فصول ​العقوبات​ الأميركية على السياسيين في لبنان وبعض الاشخاص الذين لهم علاقة بحزب الله تتابع حلقاتها حيث لا يمضي اسبوع بدون اما ادراج اسماء على هذه اللوائح او التهويل بالاعلان عن اخرى جديدة . الا ان المفاجأة الأخيرة اتت على ​صفحات​ صحيفةُ "وول ستريت جورنال " تحت عنوان " ​مصرف لبنان​ يؤجج مخاوف جدّية من ​الفساد​".

هذه الحملة ل"وول ستريت جورنال" الاميركية على ​حاكم مصرف لبنان​، سبقها هجوم شنّته صحيفةُ "لو موند" الفرنسية عليه ايضاً، نافية معلومةً نقلت عن سلامة عشية جلسة البرلمان حول التدقيق الجنائي، وتشير الى مُباشرة المصرف ​المركزي الفرنسي​ تدقيقاً جنائياً في حسابات مصرف لبنان. واكدت الصحيفةُ في تقرير لها أنّ "بنك فرنسا " لا ينوي القيام بأيّ تدقيق، وهو مُلتزم فقط بتقديم المساعدة التقنية بصفته طرفاً ثالثاً موثوقاً به.

وتلفت " لو موند"، بعد اطلاعها على تقرير شركتي «ديلويت» و«ارنست اند يونغ» لسنة 2018، الى زيادة مشبوهة في أصول مصرف لبنان بقيمة 6 مليارات دولار بسبب إجراءات حسابية مشكوك فيها ، وأنّ المُدققَين لم يكونا مُخوّلين الاطلاع على ​احتياطي الذهب​ الذي يملكه مصرف لبنان. كما ترى الصحيفة بالتدقيق الجنائي عنصراً أساسياً لإنقاذ لبنان ​اقتصاد​ياً، رغم انه قد لا يبصر النور.

توقيت الهجومين الفرنسي تارة والاميركي طورا ليس صدفة، فالفساد في لبنان عنصر راسخ في السلطة السياسية وفي الادارات العامة والى غيره من المرافق التي تسيّر شؤون البلاد وصولاً الى ​القطاع المصرفي​ ، الذي، برأي البعض يلبّي طموحات هذه السلطة طوعاً او قسراً.

الهدف هذه المرة مصرف لبنان والمرمى هي ​العقوبات الاميركية​ . ماذا لو صحّت ؟ ما هو مصير النظام المالي اللبناني والقطاع المصرفي برمته الذي اصبح معدوم الثقة ؟

مرقص

مستبعدا تنفيذ ​الولايات المتحدة​ الاميركية لمثل هذه العقوبات ، يلفت رئيس مؤسسة "جوستيسيا الحقوقية" المحامي الدكتور ​بول مرقص​ هنا الى وجود عدد من مشاريع القوانين في ​الكونغرس​ تتعلق ب​المصارف​ اللبنانية والتي لم يتمّ اقرارها. ويرى أن تنفيذ التهديد الاميركي الذي تم تسريبه والتلويح به عبر الصحيفة الاميركية، له انعكاسات سلبية على ​المجتمع الدولي​ ، وعلى مبادىء مكافحة ​تبييض الاموال​ وتمويل الارهاب، وذلك لناحية دفع لبنان الى التعامل حصراً بالعملات نقداً وخروجه من التعاملات المصرفية، بما سيصعّب على المجتمع الدولي ملاحقة آثار الجرائم المالية والتحاويل المشبوهة، معتبراً أن لا مصلحة لهذا المجتمع في أن يوصل لبنان الى هذا المستوى من التفلّت.

ويقول الدكتور مرقص "للاقتصاد " ان تنفيذ هذا التهديد نتيجته ​كارثة​ مالية وانهيارات متتالية، وسيكون مؤشراً الى نية بإنهاء القطاع المصرفي والمالي في لبنان. ويرى في هذا التدبير كارثة ، سيما وان الولايات المتحدة تسيّطر على مراكز القرار والمؤسسات المالية العالمية من خلال عملتها الوطنية المتمثلة ب​الدولار​. ويوضح انه من تداعيات قرار مشابه ، امتناع المصارف والمؤسسات الدولية المالية العالمية والمصارف المراسلة عن التعامل مع مصرف لبنان، التزاماً بالقرار وبعدم ​مخالفة​ العقوبات الاميركية. واذ اكد مرقص انه لن يكون هناك تعثرٌ في الاستيراد لفت الى هذا التعثرٌ في ​تحويل الاموال​ عبر المصارف المراسلة ليس الى الولايات المتحدة فحسب، بل الى باقي الدول الغربية والاوروبية.

في مطلق الأحوال ، التهديد بعقوبات مُحتملة هو على مصرف لبنان كمؤسسة وليس على حاكمِه.

الحاكم يستغرب

ربما توجيه السهام الى حاكم المركزي ​رياض سلامة​ وإحراجه حتى إخراجه احد الأهداف التي يخيط لها بعضهم ولكن ماذا عن النظام المالي اللبناني ؟

لاشك ان لبنان بحجة ماسة الى التمويل . و​صندوق النقد الدولي​ لن يمد يد المساعدة ويدرج لبنان في برنامج الانقاذ بدون حصوله على تعهّد رسمي لبناني بالرضوخ لشروطه والمضي بها فوراً وبدون اي تردد.

لبنان اليوم بحاجة الى إ عادة بناء اقتصاد قوي انتاجي يعيد الثقة الدولية به ويستقطب الاستثمارات الخارجية في زمن التطبيع مبعداً عنه شبح التهويل .

و"المركزي" ، مرة أخرى، يستقطب الانظاراليوم مع موعد اقتراب وقف الدعم عن ​المحروقات​ و​القمح​ و​المواد الغذائية​ والدواء وتخفيض الاحتياط الإلزامي، بالتزامن مع الجلسة التي يعقدها المجلس المركزي لمصرف لبنان ، لمناقشة آليات الدعم في المرحلة المقبلة.

سلامة يعتبر إن الحديث عن عقوبات أميركية على مصرف لبنان "غير دقيق".

وهو الذي يتمّتع بحنكة معيّتة للتعامل مع الاتهامات المتواصلة عليه ما زال يطمئن الى أن ودائع اللبنانيين موجودة، والدليل أنه ما من مصرف أعلن إفلاسه. وقال "هذه الودائع موجودة في المصارف وليست في البنك المركزي، و​المصارف اللبنانية​ لديها إدارتها للمخاطر، ونحن نضع السياسات فقط. علينا تأمين ​السيولة​ حينما تحتاج المصارف حمايةً لأموال المودعين، شهريا هناك ما لا يقل عن 600 مليون دولار يتم سحبها تلبية لحاجات اللبنانيين".

ويدافع سلامة عن نفسه قائلا "لست جزءا من الفساد، فأنا مستقل وغير متحزّب، والمصرف المركزي يموّل الدولة إذا افتقرت للتمويل وفقا للقانون، كما أن العجز بموازنة الدولة لا يخص مصرف لبنان، الذي لا توجد لديه حسابات إلا للبنوك".

وحول الأموال التي خرجت من لبنان قال سلامة إنها 1.1 مليار، "ليست هي سبب الأزمة".

وحتى آخر ايلول ، 2020 رد مصرف لبنان كل الدولار للبنوك، وكل دول العالم تضع حدا للسحوبات النقدية؛ بحسب رياض سلامة.

وفي موازاة ذلك التهويل ، يلحظ تقرير للبنك الدولي انه لا يزال تحويل الودائع ب​الدولار الأميركي​ إلى الليرة اللبنانيّة والاقتطاع من الودائع في الدولار الأميركي جارياً على الرغم من إلتزام مصرف لبنان والبنوك التجارية بحماية الودائع.

كما انه يتوّقع معاناة لبنان من ركود طويل.

يبدو ان الشعب اللبناني دخل المرحلة الأخطر في عالم جهنّم، وسط ​عاصفة​ التطبيق للعقوبات، وموجات من التهويل للمزيد منها ، ولكن الابرز، في زمن التطبيع الناشط في المنطقة .