الزلزال الذي يضرب سوق ​النفط​ العالمي منذ الاربعاء الماضي متواصل ومرشح للاستمرار في الاشهر المقبلة ، بحيث تبقى ال​اسعار​ بحدود الـ 30 دولارا للبرميل ،كما توقع داميان كورفالين، وهو كبير محللي ​الطاقة​ في بنك ​غولدمان ساكس​، في مقابلة له مع تلفزيون سي إن بي سي.

اسباب الزلزال باتت معروفة اذ ان المملكة العربية ​السعودية​ اعلنت فجأة أنها ترغب في زيادة إنتاجها النفطي في أسرع وقت ممكن بمقدار مليون برميل يوميا، فانخفض ​سعر النفط​ فورا إلى ما يزيد قليلاً عن 30 دولاراً، بعد أن سجل بالفعل أكبر انخفاض له منذ بداية حرب الخليج. وتذبذب السعر عند هذه الحدود مع بدء المملكة استعداداتها لتنفيذ قرار زيادة الانتاج .

الازمة

سبق ذلك جولة مفاوضات داخل وخارج منظمة ​أوبك​ النفطية، وخصوصا بين السعودية وهي الطرف الاقوى، وبين ​روسيا​، التي تعد بدورها واحدة من أكبر ثلاث دولٍ منتجة في العالم، وذلك من أجل دعم سوق النفط العالمية في مواجهة أزمة تفشي فيروس كورونا. فقد ادى انتشار الفيروس الى انخفاض الاستهلاك العالمي بحيث يجب تخفيض الانتاج كي لا تتدهور الاسعار نتيجة النقص الحاد في الطلب .

طلبت السعودية خفض انتاج أوبك بان تتشارك هي وروسيا بشكل جماعي لتخفيض إنتاجهما وتقليل المعروض العالمي من النفط والتعاون في مواجهة انخفاض الأسعار،كاستمرار لاستراتيجية متفق عليها بين أوبك بقيادة السعودية وروسيا منذ ثلاث سنوات ، والقائمة على ​موازنة​ العرض والطلب للحفاظ على ثبات الاسعار .

رفضت روسيا الاقتراح لانه يؤثر سلبا على وارداتها المالية ، لانها كما السعودية ، تعتمد بنسبة 80% من اقتصادها على ​تصدير النفط​ . فما كان من السعودية الا الاعلان عن زيادة كبيرة في انتاجها ما يعني شن حرب اسعار على المستوى العالمي.

اعتبر الروس ان الزيادة في معدلات ​إنتاج النفط​ إلى 13 مليون برميل يوميا. ، خدعة من جانب السعوديين. فهم، من خلال ذلك، يحاولون دفع روسيا إلى التوقيع على اتفاقية جديدة، وفقا لما قاله خبير الصندوق القومي الروسي لأمن الطاقة، إيغور يوشكوف.

وقال: استراتيجية السعوديين هي تخفيض ​أسعار النفط​ عن طريق التدخل اللفظي. و من طبيعة ذلك، على سبيل المثال، الحديث عن الاستعداد لتخفيض إلى 8 دولارات للبرميل. وبالتالي، فهم يحاولون دفع روسيا لتوقيع اتفاقية جديدة حول إنتاج النفط. والحقيقة هي أن موازنة روسيا كانت من دون عجز عندما كان السعر أعلى من 45 دولارا للبرميل. والآن، انخفض السعر، ويحاول ​السعوديون​ تخفيضه أكثر لإجبار روسيا على الموافقة على حصص وفقا لشروطهم.

هذا ما يؤكده ​صندوق النقد الدولي​،اذ يقدر ان ​الحكومة الروسية​ تحتاج إلى أن يصل سعر النفط إلى 45 دولارًا لتغطية تكاليف ميزانيتها.

ولكن ماذا لو ذهبت السعودية الى ابعد من التهديد اللفظي ، وزادت معدلات انتاجها النفطي؟

سيستمر سعر النفط بالتراجع ويسبب خسائر لجميع الاطراف المنتجة ولكن الدولتين المتنافستين ، السعودية وروسيا ، لديهما احتياطيات رأس المال، لذلك يمكنهما الحفاظ على السعر المنخفض لبعض الوقت، والسؤال هنا مَن منهما يمتلك القوة للصمود اكثر، فالإجابة واضحة : السعودية لانها ستعوض ما تخسره في انخفاض السعر بتصدير بكميات هائلة اكثر ، شرط ان يثبت طلب السوق على المستوى الحالي ، ولا ينخفض بشكل دراماتيكي اذا استمر تفشي كورونا بتعطيل اقتصاديات العالم .

و في الوقت نفسه، فانه ، وللمفارقة ، تراهن ​موسكو​ و​الرياض​ على أن أسعار النفط المنخفضة سوف تضرب منتجين آخرين، مثل ​الولايات المتحدة الاميركية​ الناشطة في تطوير مشاريع ​النفط الصخري​ من السوق. ففي روسيا و​المملكة العربية السعودية​ تقل تكاليف الإنتاج في بعض حقول النفط عن عشرة دولارات، ومن ناحية أخرى، فإن تكاليف إنتاج صناعة التكسير الهيدروليكي في النفط الصخري ، اكبر بكثير ، كما تواجه بعض الشركات الاميركية أيضًا مشاكل في العثور على المستثمرين، لذا فإن انخفاض أسعار النفط يضرب صناعة التكسير الهيدروليكي الأميركية ، ولكنه وفقا للروس لن يقضي عليها تماما .

على أي حال، من المرجح أن تكون صناعة التكسير الهيدروليكي الأميركية هي الخاسر الأكبر في هذه اللعبة الاقتصادية العالمية إذا نجحت حسابات الرياض، فسوف تنخفض ​صادرات النفط​ الأميركية بشكل ملحوظ قريبًا وستزداد حصص ​السوق السعودية​.

المخاطر السياسية

من الناحية السياسية، فهي ليست إشارة جيدة، ومن المرجح أن تتعرض منطقة ​الشرق الأوسط​ لزعزعة استقرار أكثر من خلال انخفاض السعر لفترة أطول مما هو عليه بالفعل.فالمنطقة تعتمد كثيرا على الدخل من صادرات النفط، وهي تتعرض الآن لضغوط هائلة.

وفي الدول المصدرة للنفط الأخرى مثل أنغولا أو ​فنزويلا​، يمكن أن تؤدي هذه الأزمة بالفعل إلى تفاقم المشاكل السياسية الرئيسية بسبب انخفاض سعر النفط.

تخدم المملكة العربية السعودية ​الاقتصاد العالمي​ المهتز بالفعل باستراتيجيتها الحالية للأسعار، وفقًا لحسابات صندوق النقد الدولي (IMF)، فإن انخفاض أسعار النفط يعمل على إطلاق رأس المال لأنه يميل إلى تعزيز الاستهلاك، إذا انخفض السعر بنسبة عشرة في المائة، فإن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 0.2% أخرى، وهي القاعدة العامة لصندوق النقد الدولي.

ولكن بوجود ازمة كورونا فان تحقق هذه القاعدة صار موضع شك ، لان الاستهلاك غير مستقر ، وهو ميمل الى الانفاض ، بسبب تعطل الكثير من النشاطات الصناعية ، وتراجع كبير في حركة الناس و​السيارات​ و​الطائرات​.

مصير اوبك

من المعروف ان منظمة الأوبك تتحكم المنظمة في ثلث الإنتاج العالمي للنفط، المقدر بـمئة مليون برميل يومياً .ونظرياً، يمكن لهذه المنظمة أن تقلل الإنتاج لدفع الأسعار إلى الارتفاع، او زيادته لتخفيض الاسعار، وهذا ما فعلته على الدوام ، وعندما برزت روسيا كقوة نفطية عالمية ، تم الاتفاق على التنسيق معها ، وبقيت دول نفطية اخرى مثل الولايات المتحدة الاميركية ، خارجها ، وخارج اي اتفاق او تنسيق.

لكن الأوبك، في ضوء ازمة اليوم، لم تنجح في كبح جماح الإنتاج النفطي تماماً، ذلك أن أعضاءها ما يزالون يحافظون على معدلات الإنتاج مستقرة أو يقومون باستخراج كميات أكبر من البترول. وعلى ما يبدو، فإن منظمة الأوبك غير قادرة على منع أسعار النفط من الهبوط.

وكما اسلفنا فان رغبة السعودية بارساء اتفاق جديد مع روسيا ، قد تكون الولايات المتحدة الاميركية طرفا فيه ، يضع مصير اوبك على المحك ، وخصوصا ان ادوار دول عدة اعضاء في المنظمة صارت هامشية ، مثل ​ايران​ وفنزويلا و​العراق​ و​ليبيا​ و​الجزائر​.

اسعار 2020

ما هي توقعات أبرز البنوك ومؤسسات التصنيف والمراكز البحثية، حول أسعار النفط في 2020؟

خفض ​بنك أوف أميركا​ غلوبال ريسيرش وقعات الاسعار الخام في 2020 إلى 20 دولاراً ل​خام برنت​ بعدما توقع سابقاً سعري 45 دولاراً و54 دولاراً.

أما بنك ستاندرد ​تشارترد​ فخفض توقعاته لأسعار النفط لعامي 2020 و2021 وقال إن حرب الأسعار التي أشعل فتيلها انهيار اتفاق بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجين آخرين ستكون شديدة وطويلة على الأرجح. وقلص البنك متوسط توقعاته لخام برنت لعام 2020 إلى 35 دولارا للبرميل من 64 دولارا وخفض متوسط توقعاته للخام لعام 2021 إلى 44 دولارا للبرميل من 67 دولارا للبرميل في وقت سابق. وبالنسبة لأسعار خام غرب تكساس الوسيط الأميركي، خفض البنك توقعاته لعام 2020 إلى 32 دولارا للبرميل من 59 دولارا وتوقعاته لعام 2021 إلى 41 دولارا للبرميل من 63 دولارا.

وخفض غولدمان ساكس توقعاته لسعر برنت في الربعين الثاني والثالث إلى 30 دولارا للبرميل مستندا إلى حرب الأسعار بين روسيا والسعودية وانهيار كبير للطلب بسبب فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 6000 شخص حول العالم.

أما بنك "باركليز" البريطاني، فتوقع تراجع أسعار النفط في العام الحالي، بأكثر من 25%، بتأثير من انتشار فيروس "كورونا"، وبعد فشل منظمة "أوبك" والمنتجين المستقلين في التوصل لاتفاق بشأن خفض الإنتاج. وتوقع المصرف، أن يبلغ متوسط سعر خامي "برنت" 43 دولاراً ونايمكس" 40 دولاراً في العام 2020، في مقابل توقعات سابقة عند 59 دولاراً و 54 دولاراً للبرميل على التوالي.

إلا أن محللون لدى بنك "إيه بي إن أمرو" الهولندي يوم السبت الماضي، قالوا في تقرير: "اعتباراً من أول نيسان المقبل مسموح لجميع منتجي النفط الإنتاج بقدر ما يرغبون"، حيث خفض البنك توقعاته لسعر خام برنت لعام 2020 بنسبة 15.5% إلى 49 دولاراً للبرميل، من توقُّع سابق عند 58 دولاراً.