نصادف العديد من قصص النجاح في طريق الحياة، منها ما يمر مرور الكرام، ومنها ما يبقى عالقا في الذاكرة، لما لصاحبها من تأثير كبير من الناحية الاحترافية، حيث يترك بصمة نستلهم منها الدروس والعبر.

نسلط الضوء اليوم على شخصية ​لبنان​ية مؤثرة في عالم التكنولوجيا و​الروبوت​ات، تقديرا منا لجهوده، ولكي نجعل شبابنا يضطلع ويتطلّع الى هذه التجارب، عسى أن يستلهم منها الأمل في تحقيق النجاح، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها.

إنه عباس صيداوي الذي تخرج الأول في دفعته، من "جامعة رفيق الحريري"، عام 2014، حيث تخصص في هندسة الميكاترونكس (mechatronics engineering)؛ والميكاترونكس هو مجال متعدد التخصصات، يجمع بين أنواع عدة من الهندسة: الكهربائية، الميكانيكية، و​الكمبيوتر​. كما حصل على الماجستير، في عام 2016. وهو يتابع الآن الدراسة، لنيل شهادة الدكتوراه في كيفية التفاعل والتواصل بين الإنسان والروبوت في المساحات المشتركة، من "الجامعة الأمريكية في بيروت"، "AUB".

اختارته مجلة " MIT Tech Review"، بين أفضل 20 مبتكرًا تحت سن الـ35 عاما، في منطقة ​الشرق الأوسط​ وشمال ​إفريقيا​، كما ظهر اسمه مؤخرا في قائمة "​فوربس​"، "30Under 30" لعام 2020.

فلنتعرف الى رائد الأعمال اللبناني عباس صيدواي، في هذه المقابلة التي خصّ بها موقع "الاقتصاد":

- ما هي المراحل التي مررت بها قبل تأسيس "Revotonix"؟

بعد التخرج، وقبل حصولي على الماجستير، عملت في شركة ألمانية متخصصة في حلول الميكاترونكس، في فرعها الموجود في منطقة سن الفيل.

بعد ذلك، تم قبولي في برنامج للدكتوراه في ​ألمانيا​، وقد خططنا، شريكي الحالي وسيم الحريري وأنا، للذهاب معا، ولكن بعد وفاة والدي، اضطررت للبقاء في لبنان، فقررت متابعة دراساتي العليا في "الجامعة الأميركية في بيروت". وسأنال شهادة الدكتوراه خلال هذه السنة.

وفي تلك الفترة، شاركت في برنامج "Space Robotics" في ​اليابان​، حيث احتليت المرتبة الأولى، وبرنامج "Humanoids" (أي الروبوتات التي تشبه الإنسان) في ​إيطاليا​، حيث فزت بالمركز الثاني. كما نشرت عملين بحثيين في المؤتمر الرائد للروبوتات "IEEE International Conference on Robotics and Automation"، (ICRA) في ​كندا​ عام 2019، وفي ​باريس​ عام 2020.

وبالإضافة إلى ذلك، قمت بنشر ورقتين بحثيتين في المؤتمر الثاني: "IEEE / RSJ International Conference on Intelligent Robots and Systems"، (IROS) الذي أقيم في ​إسبانيا​ عام 2018، وفي ​الصين​ عام 2019.

- كيف قررت مع شريكك وسيم الحريري تأسيس "Revotonix"؟

كنا زملاء، وسيم وأنا، منذ السنة الجامعية الأولى عام 2011، وقد تشاركنا في الرؤية ذاتها حول الانخراط في مجال الروبوتات.

بعد التخرج، لم نجد أي فرصة عمل في لبنان والشرق الأوسط، متعلقة بهذا المجال، ومن هنا، قررنا السفر الى ألمانيا. ولكن بسبب ظروفي العائلية، اخترت البقاء، في حين أن وسيم قرر السفر.

أكملت نشاطي في مجال الأبحاث حول موضوع الروبوتات، في الوقت الذي بدأ فيه وسيم بالعمل في شركة متخصصة في الروبوتات في ألمانيا. وعام 2018، وجدت أن أبحاثي باتت متقدمة للغاية، حيث سافرت الى ألمانيا، إيطاليا وإسبانيا، للمشاركة في برامج متنوعة، كما حصلت على جوائز عدة. وبالتالي، تعمقت أكثر في الهوة الموجودة بين الأبحاث والصناعة في المنطقة العربية بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص.

فبعد أن اكتسبت المهارات التقنية اللازمة، وحصل وسيم على الخبرات العملية المطلوبة، من خلال عمله في قطاع الهندسة في شركة الروبوتات، قبل أن يترقى الى منصب مدير دولي، شعرنا أن الوقت قد حان لإطلاق مشروعنا الخاص في الشرق الأوسط؛ ولكن كنا على دراية تامة، بأن المشكلة الأساسية في منطقتنا، تكمن في غياب الوعي الكافي حول هذا الموضوع، وبالتالي، أردنا تقديم فكرة يتقبلها الناس ولا يخافون منها، وفي الوقت ذاته، الانطلاق من هذه الفكرة، على الصعيد المهني.

وجدنا أن المجال الأكثر فعالية ونشاط في المنطقة هو الإعلان والتسويق، ولهذا السبب، حاولنا تقديم منتج قريب من النموذج التسويقي لموقع "​فيسبوك​"؛ أي يتيح وضع ​الإعلانات​، واختيار الجمهور المستهدف، والحصول على الإحصائيات،... وكانت انطلاقة "Revotonix" من خلال أول روبوت قدمناه: "Felix".

- أخبرنا أكثر عن الروبوت "Felix" وميزاته.

"Felix" هو عبارة عن روبوت يسير تلقائيا في أي منطقة داخلية (مطار، مجمع تجاري، مستشفى، فندق،...). يضم شاشة من الأمام وأخرى من الوراء، كما أنه مجهز بكاميرات، يتواصل من خلالها مع الناس.

يضع المعلن إعلانه على نظام "Felix"، ويختار الجمهور المستهدف، ومن ثم يحدد هذا الروبوت، خلال سيره، المكان الذي يضم أكبر عدد من الأشخاص، فيقترب منهم؛ لكنه يبقى على مسافة تفاعلية معينة، لكي لا يخيفهم أو يقتحم خصوصيتهم.

يعرض الروبوت الإعلانات المبنية على التنميط (profiling) الذي يقوم به؛ أي أنه يحدد الأشخاص من خلال جنسهم، ملابسهم، تعابير وجوههم،... ويختار استنادا الى ذلك، الإعلان الذي يعرضه. ويقدم بعد ذلك للمعلن إحصاء مفصلا حول عدد الأشخاص الذين شاهدوا الإعلان، ومدى تفاعلهم معه، والجزء الذي ينال الاهتمام الأكبر من الجمهور، وغيرها من الأمور التي قد تساعده على تحسين إعلاناته في المستقبل.

ولكن للأسف، لم يلاقِ "Felix" أي اهتمام أو دعم في لبنان، وبالتالي توجهنا الى ​دبي​، حيث نجحنا بالانضمام الى مسرع الأعمال "The Dubai Smart City Accelerator"، ضمن 10 شركات، تم اختيارها بين 850 شركة من مختلف دول العالم. وقد شارك الروبوت في حدث أقيم في "Dubai Silicon Oasis" في "Jumeirah Beach Residence"، "JBR".

ومؤخرا، أضفنا اليه تقنية دعم العملاء، الى جانب الإعلانات، خاصة في زمن "كورونا"، حيث يستطيع مساعدة الأشخاص في المطارات وإعطاءهم المعلومات المطلوبة، من أجل الابتعاد قدر الإمكان عن التفاعل البشري.

ونحن نعمل حاليا على مشروع تجريبي للروبوت "Felix" في ​مطار برلين​، لتوفير هذه الخدمة داخل المطار.

- ما هي المشاريع الأخرى التي عملتم على تنفيذها في "Revotonix"؟

مع بداية انتشار فيروس "كورونا"، طرحنا الروبوت "SASHA" (Smart Autonomous System for Hospital Assistance)، الذي يقدم وجبات الطعام داخل المستشفيات. وهو قادر على التنقل بمفرده بين المطبخ وغرف المرضى، لتوزيع الوجبات في الأوقات المحددة، من أجل الحد من التفاعل بين البشر.

كما أطلقنا الروبوت "ZenZoe"، بالتعاون مع شركة "ASTI" الإسبانية المصنعة له. وكان دورنا يتمحور حول طرح هذا المنتج في الشرق الأوسط. و"ZenZoe" هو روبوت مطهر، يعقم المساحات عبر أحدث التقنيات، حيث يستخدم الأشعة فوق البنفسجية "Ultraviolet C". ويعد الى حد اليوم، الروبوت الأسرع في تعقيم الغرف، وقد بدأنا مؤخرا بتسويقه في السوق الأوروبي.

من جهة أخرى، وقعنا على اتفاقتين مع شركة في إسبانيا وأخرى في ألمانيا؛ وهذه الأخيرة هي الشريك المصنع لـ"Revotonix". فنحن نصمم المنتج من الألف الى الياء، لكي يتم تصنيعه في ما بعد في ألمانيا، بهدف الحصول على أفضل جودة ممكنة.

- كيف تمكنتم من الوصول الى تحقيق هذا التقدم والنجاح في ظل المنافسة الضخمة الموجودة اليوم على صعيد العالم، وخاصة من قبل الصين و​الولايات المتحدة​؟

أولا، التوقيت؛ اذ يجب التعرف الى الوقت المناسب للدخول الى السوق. فلو قررنا الانخراط في هذا المجال فور تخرجنا من الجامعة، لما تمكنا من تحقيق أي تقدم ملحوظ. وبالتالي، فضلنا اكتساب الخبرات اللازمة وتكوين العلاقات المناسبة، ومن ثم الإقدام على هذه الخطوة.

ثانيا، العلاقات والاتصالات التي عملنا على تكوينها، والتي لعبت دورا أساسيا في تقدمنا.

ثالثا، الوعي؛ فقبل سنتين، كان الناس يهابون كلمة "روبوت"، ويتخيلون فيها الشر الأكبر. ولكنهم باتوا يتفهمون اليوم طبيعة الروبوتات وأهميتها في المجتمع. وتجدر الاشارة الى أن مجال الروبوتات، قد تطور في زمن "كورونا"، وخاصة في منطقتنا التي كانت بعيدة كل البعد عن هذه المجالات.

رابعا، الأحكام المسبقة؛ فبعض الأشخاص يعتقدون أن مجال الروبوتات صعب ومعقد، وبالتالي، من المستحيل المنافسة فيه. وهنا يكمن التفكير الخاطئ! فهذا المجال بدأ مؤخرا بالانتشار بشكل موسع، أي أن الشركات المعروفة العاملة فيه، معدودة، ولم نصل بعد الى مرحلة الإنتاج الضخم. ما يعني أي نافذة الفرص ما زالت موجودة، وبشكل واسع، للشركات الناشئة، لكي تنطلق وتنافس.

وأحد الأسباب التي دفعتنا للتوجه الى ألمانيا من أجل تصنيع منتجاتنا، هو الأفكار المسبقة حول ضعف التصنيع اللبناني والعربي. ولهذا السبب، فإن إحدى استراتيجياتنا للتوسع، اقتصرت على أن تكون روبوتاننا ذات صناعة ألمانية، ما يكسبها نوعا من المصداقية.

- هل تعتقد أن لبنان بات جاهزا اليوم لاحتضان هذا النوع من التكنولوجيا؟

من ناحية الخبرات والأدمغة والمعرفة والعلم، لبنان موجود حتما على الخارطة، وهو جاهز تماما للمنافسة. حيث نجد العديد من اللبنانيين العاملين في هذا المجال في مختلف أقطاب العالم، والذين تخرجوا أيضا من الجامعات اللبنانية.

القدرات موجودة والشغف حاضر، لكن الدعم مفقود. ولا نتكلم هنا عن الدعم المادي، بل أقصد بذلك التسهيلات من قبل الدولة، من أجل السماح بإدخال البضائع برسوم أقل. فالقوانين تشكل العامل الأهم لدعم القطاع. ولكن للأسف، لا نلاقي التشجيع اللازم، أكان عبر التشريعات أو من خلال نشر الوعي في المجتمع.

على سبيل المثال، هناك جهاز استشعار لقياس المسافات، لا يمكن للروبوت العمل بدونه، وهو بحاجة الى حوالي شهر ونصف لكي يدخل الأراضي اللبنانية، من أجل إصدار الشهادات المناسبة للقيام بذلك، بسبب افتقادنا الى الاتفاقيات بين ​الدولة اللبنانية​ وباقي الدول، لإدخال هذا النوع من الأجهزة الى لبنان.

- ماذا يعني لك ورود اسمك في مجلة "فوربس" العالمية؟

هذا فخر كبير لنا، ودليل على أن هناك من يقدر تعبنا وجهودنا. فقد ظهرنا هذا العام في مجلة "فوربس"، وفي مجلة "MIT Technology Review"، خلال العام الماضي؛ أي في المرجعيتين الأهم في مجال التكنولوجيا والابتكار في الأعمال. والطموح هو ما أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم!

- من قدم لك الدعم في مسيرتك شجعك على مواصلة الطريق؟

أولا، ألاقي دائما الدعم المناسب من العائلة والأهل، الذي يتحملون عملي لساعات طويلة في اليوم.

ثانيا، خالي هو أكثر الأشخاص الداعمين لي ولرؤيتي، والمؤمنين بي وبقدراتي، حيث كان شريكا مؤسسا لـ"Revotonix"، والممول الأول لمشروعنا؛ وهو رجل أعمال في قطر، يمتلك أربع شركات.

- هل تنجح في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة والاجتماعية؟

على كل شخص أن يضحي من الناحية الاجتماعية، خلال فترة معينة من حياته، لكي يتمكن من الوصول الى هدفه؛ وهذه هي ضريبة النجاح في مكان معين!

أحاول التنسيق قدر الإمكان بين جوانب حياتي كافة، وأخصص دائما أيام الآحاد لنفسي ولعائلتي وأصدقائي. أما في باقي الأيام، فإن ضغط العمل يتحكم بجدول أعمالي. اذ أؤمن بأن المسافات التي سوف أقطعها في هذه المرحلة المفصلية، هي التي ستحدد مدى نجاحي وارتياحي في المستقبل؛ نضحي اليوم لكي نحصد غدا...

- هل ستبقى متمكسا ببلدك الأم لبنان رغم كل الصعوبات الموجودة فيه، وحتى لو حققت نجاحات كبيرة على الصعيد العالم؟

في عصرنا الحالي، لم تعد الحدود موجودة بين البلدان. فأنا قادر من لبنان، على الوصول الى أبعد أقاصي الأرض.

كما أننا كلما احتجنا الى الاستعانة بمصادر خارجية في الشركة، أو الى موظف جديد، نعطي الأولوية للبنانيين، بهدف دعم اقتصاد البلاد وشبابه، وإعطائهم الأمل والحافز للاستمرار.

- ما هو الشعار الذي تتبعه في مسيرتك المهنية؟ وبماذا تنصح جيل الشباب اللبناني؟

أنصح الجميع بالعمل على توسيع نطاق أحلامهم، والنظر الى الأفق البعيد، والسير بهذا الدرب.

العقبات موجودة لا محال، في أي مسيرة مهنية، ولكن في نهاية المطاف، سنصل الى أهدافنا كافة، بالإصرار والعمل الجاد.

فقد خسرت والدي ولم أتمكن من نيل شهادة الدكتوراه في الخارج، ورغم ذلك لم أستسلم أو أتراجع، بل على العكس، ثابرت واجتهدت وتسلّحت بالإرادة الصلبة والإصرار، ولهذا السبب، تمكنت من المنافسة...

أرى في كل مشكلة فرصة للسير الى الأمام، والاقتراب أكثر فأكثر من أهدافي المرجوة. فعلى كل شخص مضطر للبقاء في هذا البلد، في ظل كل المشاكل الموجودة، أن يتوسع في أفكاره، من أجل إيجاد طريقة تتيح له المنافسة من لبنان الى الخارج؛ وهنا يكمن الدافع الأكبر. يجب أن لا نفقد الأمل أبدا، لأننا سنصل حتما الى أهدافنا بالعزيمة والجدية.

فكلما واجه الانسان المزيد من المشاكل، ونجح في حلّها، كلما بات أقوى، وتحلى بالمزيد من التحفيز.