مؤتمر دولي آخر بطله لبنان، والمكان: باريس...مؤتمر دولي آخر يحضره المسؤولون اللبنانيون لجمع مساعدات يستخدمونها في "ترقيع" ما أنجزته أيديهم من فساد وهدر وعجز مالي (هذا المؤتمر لا يلحظ البلطجة).

وكأن التجارب السابقة لم تكن كافية ليعلم الفرنسيين أن "مبادراتهم" هذه لا ترضي اللبنانيين المؤمنين بمقدرات وطنهم وقدراتهم. لماذا لم تقتنع الدول الغربية بعد بعدم جدوى جمع ​المساعدات​ لبلد "منهوب" عن سابق إصرار وتصميم؟ بماذا يختلف هذا المؤتمر عن المؤتمرات السابقة التي راكمت ​الديون​ ولم ينتج عنها الا إقتصاد انفجرت تداعيات عيوبه دفعةً واحدة اليوم؟ وماذا عن التلويح باللجوء الى "​صندوق النقد الدولي​" هذه المرة؟

يشير الخبير الإقتصادي والمستشار السابق في "البنك الدولي"، د. ​سمير الضاهر​، الى أن "صندوق النقد الدولي" لديه برنامج إصلاحي للبنان وسيكون صارم بالتنفيذ في حال اللجوء اليه، ويقول: "يهدف هذا البرنامج الى خفض عجز الخزينة، ما ينتج عنه فائض أولي بحيث تكون العائدات أكثر من النفقات قبل احتساب خدمة الدين، إلا أن تحقيق هذا الفائض يتطلب زيادات ضريبية كبيرة من TVA إلى علاوات على ​صفيحة البنزين​، و​الجمارك​ والكثير غيرها...".

ويضيف: "أما بالنسبة الى ميزان المدفوعات، أي الأموال الخارجية، فإن هذه المبالغ الضخمة المطلوبة، بينها 10 و 15 مليار دولار تعتبر ضرورية. برأيي، لا مؤسسة سوى "صندوق النقد" يمكنها تقديم هذه الأموال، ولكن ذلك سيكون بالتوازي مع برنامج إصلاحي يضمن وقف الهدر وحل مشكلة قطاع ​الكهرباء​ وتخصيص مرافق عامّة وأمور أخرى من هذا النوع."

ويوضح الضاهر أن "​الإقتصاد اللبناني​ ومنذ العام 1992، أي منذ نهاية الحرب، يرزح في العناية الفائقة، يتلقّى بعض المساعدات الدولية فيشهد فترة قصيرة من العافية لتعود وتتدهور حالته تدريجياً بعد ذلك"، لافتاً إلى أن "الواقع المالي الحالي الذي نشهده يتعدّى بأضعاف الأزمات التي مررنا بها سابقاً، خاصّةً مع وضع ​القطاع المصرفي​ وتدهور سعر العملة".

وبخصوص تشبيه الوضع الحالي في لبنان بالأزمة اليونانية، يرى الضاهر أن "الحالة اللبنانية أسوأ، وذلك لأن ​الدين العام​ اليوناني لم يكن مصدره ​المصارف​ الوطنية بل المصارف الأجنبية والعملة اليونانية هي ​اليورو​ أي أن مصدر دعمها هو ​الإتحاد الأوروبي​".

وعن "الدين العام في لبنان بمعظمه دين داخلي" التي لطالما استُخدمت كنقطة قوّة، يوضح الضاهر أنها "كانت نقطة قوّة طبعاً عندما منحتنا الإستدامة لسنوات طويلة، إلا أن استدانة الدولة من ​المصارف التجارية​ مباشرةً ومن المصارف التجارية عبر "​مصرف لبنان​" اتّخذت منحى تصاعدي بشكل ملحوظ، ليأتي بعد ذلك ما لم يكن بالحسبان أبداً: تراجع التدفقات المالية من الخارج".

ويلفت الى أن "​المصارف اللبنانية​ توظّف 120 مليار دولار بمستدين واحد: ​الدولة اللبنانية​ بشقيها مصرف لبنان والخزينة. تمركز الخطر هذا يتناقض مع الدور الأساسي للمصارف الا وهو "توزيع المخاطر"، ولكن لماذا استمر القطاع على هذه الخطى؟ بسبب الفوائد الضخمة التي كان يحصل عليها".

ويضيف: "الإقراض غير المسبوق الذي قامت به المصارف اللبنانية كان لصالح الدولة الهشّة والتي كانت هشاشتها تزداد عاماً بعد عام بتفاقم العجز والتصاعد الدائم لحجم الدّين العام. كيف استُخدمت هذه الأموال؟ ليس لبناء أصول منتجة، بل للتوظيف ودفع فوائد الدّين العام ودعم الفيول والكهرباء بالإضافة الى الإثراء غير المشروع. أما بخصوص الإقراض لمصرف لبنان، فقسم منه أعيد تمريره الى خزينة الدولة والقسم الثاني استخدمه المركزي لدعم سعر الصرف منذ العام 1997 حتّى اليوم، أي أن الأموال وبخاصّةً الدولارات تبخّرت. وبذلك فإن الـ"capital control" غير الرسمي الذي تمارسه حالياً المصارف بات واقعاً، لأن الدولارات أصبحت محجوزة ضمن القطاع المصرفي عبر التحويل من حساب الى آخر ومن مصرف الى آخر".

وفي الختام يؤكد الضاهر أن "هذا الموضوع سيكون له تأثير طويل الأمد على مصداقية القطاع المصرفي في لبنان الذي لطالما اُعتبر ملاذاً للأموال من داخل المنطقة وخارجها والدليل على ذلك أن حجمه يفوق حجم الإقتصاد الوطني. باختصار، قُضي على سمعة القطاع المصرفي اللبناني".