يحل ​شهر رمضان​ هذا العام في ظروف إستثنائية، بعد أن إجتاح فيروس "كورونا" العالم، وغيّر العادات اليومية.

وكما في كل دول العالم، يحل رمضان على ​لبنان​ هذا العام مختلفاً، حيث تزداد المخاوف من إنعكاس آثار "كورونا" على شهر الصيام، توازياً مع الأزمة الإقتصادية الصعبة التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطن، وأجبرته على تغيير عادات الإفطار.

فحتى صحن الفتوش المتواضع، وهو صحن مقبلات شهيرة تُحضر للعشاء، تضاعفت تكلفته ثلاث مرات منذ العام الماضي، بعد إرتفاع أسعار أنواع الخضار بنسبة 210%، وفق دراسة قام بها "مرصد الأزمة" في الجامعة الأميركية في بيروت.

ووفق الدراسة، ستصل تكلفة الفتوش وحده لعائلة مؤلفة من خمسة أفراد ما يقارب 555 ألف ليرة خلال شهر كامل، أي ما يوازي 82% من قيمة ​الحد الأدنى للأجور​، الذي يبلغ 675 ألف ليرة، لافتةً مشيرة إلى أن هذا الإرتفاع الكبير سينعكس أيضاً على تضخم أسعار السلع الأخرى التي عادة ما يستخدمها الصائمون في موائدهم الرمضانية. مما يعني أن أكثرية العائلات في لبنان ستعاني من تأمين السلع والمكونات الأساسية لموائدها خلال رمضان هذا العام.

وسيدفع هذا الإرتفاع الكبير في الأسعار نحو التكيف السلبي مع هذا ​التضخم​، إما عبر تخفيض كميات الطعام أو الإعتماد على بدائل كالنشويات بدل الخضار و​اللحوم​، التي بات سعر الكيلو منها 70 ألف ليرة.

في هذا السياق كان لموقع "الاقتصاد" حديث مع بعض الأشخاص، الذين أجمعوا على جواب واحد، وهو صعوبة هذا الشهر مادياً عليهم، حتى أصبحوا يعتمدون على صنفِ واحد في الإفطار، بسبب إرتفاع الأسعار بظل غياب تام للرقابة، مقابل إنخفاض قدرتهم الشرائية.

وأكد هؤلاء الأشخاص، أن الوضع الإقتصادي فرض نفسه على مائدة الإفطار، إن كان في صحن الفتوش الذي إرتفع سعره عمّا كان عليه وصولاً إلى كيلو اللحم المفقود من الأسواق.

ويشير بعضهم، إلى أن أصناف ​الحلويات​ إرتفع سعرها أيضاً، ليصل الكيلو إلى 80 ألف ليرة، أي عادة تناول الحلويات بعد الإفطار لن تعد بشكل يومي، بل لربما أسبوعي.

أما فيما يخص "كورونا"، فقد أجمعوا أن "ما يميز رمضان، هو التجمعات العائلية، التي نفتقدها حالياً مع إنتشار الوباء.. وكذلك عدم القيام بالواجبات الدينية مع إغلاق المساجد".

في هذا السياق، أوضحت نائب رئيس جمعية ​المستهلك​ ندى نعمة، في حديث خاص مع "الاقتصاد"، أن "الجمعية قامت بجولة في أول وثاني أيام شهر رمضان، ولاحظت إرتفاع الأسعار في جميع المناطق، كالخضار التي لطالما يتحكم بها التجار في هذا الشهر، لكن هذه السنة إرتفاع الأسعار كان خيالياً".

ولفتت نعمة، إلى أن "أسعار الخضار تختلف وفقاً للمكان التي تتواجد به، في السوبرماركت مثلاً أغلى من الأسواق الشعبية".

وقالت: "ليس هناك مبرر لإرتفاع الأسعار لأن المنتجات وطنية، ولا يمكن التذرع بكلفة النقل لأن ​أسعار المحروقات​ لا تزال مقبولة نوعاً ما.. فالتجار يتحكمون بالسوق والدولة غائبة".

وأوضحت نائب رئيس ​جمعية المستهلك​، أن "النظام الإقتصادي الحالي لا يسمح بتحديد أو تثبيت الأسعار، إنما يمكن التدخل عبر إجتماعات قبل شهر رمضان، كباقي الدولي وكنوع من التهديد، لعدم رفع الأسعار في هذه الفترة".

وعن دور وزارة الإقتصاد، أكدت نعمة، أن "الوزارة تنشغل بالسلة الغذائية التي تذهب للتجار والمحتكرين أو لأشخاص نهربها أو تتاجر بها.. وإلى الآن تُستنزف خزينة الدولة".

وحول تأثير رفع الدعم، أشارت إلى أن "الأسعار لم يعد لها سقف محدد، وهي مرتبطة بتسعيرة الدولار في ​السوق السوداء​.. وهذا الدعم لم يستفيد منه المواطن إلا في حالاتٍ نادرة".

وشددت أنه "منذ بداية الأزمة وجمعية المستهلك تطالب بدعم المواطن بشكل مباشر، ولكن الآن لم يعد هناك أموال.. ولا يوجد جدّية بالتعاطي مع الأمور التي تلبي حاجات اللبنانيين".

وتابعت نعمة: "لو كان هناك جدّية في العمل، البطاقة التموينية ليست صعبة المنال، فالإحصاءات موجودة، ونحن بلد صغير.. لكن المسؤولين يريدون إيصالنا إلى الأسوأ".

وأوضحت أن "الناس في حالة سبات، ولا يطالبون بحقوقهم.. في باقي الدول، حين تحدث أزمة مماثلة كالتي تحصل في لبنان، يتخذ القيمون على الدولة إجراءات للتخفيف من معاناة الناس، بعكس ما يحصل في بلادنا".

في النهاية، يعاني لبنان من أزمة هي الأسوأ منذ العام 1975، وأثرت على اللبنانيين وعلى جميع القطاعات الانتاجية، بظل غياب تام من الدولة، ولا حلول في الأفق، لاسيما مع إقتراب موعد رفع الدعم، الذي سيحمل معه إنعكاسات إجتماعية وإقتصادية إضافية على المواطن.