تشهد سوق اللحوم أزمة بين الأطراف المعنية، من مستوردين وتجّار ولحامين إلى وزارات و​مصرف لبنان​، أدّت إلى فوضى غير مسبوقة انعكست سلباً على ​الأمن الغذائي​ للمواطن والذي بات مهدداً.

لاشكّ في أنّ أزمة ​الدولار​ وهبوط الليرة إلى أدنى مستوياتها، ولّدت هذه الأزمة، وتنعكس على ​أسعار اللحوم​ غير الثابتة، في ظلّ غياب ضبط احتكار ​المواشي​ المدعومة أولاً، وغياب تنظيم ومراقبة تسليم اللحوم للحّامين بالأسعار المحدَّدة من وزارة الاقتصاد.

فالخلل اليوم يكمن في ​آلية​ الاستيراد التي فرضها المصرف المركزي، وعلى رأسها المعاملات المحتجزة في المصرف، بحسب ما يقول المستوردون وأصحاب المزارع، وتضاف إليها أزمة تأخر المعاملات في الوزارات المعنية.

هذه الفوضى تنعكس بالنهاية على المواطن الذي بات يجد في كلّ ملحمة سعراً مختلفاً، هذا في حال وجد اللحوم!

وإزاء هذا الواقع، يشهد سوق اللحوم حالياً تضاؤلاً بالكميات الموزعة، لا سيّما خلال شهر رمضان، حيث لا تتوافر جميع الكميات المطلوبة في الملاحم، وما يجري اليوم ينذر بأن الآتي أعظم!

وعن آخر تطورات هذه الأزمة، كان لـ "الاقتصاد" مقابلة مع أمين سر نقابة القصابين ومستوردي وتجار المواشي الحية، ماجد عيد، الذي أطلعنا على قرارات جديدة اتخذها ​وزير الاقتصاد​ في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة، تمثلت بتعديل قراره إيقاف دور وعمل تجار ​الجملة​ وإعادتهم للسوق مع فرض شروط وتعهدات مشددة عليهم.

وقال عيد:" هناك شروط جديدة وضعت على تاجر الجملة، إذ عليه أن يتعهد بتسليم اللحوم على السعر المدعوم وتصوير عملية الذبح وتوثيقها، في الوقت ذاته عليه مراقبة الملحمة التي يقوم بالتعامل معها وتسليمها المواشي، كذلك بالنسبة للمستورد عليه أن يراقب تاجر الجملة والملحمة التي يقوم بتسليمها. وبهذه الآلية يتم تحميل المسؤولية للأفراد، ومن لا يقوم بالتبليغ عن ال​مخالفة​ سيتم معاقبته من قبل الوزارة."

وأضاف:" الدولة تتخلى عن مسؤولياتها بهذه الآلية، ووزير الاقتصاد يهدد بتوقيف الدعم عن اللحوم في حال المخالفة، مما يؤثر على المواطن وليس على ​التجار​ بالدرجة الأولى، فبالنسبة لنا كمستوردين أصبحت آلية الدعم ثقيلة ومرهقة، لأن المعاملات تأخذ وقتاً طويلاً ومصرف لبنان لم يسدد المستحقات حتى الآن."

ويؤكد عيد: "أنا مع المراقبة التي اقترحها وزير الاقتصاد، ومع أي أسلوب للضغط ومحاسبة المخالف لضبط الأسعار، وكنقابة نشجع على ذلك، ولكن أشدد أيضاً على دور الدولة والمعنيين بقمع أي مخالفة في حال تبليغهم، وفي هذه الظروف الاستثنائية علينا أن نتعاون جميعاً لضبط الأمور، خصوصاً أنه أصبح علينا مسؤولية بتبليغ وزارة الاقتصاد بعد قرارها الأخير بأي مخالفة يقوم بها أحد. ولكن يبقى السؤال هل ستتخذ الإجراءات اللازمة أم أنها لن تستطيع فعل ذلك؟"

وناشد عيد المواطنين بتبليغ وزارة الاقتصاد عن أي ملحمة لا تقوم بالبيع على السعر المدعوم والمحدد، لأن الوزارة سترسل مراقبين لتسطير المخالفات ويلاحقون المستورد وتاجر الجملة المخالف.

وتابع:" هناك ضغوطات على الجميع من مستوردين إلى تجار وأصحاب ملاحم إلى أن ينتهي المطاف عند المواطن. فالأزمة كبيرة لدرجة أن هناك ملاحم أغلقت أبوابها ومنها من أصبح يفتح ليلاً كي لا يتم الضغط عليها.

أما في حال رفع الدعم، فسعر اللحمة سيكون بحسب سعر صرف الدولار في ​السوق السوداء​."

وأوضح، أن "الطلب ازداد كثيراً على اللحوم بشكل غير مسبوق، وذلك بسبب سعرها، فهي أرخص سلعة موجودة في السوق حالياً، إذ أن كيلو ​السمك​ أصبح بـ 90 ألف ليرة أما سعر كليو اللحم كما حددته وزارة الاقتصاد 42 ألف ليرة للمفروم و45 ألف ليرة لـ "الهبرة"، لذلك ازداد الطلب كثيراً على اللحوم.

وتباع عيد:" مع الأسف هناك ​ناس​ يقومون بشراء وتخزين اللحوم، ولطالما ناشدنا المواطنين الميسورين بالتوقف عن طلب 4 و5 كيلو لحم عن طريق "الديليفري" وافساح المجال للمحتاجين كي يتناول الجميع بشكل عادل، فلطالما طرحنا فكرة منع التوصيل بـ"الديلفري". ونحاول ابتكار حلول لمساعدة الناس في ظل هذه الأزمة."

وعن الحلول المطروحة لمعالجة هذه الأزمة، قال أمين سر نقابة القصابين ومستوردي وتجار المواشي الحية:" هناك موضوع أصبح واضحاً للجميع، هناك أبقار في لبنان ولكن محتجزة في المزارع فإذا قام مصرف لبنان بدفع المستحقات للتجار تنفرج الأزمة فوراً. أنا شخصياً أخاطر باستيراد المواشي في هذا الوضع لتيسير أمور الناس، لكن لا أستطيع تلبية السوق كله في هذه الظروف."

وأضاف: "هناك مبالغ عالقة لدى مصرف لبنان للمستوردين تقدر بـ 35 إلى 40 مليون دولار، ولم يتم تحويلهم إلى الموردين الذين قاموا بإرسال المواشي، ومنها ما تم تصريفه وبيعه على الرغم من توقيع جميع الوزراء على القرار."

وختم عيد بالقول، "نطالب ​الدولة اللبنانية​ بالتشدد على كل مخالف، ونحن اليوم في وضع استثنائي ولا بد من قرارات جريئة واستثنائية. وأتوجه إلى المعنيين بالضغط على مصرف لبنان، لأننا أصبحنا في وضع خطر يهدد بالمعنى الحرفي الأمن الغذائي للمواطن."