ينتظر العالم ومعه ​لبنان​ تداعيات "قانون قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ منذ مطلع حزيران الجاري، وهو يهدف الى ملاحقة الأفراد والمجموعات التي تتعامل مع ​النظام السوري​. بمعنى آخر، يسعى هذا القانون الذي أقرَّه مجلسُ الشيوخ في منتصف كانون الأول عام 2019، إلى توسيع نظام ​العقوبات​ السابق، عبر استهداف المؤسسات الحكومية السورية والأفراد من مدنيين ومسؤولين، الذين يمولون النظام السوري، سواء أكان هذا التمويل متعلقاً بأنشطتهم العسكرية أو جهود إعادة الإعمار أو انتهاكات حقوق الإنسان، كما يفتح الباب أمام فرض عقوبات على أصحاب الشركات الأجنبية التي تجمعها صلات بالرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه.

وقد سُمِّي القانون باسمِ "قيصر" نسبةً لشخصٍ مجهولٍ قال أنّه سرّب معلومات و​صور​اً لضحايا "تعذيب" في ​سوريا​ بين عامي 2011 و 2014. لقد أثارت صور قيصر حين نشرها جدلًا كبيراً، وقد طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالتحقيق في تقرير قيصر، ثمَّ أصدرت تقريرًا إضافيًا بعنوان "إذا كان الموتى يستطيعون الكلام"، وفيه عُرضت أدلة فوتوغرافية من تقرير قيصر، كما عُرضت تلكَ الأدلة في متحف ذكرى "الهولوكوست" ب​الولايات المتحدة​ وفي ​الأمم المتحدة​.

في هذا السياق يقول وزير الداخلية السابق المحامي ​زياد بارود​ لـ "الاقتصاد" ان " فرض عقوبات على سوريا من قبل الولايات المتحدة الأميركية ليس بالأمرالجديد، فالعقوبات بدأت منذ العام 1979 وبالتالي ليس مستغرباً ان تُفرض عقوبات جديدة على سوريا في هذه المرحلة، ولكن لا بدّ من ان نشير الى ان هذه العقوبات او ما سميّ بـ "قانون قيصر"هو ليس قانوناً دولياً، انما هو تشريعٌ اميركي، ذات قدرة عالية على التطبيق، نظراً للضغوطات السياسية والمالية التي يمكن ان تمارسها الولايات المتحدة في هذا الاطار".

يضيف: " اللافت بهذا القانون هو توسيع دائرة العقوبات السابقة، اذ انه يستهدف المؤسسات الرسمية السورية، اضافة الى الافراد سواء كانوا مسؤولين في الدولة أوممولين لأنشطة عسكرية، أو لاعادة الاعمار، أوللغاز الطبيعي والبترول، أو حتى لانتهاكات حقوق الإنسان، كما يفرض هذا القانون عقوبات على الشركات والأفراد الذين يستثمرون في ​قطاع الطاقة​، الطيران، قطع التبديل للطيران. وتؤدي هذه العقوبات في حال فُرضت الى تجميد الأصول ومنع دخول الأفراد الى الولايات المتحدة".

"قد يطال هذا القانون ايضاً بحسب بارود الشركات التي تُفكر بالاستثمار في ​اعادة اعمار سوريا​، فالأمر لا يقتصر على ​الشركات الروسية​، الايرانية، أو الصينية، انما قد تكون هناك شركات أوروبية مهتمة في عميلة اعادة الاعمار، خصوصاً لجهة البنى التحتية، ​الكهرباء​، الاتصالات".

وعن امكانية وجود استثناءات لهذا القانون يقول بارود "اذا نظرنا الى التجربة العراقية على سبيل المثال - مع اختلاف العقوبات - ، نلاحظ وجود استثناءات بالنسبة للمواد الغذائية وغيرها من المواد، اما بالنسبة للتجربة السورية فابعتقادي سيكون هنالك استثناءات أيضاً، انما هذا الأمر يعود للرئيس الأميركي الذي يستطيع بقرار تنفيذي ان يفرض استثناءات معينة".

ويضيف: " اذا، دخل "قانون قيصر" الذي يلحظ عملياً 4 مراحل لتطبيقه حيز التنفيذ في حزيران، ويبدو ان المرحلة الأولى منه ستبدأ في 17 الجاري، هذا الأمر سيؤدي طبعاً الى قراءة جديدة في المنطقة، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والتجاري، انما ايضاً على مستوى الضغط الحاصل باتجاه التفاوض او باتجاه ما يُحكى عن تسويات في المنطقة، والتي ربما قد بدأت بصورة غير رسمية".

ولكن ماذا عن لبنان؟

يشبّه بارود هذا القانون بحقل الغام وبالتالي على اي فرد او ​شركة لبنانية​ تفكر في المغامرة بهذا الحقل عليها ان تتوقع انفجار اللغم، لأن التعابير المستعملة في هذا القانون واسعة جداً، ويمكن ان تشمل افراد ومجموعات، خصوصاً وان عدداً من ​الشركات اللبنانية​، كانت تعتبر ان لبنان يُشكل منصة اساسية لاعادة اعمار سوريا نظراً لتداخله الجغرافي - بمعزل عن اي موقف سياسي- كما يُشكل ايضاً بما فيه من كفاءات وحسن ادارة لهذا النوع من الأمور ان على المستوى الهندسي، او على مستوى البنى التحتية، او ​تكنولوجيا المعلومات​، فرصة حقيقية للمساهمة في انطلاق الشركات اللبنانية العاملة في هذا المجال من أجل الاستثمار في اعادة بناء سوريا، ولكن "قانون قيصر" جاء ليفرمل هذه الانطلاقة".

يختم بارود حديثه بالقول: " بالنسبة للبنان الرسمي لا اعتقد ان هناك خشية من هذا الموضوع، باعتبار ان سياسة النأي بالنفس التي بدأت مع حكومة الرئيس ​نجيب ميقاتي​، استمرت بحدود كبيرة، الا ان هذا لا ينفي وجود علاقات جوار وعلاقات تاريخية بين لبنان وسوريا خصوصاً بين الشعبين، وبالتالي استبعد ان يكون هنالك توقف كلي للعلاقات، وربما ليس هذا هو المطلوب اساساً، لذلك على لبنان ان يُحسن الخطوات التي يمكن ان يتخذها بحقل الألغام الذي فرضه "قانون قيصر". فاذا أحسن خطواته باعتقادي ان هذا الموضوع سيمر دون خسائر كبيرة، ولكن التنبه مطلوب، والأهم من ذلك، ان نعي خطورة الذهاب الى تخطي القانون وكأنه غير موجود - سواء اعجبنا ام لم يعجبنا- لانه في الحالتين هذا القانون أصبح أمراً واقعاً، واعتقد ان "قانون قيصر" سيكون ظرفي وعابر، ولكن الأهم ان يعبره لبنان بأقل خسائر ممكنة لأن تداعياته قد تكون خطيرة، خصوصاً واننا جزء من منطقة مشتعلة، لذلك يجب علينان تجنب اي مغامرة في هذا المجال".

اذاً، ايام قليلة وتفصلنا عن بدء المرحلة الأولى من تنفيذ "قانون قيصر" فهل من تداعيات اقتصادية على لبنان وعلى قطاعه المصرفي؟ وهل ستؤثر هذه العقوبات على مصير المفاوضات التي يُجريها لبنان مع ​صندوق النقد​؟

تؤكد ​مصادر مصرفية​ لـ"الاقتصاد" انه من المبكر بعد الحديث عن تداعيات اقتصادية ومالية ومصرفية على لبنان قبل معرفة نوعية هذه العقوبات التي ستُفرض وعلى اي جهة، فالأخبار التي نسمعها اليوم ليست الا تكهنات وتحليلات، وبالتالي علينا انتظار تطبيق هذه العقوبات ليُبنى على الشيء مقتضاه".

اما فيما يتعلق بالمفاوضات التي يُجريها لبنان مع صندوق النقد فتشير المصارد الى انه " ليس هناك اي تأثير لهذا القانون على هذه المفاوضات، فصندوق النقد لا يتدخل عادةً في الشؤون السياسية والأمنية، وقد سمعنا مؤخراً كلاماً عن ان الصندوق يريد اقفال الحدود لمنع التهريب وغيرها، كل هذه الامور غير صحيحة، فاذا نظرنا الى المفاوضات التي قام بها صندوق النقد مع العديد من البلدان نلاحظ ان خطه واضح، اذ انه يعمل ضمن ​آلية​ ومنهجية معينة، وبالتالي اذ كان هناك هواجس لدى اي فريق سياسي لبناني تجاه عمل الصندوق، فعلى الحكومة تبديد هذه الهواجس".

بحسب المصادر"لا نستطيع بالوقت الحالي التكهن بالتأثيرات الاقتصادية والمالية التي قد تنتج في المستقبل عن تداعيات هذا القانون لجهة لبنان، قبل معرفة من الذي ستطالهم هذه العقوبات، ولكن من المؤكد ان الشركات التي تتعاطى مع سوريا ستكون حذرة خصوصاً في الفترة الأولى، لذلك يجب علينا انتظار بدء تطبيق هذا القانون لنعلم المعايير التي ستتخذها ​الادارة الأميركية​ في هذا القانون".