في الوقت الذي كان ​لبنان​ يبحث عن فرصة لتصحيح مسار علاقته ب​دول مجلس التعاون الخليجي​ وتحديدًا مع المملكة العربية ​السعودية​ بعد القرار الأخير الذي اتخذته القيادة السعودية بوقف ​استيراد​ الخضار والفاكهة من لبنان أو مرورها عبر أراضيها، بعد ضبطها لشحنة "الرمّان المخدر"، أدخل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة لبنان في أزمة دبلوماسية خطيرة بعد موقفه المُسيء للمملكة العربية السعودية و​دول الخليج​.

الوزير "الديبلوماسي" حاول اَلتَّنَصُّل من تصريحاته السلبية تجاه العرب في بيان خجول أصدره بعد لقائه أمس رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، مؤكدًا أنّه لم يتناول "الأشقاء في دول الخليج العربي، ولم يتطرق إلى تسمية أي دولة" داعيًا "المُصطادين في ​المياه​ الراكدة إلى التوقف عن الاستثمار في الفتنة بين لبنان وأشقائه وأصدقائه".

تصريحات وهبة جوبهت بالرفض من الداخل قبل الخارج، فتوالت المواقف الداخلية من أعلى المستويات في الدولة، منددةً بالكلام المسيء الذي صدر عن وزير الخارجية واضعةً إياه في خانة اَلرَّأْي الشخصي، وأنه لا يعكس الموقف الرسميّ اللبنانيّ الذي يحرص على أفضل العلاقات مع ​الدول العربية​ عمومًا والخليجية خصوصًا.

من جهتها، استدعت وزارة الخارجية السعودية سفير لبنان في المملكة فوزي كبارة وأعربت له عن رفضها واستنكارها للإساءات التي تعرضت لها، وسلّمته مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص. كذلك فعلت كلّ من ​الإمارات​، ​البحرين​ والكويت.

في السياق عينه، طالب مجلس التعاون الخليجي وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة، بإصدار ​اعتذار​ رسمي لها.

ليبقى السؤال الأهم ما مصير الجالية اللبنانيّة في دول الخليج؟

يترقب حوالي أربعمئة ألف مغترب لبناني بحذر الإجراءات التي قد تُقدم عليها دول مجلس التعاون الخليجي بحقهم، خصوصًا وأن من ضمن السيناريوهات المطروحة والتي قد تلجأ إليها المملكة ودول الخليج هو قرار ترحيل الجاليات اللبنانية. فهل يستطيع لبنان تحمل أعباء هذه الكارثة؟

لطالما اعتُبرت ​الدول الخليجية​ الرئة الأساسية بالنسبة للبنان خصوصًا في ظلّ الأزمات. فعلى سبيل المثال تُقدر الأموال التي تُحول من المغتربين في دول الخليج بحوالي 4.5 مليار دولار أميركي سَنَوِيًّا، هذا فضلًا عن أن 60 في المئة من الصادرات اللبنانية تذهب إلى تلك الدول. ولا بد من التذكير أنه عام 2020 بلغت قيمة الصادرات اللبنانية للمملكة العربية السعودية وحدها حوالي 82 مليون و549 ألف دولار.

مصادر متابعة لهذا الملف أكدت لـ"الإقتصاد" أن الدول الخليجية لن تتساهل بعد اليوم مع أي قرار أو إساءة تتعرض لها على اعتبار أنها "زلة لسان" أو ما شابه، وأن الاعتذار الشفهي وحده لم يعد كافيًا، خصوصًا أن مروحة الإجراءات التي قد تلجأ إليها دول الخليج وتحديدًا ​المملكة العربية السعودية​ واسعة جدا. وقد استبعدت هذه المصادر لجوء الدول الخليجية إلى قرار ترحيل الجاليات اللبنانية".

في المقابل ​علم​ موقع "الإقتصاد" أن ​اتصالات​ عديدة أجريت ليل أمس لحلحلة الأزمة الديبلوماسية المُستجدة، والتي أفضت بحسب المصادر إلى تنحي وهبة عن وزارة الخارجية، على أن يتسلم وزير البيئة دميانوس ​قطار​ مهام وزارة الخارجية بالوكالة، وذلك بناءً لمرسوم رقم 6172 القاضي بتعيين وزراء بالوكالة عند غياب الوزراء الأصيلين".

ومن المتوقع بحسب المصادر أن يشهد لبنان اليوم تحركات شعبيّة في مناطق عديدة دعمًا للمملكة العربية السعودية، وتنديدًا بالكلام المُسيء بحق دول الخليج، عل أن تزور وفود سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وإعلامية السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، للتعبير عن تضامنهم مع المملكة.

وتابعت المصادر " من غير المقبول بعد اليوم السماح لأي شخص كان مهما علا شأنه، أن يتلاعب بمصير اللبنانيين في الداخل والخارج، عبر تصريحات من هنا وتصدير المخدرات من هناك وتشويه صورة لبنان الحضارية. فالدول العربية عمومًا والخليجية خصوصًا كانوا إلى جانب لبنان في أحلك الظروف وأصعبها. وبالطبع لا نستطيع أن ننسى الجاليات اللبنانية التي تعيش في الدول العربية منذ سنوات وسنوات".

أضافت المصادر "دول مجلس التعاون الخليجي حريصة أشد الحرص على إقامة أفضل العلاقات مع لبنان واللبنانيين، وهذا الأمر متوقف على طريقة تعاطي بعض الأفرقاء اللبنانيين مع هذه الدول. لذلك نتمنى على المسؤولين اللبنانيين بدءًا من ​رئيس الجمهورية العماد ميشال عون​ وصولاً إلى الأفرقاء كافة، العمل على تصحيح مسار علاقات لبنان الخارجية وتحديدًا مع محيطه العربيّ والخليجيّ التي أُصيبت بنكسات عديدة منذ بداية الحرب السوريّة، وهذا الأمر انعكس سلبًا على لبنان وعلى إقتصاده. واليوم وفي الوقت الذي يحتاج فيه لبنان إلى الدعم العربيّ قبل الغربيّ، نرى كيف أن البعض يُحاول عن قصد أو غير قصد إدخال لبنان المُنهك، في أزمات جديدة قد لا تنتهي مفاعيلها بتنحي الوزير".

وختمت المصادر حديثها بالقول: " لبنان اليوم على مفترق طرق خصوصًا في ما يتعلق بمسار علاقاته الخارجية وتحديدا مع الدول الخليجية، وهذا الأمر بات يُحتم وجود حكومة فاعلة بأسرع وقت ممكن، تحظى بثقة الداخل والخارج، وتعمل على تصحيح علاقة لبنان مع محيطه العربي بالأفعال وليس بالأقوال، وعلى إعادة المياه إلى مجاريها. لقد أثبتت التجارب أن لبنان لا يمكن أن يكون إلّا في الحضن العربيّ بعيدا عن لعبة المحاور التي لم تجلب له سوى الويلات. لذلك نتمنى من الطبقة السياسية تدارك هذا الأمر قبل فوات الأوان، وتضع مصلحة اللبنانيين كأولوية ومصلحة المغتربين الذين يعيشون بقلق مستمر في دول الخليج مع كلّ أزمة".