك الدولي؟ وما هي متطلبات المرحلة المقبلة والإجراءات التي يمكن إتخاذها للتخفيف من الأعباء؟

أنا أعتقد أن هذه الأرقام التي توقعها البنك الدولي هي قريبة للواقع، وأنا توقعت منذ ستة أشهر أرقام قريبة لهذه النسبة، حيث توقعت أن تتراوح نسب النمو بين الـ1 و 1.2% بين 2013 و 2014، ولكي أكون أكثر تحفظا، أعتقد اليوم أننا لا يجب أن نكون متشائمين جدا وأن نتوقع نمو سلبي، ولا متفائلين جدا حيث قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن يتراوح النمو بين الـ2 و 2.5%، ولكن الأرقام الأكثر واقعية حاليا تتراوح بين الـ1 و1.2%.

وفي لبنان إجمالا هناك نقص في المعطيات التي يمكن الإعتماد عليها للحصول على أرقام موضوعية وصحيحة، مثل معدل الدخل المحلي مثلا المبني على نسبة الإنتاج داخل الحدود، فهو يفتقد الى المصداقية لأن الكثير من الشركات الداخلية لا تصرح بشكل صحيح وصادق عن أرباحها ومداخيلها، وهذا النقص في المعطيات يصعب الوصول الى أرقام دقيقة في موضوع النمو.

وبالنسبة لي فإن العامل الأساسي الذي حافظ على النمو فوق الـ1% لهذا العام هو القطاع العقاري، الذي بقي صامدا رغم تراجع الإستثمارات فيه بنسبة 3% بسبب تدني القدرة الشرائية، بالإضافة الى زيادة العرض لبيع الشقق الكبيرة والذي يعود الى رغبة الخليجيين في بيع ممتلاكاتهم في لبنان بعد تدهور الوضع الإقتصادي.

والمشكلة في لبنان هو أن 73% من الناتج المحلي يأتي من قطاع الخدمات، وهذا القطاع تأثر كثيرا بسبب الأوضاع الأمنية والإنقسام السياسي، وغياب الدعم والإهتمام عن باقي القطاعات الأخرى مثل القطاع الزراعي والصناعي.

• الى متى سيتمكن لبنان من إستيعاب المزيد من اللاجئين السوريين؟ وما هي التدابير التي يجب إتخاذها للحصول على الدعم الدولي؟

لبنان إستقبل أكثر من مليون نازح حتى الأن، وهذا الرقم يشكل أكثر من 25% من الشعب اللبناني، مما زاد الكلفة على جميع الأصعدة (السكن، التعليم، الإستشفاء .... ) والتي وصلت بحسب التقديرات الى 2.5 مليار دولار.

ورغم وصول أرقام النازحين الى مكان يفوق قدرة لبنان على التحمل، لا يزال هناك شح كبير في المساعدات من الدول الكبرى، والدول المجاورة التي لديها قدرات تفوق لبنان بكثير، وحتى بعد مؤتمر نيويورك بقيت المساعدات خجولة جدا، مما زاد عجز الحكومة بنسبة 12% تقريبا.

وكل ذلك يعود لغياب سياسة لضبط عملية تدفق النازحين منذ البداية، حيث أن دول أكبر من لبنان ولديها قدرات هائلة لم تستقبل العدد الذي إستقبله لبنان وإتبعت سياسات تنظيمية، ولكن لبنان تحمّل الفاتورة الأكبر في هذا الموضوع.

كما ان هناك موضوع التنظيم الداخلي، فرغم وصول الأعداد الى هذا الحد، هناك غياب للتنظيم في الداخل اللبناني، فالنازحين يفتتحون المحال التجارية بدون التقيد بالقوانين أو دفع الضرائب وهذا يخلق منافسة غير عادلة، كما أن العاملين السوريين يعملون بأجر منخفض، مما دفع العديد من المؤسسات والشركات الى التخلي عن موظفيها اللبنانيين لتخفيف التكلفة عليها، وهذا ما زاد من نسب البطالة.

• برأيك هل ستنتعش الأسواق مع إقتراب موسم الأعياد؟

بدأ السوق يشهد بعض الحركة المقبولة مع إقتراب الأعياد، ولكن في الأسواق الإستهلاكية فقط، وهنا ظهرت قليلا إيجابيات وجود اللاجئين السوريين الذين زادوا من حركة السوق، وهذه الحركة ستساهم قليلا في تحسين نسبة النمو مع نهاية العام ولكن بشكل طفيف جدا.

• كيف سينعكس الإتفاق بين إيران والدول الكبرى على الأوضاع في المنطقة، ولبنان بشكل خاص؟

بالنسبة للإتفاق الإيراني الغربي انا أعتقد أنه ممكن أن يخفف من تأزم الأوضاع في المنطقة، ولكن يجب ان يكون مقرونا بموافقة عربية وخليجية، لأن هذه الدول لها تأثير كبير أيضا في المنطقة، والأهم من ذلك يجب ان يتطور ليشمل إيجاد حلول في سوريا مع إقتراب "جينيف 2"، لأن غياب هذه الأمور ستخفف من إيجابيات هذا الإتفاق وإنعكاساته على دول المنطقة.

• هل تعتقد ان هناك بوادر إيجابية في موضوع تشكيل الحكومة؟ وهل تشكيلها هو الحل لإنقاذ الإقتصاد الوطني؟

 لا أعتقد أن تشكيل الحكومة هو الحل الوحيد للأزمة الإقتصادية التي يعاني منها لبنان، فتشكيل الحكومة سيكون بمثابة مخدّر فقط، كما كانت الحكومة التي تشكلت بعد إتفاق الدوحة في 2008، فالحل برأيي ليس فقط تشكيل حكومة ولكن يجب أن يكون هناك إتفاق سياسي جذري بين جميع الأطراف، لأن الأوضاع سابقا لم تكن أفضل من اليوم حتى مع وجود حكومات، فنحن شهدنا نموا في الأعوام السابقة بسبب القطاع العقاري والإستثمارات داخل هذا القطاع، وليس بسبب المشاريع والإستراتيجيات التي طبقتها الحكومات.

• ما هي توقعاتك للنمو في العام 2014؟

- إن لم يكن هناك إتفاق سياسي داخلي، وإتفاق إقليمي ودولي، أتوقع أن الظروف ستكون أسوأ في 2014، وسيكون هناك تدهو للأوضاع وزيادة في البطالة وتراجع كبير في النمو، الذي يمكن ان يكون سلبيا.