دشن قرار المركز الطبي في ​الجامعة الاميركية​ في بيروت AUBMC باعتماد سعر ​الدولار​ بـ 3950 ليرة ابتداء من اول ​تشرين الاول​ المنصرم مرحلة جديدة من المعاناة للبنانيين الساعين الى الاستشفاء والعلاج ، وقد تبعت المستشفيات الاخرى هذا المركز، ان لم نقل ان بعضها كان قد سبقه ولو مواربة.

مستشفى الجامعة الاميركية بنفسه كان قبل القرار قد تملص جزئيا من السعر الرسمي للدولار (1500 ليرة ) من خلال رفض استقبال مرضى الضمان، وسائر الجهات الضامنة)، بحجة عدم وجود اسرة شاغرة ، واذا كان يسجل لهذا المستشفى انه صمد طويلا في تحمل خسائر ارتفاع ​سعر الدولار​، فان خطوته باعتماد سعر منصة الصيرفة دون تنسيق مع احد ، خلق ايقاعا انحداريا جهنميا على واقع الاستشفاء في لبنان.

منذ تشرين الاول 2019 بدأ تدهور وضع ​الليرة اللبنانية​ وارتفع سعر الدولار ، فبدأت مستشفيات كثيرة بالتسعير على اسسس جديدة، وكانت في الغالب ترفض استقبال المرضى الا اذا دفعوا فروقات مضخمة لتسعيرة الضمان ووزارة الصحة ، قد ذكر وزير الصحة الاسبق الدكتور محمد جواد خليفة ان لديه فواتير تثبت ان مرضى وزارة الصحة كانوا يدفعون فرق الدولار من جيوبهم بسعر 8000 ليرة للدولار الواحد.

ثمة ​شهادات​ كثيرة لمرضى اضطروا للدخول الى المستشفى ان يسددوا نقدا وسلفا كلفة الاستشفاء ، وفي الوقت نفسه تقديم موافقة الضمان على هذا الاستشفاء، لكي يحصل المستشفى لاحقا على الكلفة مرة ثانية، ولكن بنسبة 90%.

قرار الجامعة الاميركية اوجد حلا وسطا بين سعرين، رسمي (1500 ليرة) وسوق سوداء (7000 ليرة حاليا) ، وقد كرس واقعا يصعب التراجع عنه. ولعله استبق القرار المرتقب من ​مصرف لبنان​ برفع الدعم نهائيا عن القطاع الصحي من باب الغاء الدعم الحالي على الدواء والمستلزمات الطبية. ولكن هل سيتوقف الامر عند هذا الحد ؟

كل المؤشرات تصب في تأكيد انه في حال رفع الدعم فان المستشفيات ستفعل ما يفعله كل التجار في لبنان، اي التسعير على اساس دولار السوق السوداء. وهنا ستقع ال​كارثة​ الصحية.

في الجهة المقابلة تشرح المستشفيات الخاصة وجهة نظرها ويقول نقيبها سليمان هارون انه ناشد مرارا وتكرار وزير الصحة العامة ​حمد حسن​ والجهات الضامنة الرسميّة "إعادة النظر في التعرفات الموضوعة في ضوء استفحال أزمة الدولار، لضمان استمرارية المستشفيات من دون تحميل المريض أيّ عبء".

ولفت هارون إلى "ارتفاع كلفة الاستشفاء التي تتحمّلها إدارات المستشفيات وحدها، جراء ارتفاع ​سعر صرف الدولار​ الأميركي"، موضحاً أن الجهات الضامنة الرسميّة تضع فواتيرها بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف الدولار بـ1500 ليرة، في حين ارتفع اليوم إلى 4 آلاف ليرة"، ملاحظاً من جهة أخرى، عدم التقيّد كاملاً بتعميم مصرف لبنان حول تغطية 85% من كلفة الاستيراد وفق سعر صرف الـ1515 ليرة على أن تبقى نسبة 15 في المئة وفق سعر صرف السوق والذي يصل إلى 4 آلاف ليرة، حتى يصبح الفارق وفق سعر المستلزم الطبي المستورد في حدود 25% إضافية". وتابع: كذلك هناك مستلزمات لا يقبل موردوها بتجزئة الفاتورة إلى قسمين: بالليرة والدولار، بل يصرّون أن تكون الفاتورة بالدولار ووفق سعر صرف السوق، ما يعني أن الأسعار تضاعفت 4 مرات على أقل تقدير. كل ذلك والتعرفات الاستشفائية لا تزال على حالها من دون أي زيادة.

أضاف: كما أن وكلاء بعض مستلزمات العمليات الجراحيّة وعلى سبيل المثال عملية "القلب المفتوح"، لا يقبلون بالسعر المحدّد من وزارة الصحة، إنما يريدون ما بين 20 و25% زيادة على الفاتورة. الأمر الذي يوقع إدارات المستشفيات في ورطة، إذ لا ترغب في تحميل المريض فارق الكلفة من جهة، ومن جهة أخرى لا نستطيع شراء المستورد من جيبها الخاص.

وذكّر هارون بأن "النقابة تواصلت مع رئيس الحكومة وتم الاتفاق على تأليف لجنة من ​نقابة المستشفيات​ والمستوردين والجهات الضامنة، لحل تلك المشكلة، لكن حتى اليوم لم يتم تشكيل تلك اللجنة".

وألقى الضوء على بعض الأرقام التي اعتبرها "مجحفة" في حق المستشفيات جراء فارق سعر صرف الدولار، لفت في هذا الإطار إلى أن "أجرة الغرفة في مستشفى جامعي أصبحت بقيمة 20 دولاراً فقط وفق سعر صرف الدولار الرسمي، وهي تشمل ​المنامة​ والأكل وبعض فحوصات المختبر و​الأدوية​... كذلك في ما خصّ الولادة الطبيعية أصبحت كلفتها 70 دولاراً فقط... كما أن عملية الزائدة الدوديّة تبلغ اليوم 225 دولاراً، وعملية تمييل شرايين القلب 165 دولاراً... في ضوء تلك الأرقام لا يمكن للمستشفيات الاستمرار".

هل انتهت مشكلة السعرين في المستشفى؟

بالتأكيد لا . فهارون يقول ان ان قرار اعتماد الدولار 3950 ليرة اتخذه احد المستشفيات الجامعية في بيروت ( ويقصد الجامعة الاميركية ) وهو لا يطبّق على التعرفات الرسمية مع الجهات الضامنة . اما مستشفى الجامعة فاكد يومها في بيان أن هذا التعديل يطال الأشخاص الذين يتحملون الرسوم الطبية على صعيد شخصي، والأسعار الجديدة لا تؤثر على أي شخص يستفيد من جهات ضامنة كالجهات الحكومية أو طرف ثالث بما في ذلك ​الضمان الاجتماعي​ الوطني وزارة الصحة العامة والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. ولكن المشكلة ان المستشفيات توقفت منذ زمن طويل عن استقبال المضمونين، ولو جزئيا، بحجة عدم وجود اسرة، وهذا الامر مستمر حتى اليوم، اي حتى بعد تغيير المستشفيات لاسعارها.

ومن ناحية ثانية بدأت بعض المستشفيات بتقسيم الفاتورة الى قسمين ، الاول 90% بالليرة اللبنانية يرسل الى الجهة الضامنة ، والثاني 10 بالمئة ، اي فرق الضمان مثلا، فانه يحسب على اساس دولار 3900 ليرة . ولنقل ان مريضا دخل المستشفى وبلغت فاتورته 10 الاف دولار، فيكون القسم الاول من الفاتورة 9 الاف دولار للجهة الضامنة على اساس دولار 1500، اما القسم الثاني ، اي الف دولار فيدفعها المريض ثلاثة ملايين و900 الف ليرة.

ما يجري في قطاع الاستشفاء كارثة حقيقية ، وستتفقام اكثر اذا توقفت المستشفيات عن قبول مرضى الضمان نهائيا ، قبل ان يغير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ( والجهات الضامنة الاخرى) تسعيرته، وهذا ما يرفضه الضمان حتى الآن ، متسلحا بحاجة المستشفيات له.

في الانتظار سيظل المواطن يدفع الثمن من صحته وجيبه.