الخلاصة هي في مقدمة كل المشاريع التي أعدت من أجل إعادة إعمار ​مرفأ بيروت​ من قبل العارضين الدوليين والمحليين والتي هي بحاجة قبل التصديق عليها وفق ما قاله السفير الالماني في بيروت أندرياس كيندل إن "مشروعاً بهذا الحجم.. لا يمكن بناؤه سوى إذا توّفرت ​المحاسبة​ والشفافية".

هذه الشفافية مطلوبة من حكومة اختصاصيين جديدة فاعلة تحظى بالثقة الدولية وتطمئن الشارع، مع برنامج اقتصادي واجتماعي مبني على اصلاحات فورية، بعيداً عن السياسة والمصالح الفردية، تنشل البلد من دهاليز جهنّم وتُعيد للإقتصاد إعتباره ولليرة أيام عزّها، تُفرج عن أموال المودعين في ​المصارف​، تنجح في جذب ​الاستثمارات الخارجية​، بعد القضاء على ​الفساد​ وضبط عمليات التهريب.

هذه الحكومة هي الوحيدة المخوّلة في البتّ بأي عرض مقدم لمرفأ العاصمة الذي تفجيره هزّ ضمير العالم، علماً إن تلزيمه سيكون محسوماً لصالح شركة اجنبية تحظى بثقة الدول المانحة والجهات المموّلة والتي هي على الأقل قادرة على تأمين الكلفة والأموال اللازمة اي Fresh ​money​ .

على طاولة وزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار اكثر من عرض لإعادة إعمارمرفأ بيروت ومنها الألماني، الفرنسي، الصيني، التركي، الروسي والمحلي رغم تراجع حظوظه لإعتبارات عدة تبعده عن المنافسة.

زخور

ولاشك إن هذا الإقبال مرتبط بعدة اسباب اهمها وفق رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت ايلي زخور:

- الموقع المميّز للمرفأ جغرافياً واستراتيجياً والذي جعل منه محوّراً فريداً يوصل الشرق بالغرب.

- كفاءة المتعاملين معه من وكالات بحرية والعاملين فيه في عمليات الشحن والنقل.

- امتلاك ​لبنان​ لثروة نفطية وغازية مؤكدة وواعدة .

لقد حظي مرفأ بيروت باهتمام كافة الغزاة الذين استولوا على الساحل الشرقي للبحر المتوسط نظراً لمركزه استراتيجي من الرومان الى الفتح العربي والعثمانيين، وصولاً الى الفرنسيين الذين حوّلوه الى قاعدة بحرية عسكرية هامة، ومدينة بيروت الى مركز تجاري للتعامل مع المستعمرات المجاورة لاسيما ​مصر​ القديمة.

شنّت ​اسرائيل​ عدوانها على مصر عام 1967 واحتلالها للضفة الشرقية ل​قناة السويس​، أغلقت القناة امام ​التجارة البحرية​ بين ​اوروبا​ و​الشرق الاوسط​ و​آسيا​ وبالعكس. وكان مرفأ بيروت البديل المناسب عن قناة السويس وتحوّل الى مركز للبضائع المستوردة، برسم الترانزيت البري الى ​الدول العربية​ كالسعودية و​الاردن​ و​العراق​ و​الكويت​ و​الخليج العربي​. وكانت البواخر التي تؤمه تفرغ حمولاتها في مستودعاته، وعلى ارصفته، ومن ثم يُعاد تحميلها على ​الشاحنات​ لنقلها براً عبر ​سوريا​ الى مقصدها النهائي في سوريا.

واللافت انه بموقعه هو أقرب من بعض العواصم العربية: الى دمشق من مرفئي ​طرطوس​ واللاذقية السوريين، الى بغداد من مرفأ أم قصر العراقي المُطل على الخليج العربي، الى عمان من مرفأ ​العقبة​ الاردني على ​البحر الأحمر​.

انه نقطة إلتقاء للقارات الثلاث اوروبا آسيا وافريقيا.

وعن العروض المقدمة مع النظام الذي سيعتمد في التلزيم، رأى زخور ان الطريقة الأفضل هي نظام ال بي- او- تي الذي هو افضل هذه الانظمة، بحيث تقوم الجهة الفائزة بإعادة ​اعمار​ وتجهيز المرفأ من تمويلها الذاتي، مع ادارته وتشغيله لمدة محددة تعيد مع انتهائها المرفأ الى كنف الدولة بعد التشغيل. وقال انه النظام المعتمد في كل دول العالم التي تنوي تطوير مرافئها، وقد اثبتت نجاحها لأنها تتيح للدولة اقتسام ​الايرادات​ المرفئية مع الجهة المشغلّة، فيما تستمر باستيفاء ​الرسوم الجمركية​ والضريبية على القيمة المضافة. وعلى سبيل المثل لا الحصر، نذكر الجارة ​اليونان​ التي وقعت عقد شراكة مع شركة صينية لتطوير مرفئها بيرايوس حيث ارتفع عدد الحاويات التي يتعامل معها الى 4،5 ملايين حاوية سنوياً ليحتل المرتبة الخامسة في اوروبا في العام الماضي.

زخور على ان الاولوية تبقى في ولادة حكومة جديدة نزيهة تحظى بثقة ​المجتمع الدولي​ والعربي واللبناني، لأنها السلطة الوحيدة المخوّلة حصراً بالبّت بالعروض المقدمة، موضحاً ان اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار المرفأ تواصل الاشراف على ادارته بانتظار الحكومة الجديدة، التي عليها تعيين سلطة مرفئية من السلطات والاجهزة العاملة فيه كما هو حاصل في مرافىء العالم.

الجدير ذكره ان اهم العروض المقدمة لإعادة إعمار مرفأ بيروت هي:

العرض الألماني:

الاقتراح الألماني المقدم من شركتين هما "​هامبورغ​ بورت" للاستشارات الّتي هي على صلة مع مرفأ هامبورغ، وهو من أكبر المرافئ في العالم، وهناك شركة "Collier" وهي شركة كنديّة ومهمّتها ​التصميم​ الحضري. يتضمن العرض إعادة تطوير منطقة محيطة بالمرفأ تبلغ مساحتها نحو مليون متر مربع في مشروع شبيه لإعادة إعمار وسط بيروت بعد الحرب.

باختصار، تطمح الخطة إلى إبعاد غالبية أنشطة المرفأ عن وسط المدينة، وتحويل الأجزاء الأكثر تضرراً فيه إلى منطقة سكنية بأسعار شقق مقبولة ومساحات خضراء و​بنى تحتية​ جيدة.

كما يتضمن المشروع شواطئ وحديقة عامة.

وتأمين الاتصال بين المرفأ وباقي المناطق سيكون عن طريق ​سكك حديد​ تتّجه شمالًا أو جنوبًا. أنّها "دراسة شاملة وكلفة المشروع بين 5 و15 مليارًا حسب المشروع الّذي تختاره الدولة، وسيكون على طريقة الـ"DBOT"، وهي Design ،Built ،Operate وTransfer، أي أنّ الدولة لا تدفع شيئًا بحيث تستلم شركة ما المشروع، وتدفع الأموال وتأخذ استثمار المشروع على بضع سنوات.

ومن المفترض أن يؤمن حوالي 50 ألف وظيفة. ويشمل الاقتراح تأسيس شركة مدرجة في البورصة مماثلة للشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار وسط بيروت (سوليدير).

الوفد الألماني ضمّن عرضه نوعًا من الدراسة بحوكمة المشروع، أي إدارة جديدة للمرفأ.

العرض الفرنسي:بعد وقوع الانفجار في 4 آب 2020، اعلنت جمعية أرباب العمل الفرنسيين MEDEF"ميديف" أنّ ​الشركات الفرنسية​ مستعدّة للعمل إلى جانب الشعب اللبناني في مشروع إعادة بناء ​ميناء​ بيروت .

وفي نيسان الجاري، كشف جو دقاق المدير العام لمجموعة شركة «سي إم إيه سي جي إم» CMA CGM الفرنسية لشحن الحاويات في مرفأ بيروت رغبة المجموعة في تنفيذ خطة لإعادة بناء مرفأ بيروت في غضون ثلاث سنوات، رغم الأزمة السياسية التي تحول دون صدور قرارات بشأنه.

وقال دقاق: إن خطة المجموعة، التي عُرضت على السلطات اللبنانية للمرة الأولى في ايلول، تتضمن إعادة بناء ​الأحواض​ والمخازن المدمرة، مع توسعة المرفأ وتحويله إلى النظام الرقمي بتكلفة تتراوح بين 400 و600 مليون دولار.

وأضاف: العرض الذي تقدمنا به ما زال على الطاولة، ومشروعنا واقعي لأن الأمر عاجل.

واعتبر إن المبادرة الألمانية ترّكز أكثر على التطوير العقاري طويل المدى، لكن CMA CGM تريد الإسهام بجزء المرفأ في هذا المشروع، إذا طُلب منها ذلك.

وقال: إن ​الحكومة الفرنسية​ ليست جزءاً من مشروع «سي إم إيه سي جي إم» لإعادة البناء، رغم إن شركات فرنسية ومؤسسات مالية أبدت اهتماماً، وأن ​الدولة اللبنانية​ سيكون لها دورا من خلال شراكة القطاعين الخاص والعام.

ومن المعلوم ان مجموعة CMA CGM تملكها عائلة سعادة الفرنسية اللبنانية، وقد انضمت المجموعة إلى جهود ​الرئيس الفرنسي​ إيمانويل ماكرون للإغاثة في بيروت بعد الانفجار في المرفأ.

وهذه المجموعة هي مشغّل الشحن الرئيسي في مرفأ بيروت، وتمثل 60 في المئة من العمليات. وقال دقاق: إن المجموعة ما تزال مرشحة للمشاركة مع مجموعة MSC(إم إس سي) ومقرها ​سويسرا​ للحصول على امتياز إدارة رصيف الحاويات.

العرض الروسي:ابدت ​الشركات الروسية​ مؤخراً رغبتها في وضع تصاميم هندسية عصرية للمرفأ تشمل الدراسات المواضيع اللوجستية كافة، بما في ذلك وضع تصوّر لدوره في لبنان والمنطقة والتركيز على وضع أسس علمية سليمة للوضع الإداري والقانوني والفني بالاضافة الى اعادة بنائه.

تجدر الإشارة إلى أن الشركات الروسية موجودة في لبنان بقوة عبر شركة RUSSE NAFT التي فازت بمناقصة اعادة بناء خزانات النفظ في منشآت ​النفط​ في طرابلس من جهة، وشركة NOVATEX التي تشارك في الكونسورتيوم الذي يقوم بالتنقيب عن النفط والغاز في ​المياه​ الإقليمية اللبنانية والذي يضم أيضا شركة TOTAL الفرنسية و ENI الإيطالية من جهة اخرى.

العرض التركي:في 8 آب، اعلن فؤاد أقطاي، نائب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ​أنقرة​ مستعدة لإعادة إعمار مرفأ بيروت.

جاءت تصريحات أقطاي عقب وصوله إلى بيروت، وقال: إن ​تركيا​ أبلغت الجانب اللبناني بأن ميناء مرسين التركي سيكون في خدمتهم حتى ترميم مرفأ بيروت.

اما بالنسبةللعرض الصينيفانه حصر في اعلان النوايا من قبل احدى ​الشركات الصينية​.

أذاً حتى تاريخه لا يبدو إن قرار تلزيم هذا المشروع سيكون سهلاً بغياب حكومة اصيلة وادارة جديدة للمرفأ خصوصاً انه حتى تاريخه لم تحصل إدارة واستثمار مرفأ بيروت على موافقة ​مجلس الوزراء​ للبت بمناقصة تشغيل محطة الحاويات حيث يتم حاليا تجديد العقد لشركةBCTC مع تمديد لمدة 3 أشهر في كل مرة.

أن محطة الحاويات في مرفأ بيروت تؤمن أكثر من 70 % من حجم تبادل لبنان التجاري مع العالم.

اما الشركات الخمس التي سحبت دفتر الشروط للمشاركة في المناقصة التي كان من المفترض اجراءها في آذار من العام 2020 فهي:

- مجموعة CMA CGM الفرنسية

- مجموعة China Merchant Port, ​هونغ كونغ​.

- مجموعة Hutchison Port Holding, هونغ كونغ.

- مجموعة Gulftainer, ​الإمارات​.

- مجموعة BCTC اللبنانية المشغلة الحالية لمحطة الحاويات منذ العام 2005.

وثيقة ​البنك الدولي

اعدّ البنك الدولي بالتعاون مع ​الأمم المتحدة​ و​الاتحاد الأوروبي​ تقييماً سريعاً للأضرار والحاجات حيث قدّر الأضرار التي لحقت بمرفأ بيروت بنحو 350 مليون دولار. وجاء في الوثيقة : يُعدّ مرفأ بيروت البوابة الرئيسية للتجارة الخارجية للبنان، غير أنه فشل في تأدية دوره الرئيسي كعنصر محفّز للتنمية الاقتصادية في البلاد، نظراً الى عدم قدرته على ضمان عمليات آمنة وفعالة وبلورة التخطيط الاستراتيجي اللازم على المدى الطويل. وتعدّ هذه الإخفاقات نتيجة مباشرة لسوء الإدارة وغياب أنظمة الحوكمة الصالحة في المرفأ والتي تم اعتمادها في ظل فراغ قانوني، وهي تتبع نهجاً يعكس الواقع السياسي والاقتصادي المعقّد في البلد، وبالتالي فهي تتعارض مع العديد من الممارسات الفضلى المعترف بها عالمياً. وتعتبر الوثيقة أن إنشاء إطار مؤسسي متين لقطاع الموانئ يُشكل شرطاً أساسياً لإعادة بناء المرفأ. ومن شأن إطار كهذا أن يمهّد الطريق لإعادة بناء مرفأ حديث وشفّاف وفعّال، ويساهم في استعادة ثقة المجتمع اللبناني ومستخدمي المرفأ في قدرته على تعزيز ​النسيج​ الاقتصادي والمساهمة في التغلب على الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وتعتبر الوثيقة أيضًا أن عملية إعادة إعمار مرفأ بيروت يجب أن تتضمن أربع ركائز أساسية كالآتي:

1) نظام جديد للحوكمة قائم على نموذج المرفأ المالك ( (landlord port model.

2) إجراءات فعّالة وحديثة على مستوى ​الجمارك​ ووكالات إدارة الحدود والتجارة تساهم بشكل أساسي في معالجة قضايا الشفافية والقدرة على تقدير سير الإجراءات وحفظ الأمن.

3) مناقصات شفافة لاختيار المستثمرين والمشغلين وأصحاب ​الامتياز​.

4) بنية تحتية ذات جودة تعتمد على استراتيجية وطنية لقطاع الموانئ ومخطط رئيسي منقّح لمرفأ بيروت.

وتبقى مجموعة البنك الدولي على أتمّ الاستعداد للتعاون مع أصحاب المصلحة في قطاع الموانئ ومع حكومة ذات توجه إصلاحي للشروع في عملية إصلاح قطاع الموانئ في لبنان وإعادة بناء مرفأ حديث وفعّال، وذلك من خلال اعتماد أفضل الممارسات العالمية الواردة في هذه الوثيقة.