بعدما عجزت السلطات عن وضع حد لسوق ​الدولار​ السوداء، أقدم "​مصرف لبنان​" المركزي، على إنشاء وحدة تابعة له مهمتها شراء ال​دولارات​ لكن بسعر السوق، واتخذ قراراً آخر حرّر بموجبه الودائع حتى 3 آلاف دولار لصرفها بسعر السوق أيضاً، وذلك بعدما سجل الدولار الأسبوع الماضي سعراً قياسياً جديداً بلغ 2920 ليرة.

ومع مطلع الأسبوع سجّل لبنان سابقة في أسواق النّقد، عبر 4 أسعار صرف متداولة في السوق، وبموجب تعميم مصرف لبنان الأخير، حددت ​المصارف​ سعر السوق اليوم عند 2600 ليرة للدولار لهذا الأسبوع، بانتظار أن يستكمل مصرف لبنان إنشاء نظام التداول الإلكتروني المخصّص لتحديد أسعار التداول اليومية للعملات للدولار.

وفي خضم هذا التخبّط، يرى الخبير الإقتصادي الدكتور وليد أبو سليمان، أن تعميم مصرف لبنان الأخير صدر بسبب الضّغط السّياسي، وقال إن القرارات النّقدية والمالية لا تتّخذ بطريقة علميّة.

وفي مقابلة خاصة مع "الاقتصاد"، رأي أبو سليمان، أن ما يحصل اليوم هو محاولة تفريق عنصريّة بين المودعين، وذلك عبر تصنيف مصرف لبنان صغار المودعين بالشّخص الذي يملك أقل من 3 آلاف دولار أو 5 ملايين ليرة، وقال إن السؤال اليوم: هو أن من يمتلك 4 آلاف دولار يُعدُّ من كبار المودعين؟

وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن تعميم ​حاكم مصرف لبنان​ الأخير، يعمل على شل حركة أكثر من 60 % من المودعين عبر ​جائزة​ ترضية، وذلك حتى يتفرغ بعدها سلامه لحسابات الـ 40 % المتبقية. فيما لفت إلى أن مصير النسبة المتبقية ممن تبلغ قيمة ودائعهم أكثر من 3 آلاف دولار، فهو مجهول لغاية السّاعة.

وأضاف: ما ما نعرفه والواقع والعلم والأرقام، هو أن هناك 50 مليار دولار قد تبخّرت وهي لم تعد موجودة في مصرف لبنان، ولا يوجد أي بيان رسمي حول ال​آلية​ التي صُرفت فيها هذه الأموال، فيما من حقّ الشّعب اللبناني، أن يعلم كيف صُرفت هذه الأموال.

واعتبر أبو سليمان، أن قول حاكم مصرف لبنان أنه سيعطي المودعين الصغار أموالهم بحسب سعر صرف السّوق، يوضع في إطار التحايل على آلية الـ "Capital Control" لتحرير هذه الأموال.

وشدد على أن هناك ترحيل لهذه الفئة من ​القطاع المصرفي​، فيما التعميم سيؤدي لشطب حسابات أكثر من 60 % من المودعين بمجمل 1.7 مليون حساب، ورأى أنه سيؤدي ذلك إلى أن هذه الفئة، ستخسر إمكانية طلب قرض بنكي أو إجراء تحويل بنكي أو أي عملية مصرفية، بسبب شطب حسابها.

وعن خطوة إعطاء المودعين تحت 3 آلاف دولار أموالهم بالليرة بحسب سعر السّوق، يؤكد أبو سليمان أنه إقرار من حاكم مصرف لبنان الذي أصدر التّعميم، بأنه ضمنياّ وعلناً، السّعر الرّسمي غير موجود أصلاً، فيما سعر السّوق السّوداء لدى الصرافين هو السّعر الرّسمي الفعلي.

وأضاف: "الكلام الشعبوي والقرارات غير المدروسة أدت إلى ضرب مصداقية القطاع المصرفي، وسببت عدم ثقة بهذا القطاع والعملة الوطنية، وهناك تخبّط تام، وتعاميم تصدر يومياً لا نعلم إن كان تطبّق أم لا".

وذكّر أبو سليمان، بالتّعميم الذي صدر منذ 3 أسابيع عن موضوع القروض الميسّرة لـ 3 أشهر على فترة 5 سنين، وقال، إن "هذا التعميم لا تطبّقه المصارف وهذا يؤكد أن المودع اللبناني أضحى ضحية هذه المنظومة، ومصيره معلّق بمزاجية قرارات المصارف، ولا بد من السؤال أين الهيئات الرقابية، وآليات تنظيم هذا القطاع".

وبعكس ما حُكي مؤخراً، عن أن تعميم مصرف لبنان الأخير سيساهم في تأمين دولارات جديدة للمصرف المركزي، إستبعد أبو سليمان كلياً هذا التوقّع، وقال، إن 4 عوامل تؤمن الدّولارات:

الإستثمارات الخارجية المباشرة، و​السياحة​، والتصدير، وتحاويل المغتربين، فيما التعميم الأخير لا يندرج تحت أي عامل من هذه العوامل الأربعة.

وحول الخشية من حُصول مزيد من الانهيار في سعر العملة الوطنيّة، وتراجع الثقة أكثر فأكثر بالليرة، أكد أبو سليمان أنه طالما هناك شحّ في الدّولار، ومع تواصل ​استيراد​ كل شيء من الخارج، فإن الطلب على الدّولار سيتواصل، وإذا لم يُصار إلى تأمين الدّولار، سيستمر سعر صرف الدّولار بالارتفاع مقابل الليرة، ولا إمكانية لغير هذا السيناريو إذا ما تواصلت نفس السياسة.

تعميم إنشاء وحدة خاصة تتولّى التداول بالعملات الأجنبيّة النقديّة

نفس الأحكام التي أطلقها أبو سليمان على التعميم الأول يشير إليها في التعميم الثاني الصادر عن مصرف لبنان بخصوص إنشاء وحدة خاصة في مديريّة العمليّات النقديّة في المصرف المركزي، تتولّى التداول بالعملات الأجنبيّة النقديّة.

وفي حديث حول آلية عمل هذه الوحدة، قال أبو سليمان إن هناك "Price Maker"وهو صانع السّعر أي الصرافين وهم من يملكون الدولارات، وهناك "Price Taker" الذي يأخذ السعر، والمتمثّل اليوم بالمصارف.

وقال إن عملية منصة التداول بالعملات الأجنبيّة النقديّة بين الصرافين ومصرف لبنان تهدف لإيجاد سعر جديد للدّولار.

وأشار إلى أن مصرف لبنان لا يتدخل في سوق القطع، لأن الإحتياطي الذي يملكه، يؤمّن من خلاله فقط استيراد السّلع، وبالتّألي فإن الـ "Price Maker" أي الصرافين هو من يتحكم بسعر الصّرف، فيما المصارف تلعب دور الوسيط.

وأشار أبو سليمان إلى ما أعلنه مجلس إدارة "جمعيّة مصارف لبنان"، بأن المصارف ستقوم بتحديد سعر الصرف اليومي للدولار الأميركي بالتنسيق مع المصرف المركزي، وذلك لغاية تجهيز منصّة التداول، وقال إن اللافت هنا أن تعميم مصرف لبنان يسري لـ 3 أشهر، والسؤال هو: كم تحتاج منصّة التّدوال تقنيّاً لتكون جاهزة؟