لم يمض على خبر استقبال السفير السعودي في لبنان وليد بخاري لحاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ برفقة النائب السابق له ​محمد بعاصيري​، أسبوعاً حتى تبددت الآمال بإمكانية قيام المملكة بوضع وديعة مصرفية في مصرف لبنان، بعدما استيقظت موجات التفاؤل بحدوث ذلك في الساعات الأولى التي تلت الزيارة.

من الطبيعي أن تكون ​السعودية​ من أشد الدول حرصاً على عافية ​الاقتصاد اللبناني​ وعلى قيمة الليرة التي تشهد أسوأ مراحل تاريخها، ولكن في المقابل، يبدو أن مسألة ضخ الأموال في السوق اللبناني أصبحت مقيّدة بشروط سياسية إصلاحية، إذ لا يمكن لأي جهة التفكير بهذا الخطوة دون التخوّف من أن تذهب الأموال عكس الاتجاه الصحيح المراد منها في إنعاش الاقتصاد اللبناني.

صحيح أن المملكة تبدي ثقتها بحاكم المركزي الذي ترى فيه الدعامة الحقيقية لاستمرار ​الدولة اللبنانية​ التي أصبحت منهوبة، ولكن مسألة ضخ الأموال في لبنان في هذه المرحلة معقّدة ، طالما أن السلطات السياسية تتردد في تصحيح المسارات الهالكة للدولة ولمؤسساتها وإداراتها.

وفي هذا السياق، يستبعد النائب ​نقولا نحاس​ حصول لبنان على أي وديعة من الخارج، ويؤكّد أن الحل الوحيد في لبنان لأي باب انفراج حقيقي يكمن في الشروع فوراً بإجراء الإصلاحات المطلوبة، وبدون ذلك عبثاً البحث عن مصادر أخرى.

ويقول "للاقتصاد": علينا أن نعود إلى الدولة التي أسّسها الرئيس الراحل فؤاد شهاب، دولة المؤسسات التي تساعد على تحقيق ​النمو الاقتصادي​. فمحتوى الإصلاح موجود وهناك تفاصيل ولكن المهم البدء فورا به".

ويعتبر أنه "لا يمكن الولوج إلى باب الإصلاح من خلال الطبقة الحاكمة، علماً أن خيارات لبنان للحصول على الأموال اللازمة محدودة". ويقول: "إذا سمعنا بعضاً من السياسيين يتحدثون عن الإصلاح يتوارد الى ذهننا المثل القائل: "اسمع تفرح جرّب تحزن". فهناك غباء وغشم".

صحيح أن موضوع وصول أي وديعة عربية إلى لبنان غير جدي في المرحلة الراهنة، ولكن في حال كان هناك من نيّة حقيقية في هذا الاتجاه فكيف سيكون المشهد في السوق النقدية؟

الوديعة وضخ ​السيولة

تؤكد ​مصادر مصرفية​ أن السوق اللبنانية ومصرف لبنان بحاجة إلى عملة اجنبية وضخّ السيولة، وذلك لأنّ أولاً: مصرف لبنان لا يستطيع الاستمرار في ضخ العملة واستنزاف ما يملكه من احتياطي بالعملة الأجنبية إلا لأسباب أساسية.

ثانياً: اليوم لا تدخل أية سيولة بعملات أجنبية الى لبنان. وفي حال وضعت السعودية وديعة في المركزي، فإن هذا يشكل خطوة إيجابية للسوق اللبناني، ويساعد بالتالي على استعادة الثّقة، ولكن هذا لن تكون بأهمية تطبيق الإصلاحات المالية والبنيوية في الإدارة العامة.

الجدير ذكره، أنه خلال حرب تموز عام 2006، وضعت كل من السعودية و​الكويت​ وديعةً قيمتها 1.5 مليار دولار في البنك المركزي لدعم العملة المحلية في لبنان.

وفي 2008، قدّمت السعودية وديعةً إضافية قيمتها مليار دولار.

في مطلق الأحوال، تمثل الودائع غير المقيمة في لبنان 20 % من إجمالي الودائع، أي ما يقارب 30 مليار دولار، منها ما يتراوح بين 3 إلى 4 مليار دولار لمستثمرين سعوديين.

ووفق المعلومات، ارتفعت الودائع السعودية بين عامي 2007 و 2010 إثر الازمات التي حصلت، وأهمها الأزمة المالية العالمية في العام 2008 وغيرها، حيث بات ​القطاع المصرفي​ معها ملجأ آمنا للتوظيفات وللأموال.

وبرز اهتمام المستثمرين السعوديين في دخول السوق اللبناني خصوصاً في القطاعين العقاري والسياحي، حيث شهد هذا القطاع بين عامي 2007 و 2010، ​استثمارات​ ضخمة تجاوزت سنوياً 10 مليارات دولار مع تضاعف أسعار العقارات من أراضٍ و​شقق​. وكان الاستثمار الثاني للسعوديين في القطاع التجاري ثم القطاع الصناعي.

وبلغت ​الاستثمارات​ السعودية في لبنان نحو 6 مليار دولار بين عامي 2004 و2015. أما الاستثمارات الأخرى الأجنبية فقد تراجعت بين عامي 2010 و2015 من 4.9 مليار دولار في عام 2010 إلى 2.7 مليار دولار. وقد طال التراجع بشكل أساسي ​القطاع العقاري​ الذي بدأ الدخول في مرحلة ​الركود​.

لا شك أن الاقتصاد اللبناني مرتبط بشكل وثيق باقتصاد الدول الخليجية. وعلى مراحل مختلفة، لمس لبنان انعكاسات العلاقات اللبنانية الخليجية على الأوضاع الداخلية فيه.

وقد سجّل في السنوات السابقة، تحويل زهاء 500 ألف لبناني سنوياً ما يقارب 4.5 مليار دولار إلى الداخل من أصل نحو 7 مليارات دولار كمجموع عام، أي ما يمثّل نحو 60 % من تحويلات الاغتراب.

أما اليوم، فإنه حتى مصير هذه ​التحويلات​ التي شهدت تراجعا ملموسا في الآونة الأخيرة أصبح مرتبطاً بتعقيدات صرف عملة الدولار من جهة، وبإمكانية المغتربين العاملين في الخارج على الاستمرار في إرسال هذه الأموال أو حتى المحافظة على حجمها.

وهنا، لابدّ من الإشارة إلى أن الآمال معقودة اليوم على عملية ضخ المغتربين للأموال في لبنان خلال فترة الصيف هذه، بما يسمح برفد السوق بالعملة الصعبة، سيما وأن أي تدفق نقدي آخر يعتمد سواء على أي وديعة خارجية أو مساعدة دولية أو حتى لفتة من "​صندوق النقد​"، سيبقى مستبعداً لعدة أسباب، أهمّها تنفيذ الإصلاحات الفعلية المنشودة.