منذ أن عرقل انتشار فيروس "كورونا" ​النمو العالمي​ في وقت مبكر هذا العام، أجرت الاقتصادات المتقدمة الرئيسية بعضاً من أكبر التغييرات التي شهدتها السياسات الاقتصادية على الإطلاق في مثل هذا الوقت القصير. وكما قال لينين "هناك عقود لا يحدث فيها شيء. وهناك أسابيع تحدث فيها عقود". لقد شهدنا للتو عدداً من تلك الأسابيع.

الملاحظ أكثر من ذلك، هو الإجماع بين خبراء الاقتصاد الكلي على أن التحفيز المالي والنقدي الضخم يعني الاستجابة المناسبة لحالات الطوارئ الاقتصادية "في زمن الحرب". تقريباً لا أحد يعترض بجدية على أن السياسة الاقتصادية ينبغي أن تفعل "كل ما يلزم" للتغلب على صدمة الفيروس.

هذا الاتفاق دلالة على استنتاج رئيسي من نظرية المالية العامة: أن ارتفاع الدين الحكومي هو واقي الصدمات الصحيح للقطاع الخاص في مواجهة أزمات اقتصادية مؤقتة لا يمكن التنبؤ بها. فهو يجنّب التشوهات التي تتبع الاختلافات الكبيرة في ​معدلات الضرائب​ الهامشية التي كانت تستلزم بخلاف ذلك، تمويل زيادة كبيرة في الإنفاق العام على مدى فترة قصيرة.

جوقة الموافقين من العاملين في مهنة الاقتصاد الكلي ساعدت صنّاع السياسات المالية والنقدية على تقديم حزم تحفيز ضخمة على الفور تقريبا، على عكس الاستجابة الأبطأ بكثير لحالات ​الركود​ السابقة، بما في ذلك ​الأزمة المالية​ 2008.

كانت الأسواق متقلبة للغاية، لكنها بشكل عام أيّدت هذه القرارات إلى حد كبير.

على الرغم من ارتفاع ​الدين العام​، من المتوقع أن تظل عائدات السندات ​الحكومية الأميركية​ طويلة الأجل أقل من 1 % حتى 2022 على الأقل. كذلك انتعشت الأسهم من أدنى مستوياتها وقد تعود إلى تلك المستويات فقط إذا تم سحب دعم السياسة للانتعاش في موعد سابق لأوانه.

لكن بمجرد أن يترسّخ الانتعاش، من المرجح أن يؤدي تراكم الدين العام إلى تقسيم الاقتصاديين على أسس مألوفة.

يعتقد معظم "الكينزيين" الجدد، بمن فيهم بول كروغمان ولورنس سمرز، أن مستويات ​الديون​ المرتفعة لن تكون بحد ذاتها مشكلة للاقتصادات المتقدمة. حتى إنهم يشيرون إلى أن مزيدا من الزيادات في الديون أمر مرغوب فيه، على اعتبار أن ذلك سيساعد على عكس الاتجاه نحو الجمود طويل الأمد في ​أوروبا​ و​الولايات المتحدة​.

أحد الأسباب الرئيسة لتفاؤلهم أن التكلفة السنوية لخدمة الدين ستكون بوضوح أقل من معدل النمو الإسمي في الاقتصاد، ويبدو أن ​البنوك المركزية​ مستعدة لإبقائها هناك. إذا ظل ​سعر الفائدة​ أقل من معدل النمو، فستستقر نسبة الدّين إلى الناتج المحلي الإجمالي في نهاية المطاف، بشرط أن يظل رصيد ​الميزانية​ غير القائم على الفائدة - أو "الأساسي" - مستقرا.

بافتراض نجاح استراتيجية الدين العام المرتفعة، من المحتمل أن ترتفع عائدات السندات الحقيقية تدريجياً نحو مستويات أقرب إلى الوضع الطبيعي. إضافة إلى ذلك، ستستجيب الأسهم بإيجابية لآفاق النمو المحسنة، في الوقت الذي يعود فيه ​التضخم​ إلى أهداف البنوك المركزية البالغة 2 %. يمكن إدارة الديون دون أزمة. قد يكون هذا هو المسار الأكثر ترجيحاً للاقتصادات المتقدمة في الأعوام المقبلة - لكنه ليس مضمونا.

في المقابل، هناك من يحذر من أن معظم الاقتصادات المتقدمة، ولا سيما الولايات المتحدة، يمكن أن تشهد في وقت قريب وصول نسب الدين العام في ​الموازنة العامّة​ إلى مستويات أعلى من أي شيء شوهد من قبل، حتى بعد أزمة 2008. الالتزامات خارج الميزانية العامة، في ​الضمان الاجتماعي​ والصحة، تزيد من ​الإنفاق الحكومي​ المحتمل أكثر من قبل.

تقرُّ هذه المجموعة بأن أسعار الفائدة سبق أن ظلت أدنى من ​معدلات النمو​ لفترات طويلة، ما ساعد في السيطرة على الدين العام. لكنهم يجادلون بأن السياسيين يبدأون الآن في الاستجابة لتكاليف خدمة الديون المنخفضة عن طريق زيادة العجز الأساسي من خلال التخفيضات الضريبية والالتزامات بالإنفاق طويل الأجل.

علاوة على ذلك، تكاليف خدمة الديون المتدنية لم تمنع الأزمات المالية السابقة من الاندلاع دون سابق إنذار كبير عندما اعتبرت ​الأسواق المالية​ فجأة أن الدين العام والعجز عاليان فوق الحد.

في الاقتصادات المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة، يمكن أن يحدث هذا بسبب ارتفاع حاد في التضخم، ما يضطر البنوك المركزية إلى إعادة بيع سنداتها الحكومية إلى السوق في وقت تدعو فيه الحاجة إلى أسعار فائدة أعلى للسيطرة على التضخم.

يمكن أن يتسبب هذا النوع من الخطوات في حدوث ركود في السندات الحكومية وأسواق الصرف الأجنبي سيكون كارثياً على النظام المالي وأسعار الأصول، إن ذلك سيكون "​كارثة​ هائلة" - وهذا ليس من قبيل المبالغة.

الانفجار الأخير في الدين العام ليس مشكلة الآن. لكن في يوم من الأيام، ربما بشكلٍ غير متوقع نهائيا، يمكن أن تصبح الديون أزمة خطيرة. فيما ستكون هناك حاجة إلى استراتيجية خروج متماسكة للتخفيف من هذه المخاطر.