أصدر "​البنك الدولي​" تقريراً حول الآفاق الإقتصاديّة للبنان- نيسان 2021، والذي خفَّض فيه توقّعاته السابقة للنموّ الإقتصادي في لبنان للعام 2020 من إنكماش بنسبة 19.2% إلى إنكماش بنسبة 20.3%، نتيجة صعوبة الأوضاع الإقتصاديّة في ظلّ غياب توافق سياسي من جهة وتعدّد الصدمات من جهة أُخرى كالأزمة ال​مالي​ّة، وتفشّي فيروس "كورونا" وإنفجار ​مرفأ بيروت​.

ولفت تقرير "البنك الدولي"، إلى أنّ "لبنان يعاني عدم اليقين في ما خصّ الأوضاع الماليّة والنقديّة وتعدّدية سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل ​الدولار​ الأميركي كسعر الصرف في السوق الرسمي عند 1515 ليرة لبنانيّة للدولار الأميركي الواحد، وسعر الصرف المدعوم من "​مصرف لبنان​"، المطبّق على ​الواردات​ الضروريّة و​سعر صرف الدولار​ المتقلّب في ​السوق السوداء​".

بالتوازي، أشار التقرير إلى أنّ "​القطاع المصرفي​، والذي كان قد اعتمد تدابير "​كابيتال​ كونترول" جذريّة وغير رسميّة، أوقف عمليّات التسليف في ظلّ صعوبة في استقطاب رساميل جديدة من الخارج"، لافتاً إلى أنّ "إيفاء ودائع الزبائن المعَنونة ب​الدولار الأميركي​ قبل تشرين الأوّل 2019 ليس هو الحال كما بعد تشرين الأوّل 2019 نظراً الى تراجع مستويات ​السيولة​، ومسلّطاً الضوء على الفرق بين الودائع الطازجة (fresh dollars) والودائع القديمة بالدولار الأميركي".

وقد ذكر "البنك الدولي"، أنّ رصيد الودائع بالدولار قبل اندلاع ثورة تشرين الأوّل لا يزال يتراجع من خلال تحويلها إلى الليرة وفقاً للتعميم الأساسي رقم 151، كذلك أشار التقرير الى أنّ تأثير الأزمات على المجتمع سيسوء أكثر مع الوقت، ذاكراً أنّ أكثر من 50% من سكّان لبنان قد أصبح تحت خطّ ​الفقر​، حيث أنّ العائلات تواجه صعوبة لشراء الطعام والإستحصال على خدمات الصحّة والإستشفاء وغيرها من الخدمات الأساسيّة، إضافةً إلى ارتفاع مستويات البطالة.

وفي التفاصيل، قدّر برنامج الطعام العالمي أنّ حوالى 41% من العائلات اللبنانيّة تواجه تحدّيات في الحصول على الطعام والخدمات الأساسيّة، فيما 36% يعانون الصعوبة في الحصول على خدمات صحيّة. وقد شهدت ​المعاشات​ التي تُدفع بالليرة تراجعاً بارزاً في قيمتها الشرائيّة.

وبحسب "البنك الدولي"، إرتفعت مستويات البطالة من 28% مع نهاية شهر شباط 2020 أي قبل مرحلة تفشّي فيروس "كورونا" إلى 40% في شهر كانون الأوّل، وعرض "البنك الدولي" ال​انكماش​ الحادّ في النشاط الإقتصادي في العام 2020 حيث تراجعت رخص البناء بنسبة 33.4% سنويّا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 وإنكمشت تسليمات ​الإسمنت​ بنسبة 48.3% خلال الفترة نفسها.

وأضاف التقرير، أنّ "الصادرات هي المساهم الإيجابي الوحيد للناتج المحلّي الإجمالي نتيجة انخفاض مستويات الإستيراد بنسبة 45.4% سنويّاً خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام 2020. وقد علّق البنك الدولي على أنّ توقّف تدفّق الرساميل والعجز الكبير في ​الحساب الجاري​ قد أدّيا إلى تواصل استنزاف الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان، وقد انخفض الإحتياطي بالعملة الأجنبيّة بـ12.5 مليار دولار أميركي خلال العام 2020 ليبلغ 24.1 مليار دولار أميركي، وهو يشمل حوالى الـ5 مليارات دولار أميركي من سندات اليوروبوندز".

أمّا لجهة ​الموازنة​، فقد علّق "البنك الدولي" أنّ إيرادات الدولة انخفضت بنسبة 20.2% سنويّاً خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2020 نتيجة تراجع إيرادات الإتّصالات بنسبة 56.5% وانكماش إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 49.7% وتدنّي الإيرادات الجمركيّة بنسبة 34.5%، في حين تراجعت النفقات الحكوميّة بنسبة 18.4% خلال الفترة نفسها.

وبحسب "البنك الدولي"، فإنّ تراجع نفقات الدولة يُعزى بشكلٍ رئيسيّ إلى توقّف دفعات الفوائد المترتّبة على سندات اليوروبوندز نتيجة قرار الحكومة اللبنانيّة بالتوقّف عن دفع هذه السندات في شهر آذار 2020 إضافةً إلى الإتّفاق بين الحكومة ومصرف لبنان حول محفظته من ​سندات الخزينة​. كما يتوقّع البنك الدولي أن ينكمش الناتج المحلّي الإجمالي للإقتصاد اللبناني بنسبة 9.5% في العام 2021، مقارنةً مع انكماش بنسبة 13.2% في تقرير تشرين الأوّل 2020 معلّلاً هذا الإنكماش بعدّة عوامل، منها أزمة تفشّي الفيروس، وغياب أيّ توافق حول معالجة الأوضاع الماكروإقتصاديّة لغاية تاريخه، ومستوى الإستقرار الأدنى المطلوب على الأصعدة السياسيّة والأمنيّة، من دون الأخذ بالاعتبار التضخّم الجامح.

ويعتقد البنك أنّ ​الركود​ الإقتصادي في لبنان صعب وسيستمرّ لفترة طويلة نتيجة غياب قيادة فعّالة لصنع السياسات. كما علّق التقرير أنّ الناتج المحلّي الإجمالي للفرد قد تراجع بنسبة 40% خلال الفترة الممتدة ما بين العام 2018 والعام 2020، ومن المتوقّع أن ينخفض أكثر. وبالتالي، فمن المرجّح أنّ يخفّض البنك الدولي تصنيف لبنان من حيث الدخل من ​اقتصاد​ يتمتع بدخل متوسّط أعلى إلى الشريحة الدنيا من الدخل المتوسّط. من منظارٍ آخر، علّق البنك الدولي أنّ على لبنان تأمين الإستقرار الماكروإقتصادي قبل البدء في عمليّة التعافي من خلال إعادة هيكلة شاملة للدين العام وللقطاع المالي، وإلى سياسة نقديّة جديدة وبرنامج تكيّف مالي.

كما لفت التقرير، إلى أنّ انكماش الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد في لبنان بالإضافة إلى مستويات التضخّم المرتفعة المسجّلة خلال العام 2020 سيؤدّيان إلى ارتفاع كبير في مستويات الفقر، ما سيؤثّر في كافّة طبقات المجتمع اللبناني، وأخيراً، حثّ البنك الدولي لبنان على جعل حماية السكانّ الأكثر فقراً أولويّة.