تستمرّ الدولة اللبنانية بتخبّطها في موضوع دفع استحقاق اليوروبوند في آذار المقبل والذي تبلغ قيمته مليار و200 مليون دولار، بين خيار الدفع والتقصير بعد ذلك في تلبية احتياجات المواطنين من السلع الأساسية المستوردة، كما يشير عدد من المسؤولين والخبراء، إلى التخلف عن الدفع وخسارة "ثقة الجهات الخارجية" بالتزام لبنان في دفع مستحقّاته.

وبغض النظر عن أن مبدأ التصويت على منح "الثقة" للحكومة كان يجب أن يكون على أساس بيان وزاري يتضمّن تفاصيل وحلول لهذا الموضوع والكثير غيره، كلف ​رئيس الجمهورية ميشال عون​، اليوم، رئيس الحكومة ​حسان دياب​ وعدداً من الوزراء بينهم وزير المال غازي وزني، بالتواصل مع خبراء ومختصين للتوصل لقرار بشأن سندات الخزينة، على أن تعد هذه اللجنة تقريراً وترفعه إلى ​مجلس الوزراء​ لإتخاذ القرار المناسب. وفي الوقت نفسه، علم "الإقتصاد" من مصادر مطلعة أنه سيجري إعتماد حل وسطي "على الطريقة اللبنانية" يقضي بتسديد ​الحكومة اللبنانية​ قيمة سندات "اليوروبوند" المحمولة من قبل صناديق ومؤسسات إستثمارية أجنبية، وجدولة المستحقات على السندات المحمولة من جهات محلية، ولكن هل سترضى بذلك ​المصارف​ اللبنانية التي عمدت الى بيع سنداتها لجهات خارجية؟

وللإطلاع على المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي والإستراتيجي د. جهاد الحكيّم:

- بدايةً، ما هو رأيك بموضوع دفع سندات لبنان استحقاق آذار ؟

برأيي، يجب أن ندفع هذه المستحقات.

أما بخصوص التهويل حول إستيراد الحاجات الأساسية للمواطنين، الحلول مصدرها أمور أخرى، كفرض ضرائب تصل الى 50 و60% على أموال الفوائد الخيالية التي استفاد منها أصحاب ​رؤوس الأموال​ والنفوذ في السنوات الخمس الأخيرة.

ندعو للتحقيق ومعرفة أسماء الذين استفادوا من الربا الفاحش في هذا الإقتصاد الريعي، ومن تضاعفت أموالهم نتيجة فوائد الـ20%. هل يعقل أن من كان يملك مليار دولار بات اليوم لديه مليارين ونصف دولار، دون بذل أي مجهود، ليقوم بعدها بتحويل هذا المبلغ الى الخارج؟! هكذا يمكن استيراد القمح. وهذا الموضوع ليس كالشعارات الفضفاضة المتعلّقة باستعادة ​الأموال المنهوبة​، بل هو أمر قابل للتطبيق.

التخلّف عن دفع المستحقّات كبير جدًّا ولا يقتصر على ثقة المجتمع الدولي. في حال تخلّفنا عن الدفع، الإستدانة والخصخصة وجذب الإستثمارات أو اللجوء الى أي مساعدة من شركات أجنبية، في أي حالة مستقبلية، لن تكون خطوات سهلة، سيكون من الصعب على الدولة الإستدانة حتى من ​المصارف اللبنانية​.

كما أودّ أن أشير الى أن دفع الدولة لمستحقاتها للمصارف اللبنانية سينتج عنه حصول المودعين على أموالهم. إذا تخلّفت الدولة عن سداد مستحقاتها فإن سعر السندات الذي انحفض الى النصف، سينخفض أكثر ما يؤدي الى هبوط أصول المصارف وبالتالي تعثّرها. في المقابل، إن سدّدت الدولة هذه المستحقّات، سيساهم في دفع المصارف لأموال المودعين، وبذلك تخفّف من هذا الشح بالسيولة في السوق.

- شعبياً، خيار الدفع لم يعُد مقبولاً بعد الحديث عن ارتفاع في اسعار المواد الأساسية.

مع الأسف هذا التوجه الشعبي نتج عن التركيز على وجهة نظر واحدة. 

كما أن الموضوع لا يقتصر على "الدفع" أو "الإمتناع عن الدفع"، بل على وجوب إعداد خطة طويلة الأمد للخروج من هذه الأزمة التي نعيشها.

- ما هو رأيك باللجوء لـ"​صندوق النقد​ الدولي" في المرحلة المقبلة؟

شخصياً، أنا مع الإستعانة بمشورة "صندوق النقد الدولي". لم يزُر أي وفد من الصندوق لبنان منذ 3 أو 4 أشهر. نحتاج لسماع رأيه، شرط أن يوفد الينا فريق ملمّ بالملف اللبناني ويتابعه عن كثب، هذا عامل مهم، ولكن لست مع "وصاية الصندوق". 

هناك الكثير من الخطوات التي يمكننا اتخاذها قبل اللجوء الى وصاية "صندوق النقد" كالخصخصة مثلاً ولكن طبعاً بعد إقرار قانون المنافسة ومنع الإحتكار، وضمان بقاء الملكية والرقابة للدولة. 

إجراءات "صندوق النقد" قد تطال الفقراء بشكل كبير برأيي، وقد فشلت في الكثير من الدول، لكن إن فشلت دولتنا الكريمة بتحقيق الإصلاحات فإننا سنتجه الى وصاية الصندوق مرغمين لا مخيّرين.

- أصدر "​مصرف لبنان​" تعميماً جديداً اليوم، خفض فيه نسبة الفائدة على الودائع بالدولار والليرة، هل تتوقع أن يتّخذ المصرف القرار نفسه بالنسبة للفوائد التي تتلقاها المصارف على ودائعها لديه؟

يمكن أن يتّخذ المصرف المركزي هذه الخطوة ولكن ليس على المدى القريب. "مصرف لبنان" مستمرّ في إغراء المصارف بالـ"Swap".