بالامس "بق ​مصرف لبنان​ البحصة "، واعلن صراحة ان سعر ​الدولار​ على منصفة ​صيرفة​ هو نفسه السعر الحالي في ​السوق السوداء​، ليظهر جليا ما سبق وشرحناه مرارا في "موقع الاقتصاد"، من ان المنصة ليست لضبط سعر صرف العملة الاجنبية وخفضه.

بيان "المركزي" اشار الى ان السعر سيكون 12 الف ليرة بعد ان ساد الاعتقاد طويلا بانه سيكون 10 الاف ليرة، وهو سعر كان من شأنه لو اعتمد ان يخفف الى حد ما حجم ​التضخم​ وغلاء الاسعار، ولكن السعر المعلن، والذي ستضاف اليه نسبة ارباح وعمولات للمصارف، سيكون بحدود 12500 ليرة اي أنه يعترف بالامر الواقع، ويشرعن السعر الاسود التي تجري على اساسه عمليات البيع والشراء حاليا.

اكثر من ذلك، حسم مصرف لبنان التساؤلات حول المستفيدين من المنصة، وفي معرض شرحه للالية التي ستعتمد لبيع الدولار، تبين ان المنصة ليست بالفعل منصة تداول، اي للبيع والشراء، بل هي مجرد ​آلية​ لبيع الدولار،من جهة واحدة، الى ​التجار​ والمستوردين فقط لتمويل عمليات الاستيراد، وهي نفسها العملية الجارية عبر "المركزي" اليوم ولكن بانضمام ​المصارف​ التجارية اليها. لن يستطيع الافراد الحصول على ال​دولارات​ أبدا لاستخدامات اخرى غير الاستيراد، لا بل هناك تشدد اكثر في عمليات البيع، اذ يفترض ان يقدم الراغبون بطلبات مسبقة الى المصارف ليصار الى دراستها ومن ثم تأمين الدولارات بعد اسبوع. كما ان الصرافين لا يشاركون في هذه العملية، عملا ان التعميم الاول لمصرف لبنان حول المنصة شملهم، وقد شاركوا في الدورات الاعدادية للمنصة.

ماذا يعني ذلك؟

مصرف لبنان لا يكشف كل اوراقه دفعة واحدة. ففكرة المنصة انطلقت من الحاجة الى تنظيم التداول بالدولار وحصره في اطر معينة تحت المراقبة، فتحولت مع التنفيذ، أو هكذا يراد لها، الى مجرد وسيلة لشفط ​السيولة​ بالليرة من السوق ، واحتكارها في مصرف لبنان، من دون مقابل نقدي بالدولار، لان احدا لن يضخ الدولارات في هذه السوق، بل سيتم تسديد فواتير الاستيراد لدى المصارف المراسلة حصرا، لذلك سيضطر المواطنون ممن ادخروا الدولارات في منازلهم الى تصريفها شيئا فشيئا. وهذا هدف رئيسي في كل حركة مصرف لبنان، وهذه العملية تحتاج من وجهة نظر "المركزي" الى انضباط ​شديد​ ولهذا السبب تم حصرها بالمصارف فقط، واستبعد الصرافون "غير المضمونين"،لانهم متهمون اساسا بالتلاعب من خلال شراء كميات كبيرة من الدولاروتهريبها الى الخارج.

وكذلك فان شفط بالليرة سيؤدي حتما الى ازمة سيولة بالعملة الوطنية ما سيدفع الكثير من اصحاب الودائع العالقة بالدولار الى صرف دولاراتهم بسعر 3900 ليرة .

حاليا يبيع مصرف لبنان الدولار للمستوردين بـ 1500 ليرة، ومع المنصة سيبيعه بـ 12500 ليرة، اي ان ​الكتلة النقدية​ بالليرة لديه ستتضاعف 10 مرات تقريبا، ولكن السؤال المهم هو من أين سيحصل على الدولار لتحويله الى المصارف المراسلة،وهو الذي يعلن ويكرر منذ اشهر انه قارب الخط الاحمر، ووصل الى حدود المس بالاحتياط الالزامي؟

هل يراهن المركزي على احتكار الليرة، ليعود هو بنفسه الى السوق الموازية لشراء الدولار بواسطتها؟!!

هذه النقطة تحتاج الى جلاء.

ومن ناحية ثانية، فان أخطر ما الامر ان مصرف لبنان يكرس هذا السعر المرتفع للدولار، اي 12500 ليرة، كامر واقع، وما كان مامولا من المنصة، اي خفض السعر، لم يكن سوى وهم. وعلى العكس من ذلك، فان اطلاق المنصة بعد اسابيع قليلة من الرفع الجزئي للدعم، وقبل اسابيع قليلة من الرفع الكامل له، يعني ان مصرف لبنان يتحسب لارتفاع قياسي للدولار، لان الطلب على العملة الاميركية سيرتفع بشكل كبير، وسيكون المصدر الاساسي لتأمين الدولارات السوق السوداء، لان الحصول عليها من المنصة مقنن ومشروط بموافقات مسبقة، وهذا مناف ومعرقل للطبيعة للحرة للسوق ولعمليات الاستيراد.

فهل سينجح "المركزي" في لجم هذا الارتفاعالمرتقب؟ الجواب هو لا بالتأكيد، وجل ما يستطيع فعله هو مراقبة جزء من حركة بيع الدولار.

ومن جهة اخرى، ثمة من يعلق آمالا على موسم الصيف المقبل، حيث يتوقع ان يقضي المغتربون اجازاتهم في لبنان ويجلبون معهم حوالى المليار دولار، ما سيؤدي الى وفرة دولارات والى انخفاض سعر الدولار نسبيا، ولان الحاجة الى تسييل هذه الدولارات تبقى بيد من يملك الكتلة النقدية الاكبر بالليرة فسيقوم تنافس حاد بين المصارف والصرافين على استقطاب هذه الدولارات الطازجة، ومن جهته يسعى مصرف لبنان للاستحواذ على القسم الاكبر منها.

لا شك ان حركة المغتربين ستساهم ايجابا في زيادة عرض الدولار، والمفترض ان تثبت سعره عند حدود معينة،الا ان المؤكد ان رفع الدعم سينسف هذه الايجابية سريعا، والتي قد لا نستفيد منها اطلاقا، اذا تقرر هذا الرفع قبل بدء موسم الاصطياف.

المنصة الجديدة هي عمليا وسيلة "المركزي" لبيع الدولار وشفط الليرة من السوق، ومن ثم شفط دولارات المدخرات في البيوت، ودولارات الودائع في البنوك، ودولارات المغتربين.

الخلاصة ان المنصة ليست حلا نهائيا ولا موقتا لازمة سعر الصرف في لبنان، بل هي مجرد وسيلة يستخدمها مصرف لبنان من موقعه ليجعل من نفسه لاعبا قويا في السوق،او شريكا مضاربا، وليس سلطة نقدية تعمل على حماية النقد والمال العام.