بعد مرور أكثر من 100 يوم على انفجار ​مرفأ بيروت​، الذي أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، وإصابة أكثر من 6000 آخرين، ودمار أحياء ومبانٍ سكنية وتاريخية واستشفائية، ما زالت العدالة غائبة أو "معلّقة"، والتحقيقات بطيئة، والمماطلة سيدة الموقف.

في تلك الأزقة مدمرة، وجدت ​سارة أبو مراد​ الإلهام. فصنعت منحوتة، من حطام الزجاج، توثق لحظة الانفجار، وتخلّد ذكرى مأساة 4 آب.

سارة أبو مراد هي رسامة ونحاتة، تخرجت من الجامعة ال​لبنان​ية منذ أكثر من 10 سنوات. عرضت أعمالها في لبنان، وفي بعض ​الدول العربية​، مثل ​مصر​، قطر، و​الكويت​، والأجنبية مثل ​لندن​، ​فرنسا​، ​إيطاليا​، ​سويسرا​، ​لوكسمبورغ​، و​السنغال​. فلنتعرف الى بداياتها، ورؤيتها الفنية، بالإضافة الى المنحوتة التي استوحتها من انفجار مرفأ بيروت، وقدمتها الى ​الرئيس الفرنسي​ إيمانويل ماكرون، خلال الاحتفال بمئوية تأسيس دولة لبنان الكبير.

هي معلمة فنون تشكيلية منذ عام 2010، في مدرسة "Sainte-Anne des Sœurs de Besançon "، في بيروت. حازت على الجائزة الأولى في "Accademia di Belle Arti di Bologna-Italy" في عام 2017، وفي "أسبوع بيروت للتصميم" عام 2015. كما حصدت أيضا الجائزة الأولى من معهد "Goethe" الألماني في عامي 2013 و2011، عن ترجمة الموسيقى الكلاسيكية إلى الرسم.

عام 2016، أنشأت برنامجًا فنيًا مصممًا لتدريب الأطفال المكفوفين، ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع. وكان البرنامج برعاية مؤسسة "التمكين من خلال التكامل" (Empowerment Through Integration)، وتم اعتماده في لبنان منذ ذلك الحين. أما في عام 2018، فتم اختيارها من بين العديد من فناني الـ"غرافيتي"، والرسامين اللبنانيين والأجانب لمشروع الـ"غرافيتي" في منطقة عاليه.

فلنتعرف أكثر الى سارة أبو مراد، من خلال هذه المقابلة، التي خصّت بها موقع "الاقتصاد":

- من هي سارة أبو مراد؟ وكيف عملت على بناء هويتك الفنية؟

أنا متحدرة من عائلة فنية، حيث كان جدي نحات، ووالدي منجد، فكبرت في مشغله الخاص، حيث كنت أراقب طريقته في العمل، وفي استخدام الأقمشة و​الخشب​ و​القطن​ وغيرها من المواد. لذلك، عمدت الى طباعة هذه الذكرى في أعمالي المختلفة، وأدخلت القطن والورق والخشب والحديد، الى عدد كبير مجموعاتي الفنية، بسبب تعاطفي المباشر وغير المباشر مع كل هذه المواد، التي تمتلك قيمة معنوية مميزة بالنسبة لي، لكوني تربيت وكبرت في هذا الجو.

- أخبرينا أكثر عن المنحوتة المستوحاة من انفجار المرفأ؟

​​​​​​​

هذه المنحوتة بعنوان "Beirut L’Instant T"، من مجموعة "Sleeper in Motion" أو "Le Dormeur En Mouvement". وهي مصنوعة من حطام الزجاج، الذي جمعته من المناطق المتضررة من انفجار مرفأ بيروت.

ففي لحظة وقوع الانفجار، يوم 4 آب الماضي، كنت في مشغلي الخاص في منطقة جل الديب، وبالتالي، لم أتواجد في مكان قريب. ولكن في اليوم التالي، نزلت الى الشارع من أجل المساعدة في التنظيف ولملمة الحطام والركام، الى جانب جميع الأشخاص الذين قرروا تقديم المساعدة.

وخلال عملنا، استوقفتني فكرة أن كل الأشخاص كانوا يسيرون على ما يشبه سجادة من الزجاج، وصوت هذه المواد تحت الأقدام كان أكثر ما لفتني، كونه لم يكن مألوفا. ومن هنا، قررت جمعها واستخدامها في قطعة فنية. لكن الفكرة النهائية لم تكن واردة في ذهني حينها.

وجدت خلال التنظيف، كومات من الزجاج الشبيه بالكريستال، وبعضها كان نظيفا تماما، وخاليا من الغبار والأوساخ، فعمدت الى جمعها وإحضارها الى مشغلي.

لقد قمت بنحت هذه المنحوتة منذ نحو سنتين، والشخصية ترمز الى إنسان نائم بوضعية الركض (Sleeper in Motion). حيث فكرت أن هذا الانفجار دفعني للخروج الى الشرفة، ولكن بعد سماع الدوي القوي، ركضت فورا الى الداخل، كما فعل آلاف الأشخاص حينها؛ ما يعني أن الجميع اتخذ هذه الوضعية، في تلك اللحظة بالذات. لهذا السبب، اخترت هذه المنحوتة بالتحديد، لكي تجسد انفجار المرفأ.

جمعت قطع الزجاج، وصنعت منها الشخصية التي تركض، وقمت بتجميدها من خلال مادة الـ"resine". وخلال ثوان معدودة فقط، اتخذت هذه المنحوتة التي عملت عليها منذ سنتين، بعدا مختلفا للمرة الأولى.

صنعت 12 منحوتة من "Beirut L’Instant T"؛ 3 منها كـ"دليل فنان" (épreuve d'artiste)، و9 بيعت. واحدة من الثلاثة ستعرض في فرنسا خلال تشرين الثاني الجاري، ولن تكون معروضة للبيع.

وتجدر الاشارة الى أن عددا كبيرا من المعارض الفرنسية التي أتعامل معها، طلبت مني عرض هذه المنحوتة لديها، كونها لن تكون متاحة للبيع.

- كيف كانت ردة فعل الرئيس ماكرون لدى حصوله على هذه المنحوتة؟​​​​​​​

لقد قدمت هذه المنحوتة الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الى لبنان، بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس لبنان الكبير.

​​​​​​​

قابلت الرئيس ماكرون لوقت قصير، وأخبرته عن هذه المنحوتة بشكل عام، وعن الرسالة التي تحملها، وبدوره، قدر كثيرا فكرة تحويل نتيجة الانفجار الى قطعة فنية، كما أحب فكرة مفهوم العمل بحد ذاته. مع العلم أنه كان قد شاهد الفيديو الذي يشره المعلومات التفصيلية حولها.​​​​​​​

- ما هي مشاريعك الحالية؟

أنا أعرض أعمالي بين لبنان والخارج، وفي تشرين الأول الماضي، شاركت في معرض في ​قصر فرساي​، حيث عرضت ثلاث أشجار أرز، مصنوعة أيضا من الزجاج المتناثر من جراء انفجار المرفأ.

من جهة أخرى، لقد سافرت مؤخرا الى فرنسا من أجل استكمال مشروع كنت قد بدأته في لبنان، وسأبقى هناك لمدة ستة أشهر قبل العودة الى بيروت. فأنا بنشاط دائم، وأسافر كل فترة الى بلدان عدة.

لكن لبنان هو مصدر الإلهام بالنسبة لي، بسبب اللحظات الجميلة التي عشتها خلال طفولتي، وفي حياتي الشخصية. ولا أستطيع التخلي عن هذا الإلهام، وانتزاعه من حياتي بين يوم وليلة، بسبب انفجار أو انهيار أو أي مشكلة أخرى. ولهذا السبب، أتمسك دائما بالرابط القائم بيني وبين بيروت.

- ما هي الرسالة التي تودين إيصالها الى اللبنانيين؟

رسالتي الى البنانيين بشكل عام، هي الرسالة ذاتها التي تحملها منحوتة "Beirut L’Instant T". فصحيح أن الدمار والحطام والمشاكل والأزمات تسيطر على بلادنا، لكن شخصية المنحوتة تظهر في وضعية، وكأنها تركض وتكمل السير.

​​​​​​​

يجب أن لا نقف عند لحظة واحدة مرت علينا في حياتنا، رغم صعوبتها، بل على العكس، علينا المحافظة دائما على الروح الإيجابية، ومواصلة الطريق نحو الأمام، والنظر الى الأمور الجميلة.

- نصيحة الى المرأة.

تنظر المرأة الى الأمور بطريقة مختلفة عن الرجل، وبإحساس أكبر وبتفاصيل أكثر دقة. ومن هنا، أنصح كل امرأة، أن تعبر فنيا عن كل ما يدور في فكرها، ويمر في قلبها؛ أكان عبر الرسم، النحت، الكتابة، الغناء، أو أي طريقة أخرى للتعبير...

من المهم أن يعبر الإنسان عن ذاته، وعن مشاعره، ولا يترك الأمور عالقة في داخله، لكي ينجح في تخطي المراحل والتجارب الصعبة التي يمرّ بها.