قد يسير الفرد في رحلته معتبراً أنها قدره المكتوب.. وفجأة تبدأ فكرة صغيرة، يظنها "عابرة" في البداية ، بقيادته شيئاً فشئياً لعالم يشبه تطلعاته التي لم يكن قادراً على ترجمتها بالكلمات..

هذا ليس وصفاً لفليم عن قصة نجاح شاب عانى في حياته، بل هي قصة واقعية حصلت مع رجل ​لبنان​ي كان قد باشر حياته الأكاديمية بدراسة الحقوق إلى أن إكتشف زاوية حقوقية – إقتصادية أثارت فضوله.. وأدت إلى تغير مسار حياته الأكاديمية والمهنية بشكل جذري.. لينتقل إلى ​كندا​ ليدرس ويعمل في مجالات متعلقة بالإقتصاد والبورصة.

رحلة إكتشافه لفضوله كانت مليئة بالأحداث المتعاقبة لأنه لم يتمكن من التحكم بفائص حبه لتطوير ذاته، فما لبث أن وجد نفسه تلميذاً في جامعة Harvard Business School""، هذه الخطوة كانت ممهدة لعمله في أحد أهم ​البنوك الأوروبية​ "​ساكسو بنك​" التي كانت بدروها درجة تمهيدية لتأسيسه لشركته الخاصةالعاملة في مجال إدارة ​الثروات​ الرقمية.

ولنتعرف أكثر على مسيرة هذا الرجل اللبناني ومواكبة صعوده درجة درجة على سلّم الحياة الأكاديمية والمهنية كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة معالمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "Wealthface"اللبناني بلال مجبور.

- بداية، من أين إنطلقت مسيرتك الأكاديمية وصولاً إلى تأسيسك لمشروعك الأول؟

بدأت حياتي الجامعية من لبنان حيث كنت أتخصص في مجال الحقوق، وخلال دراستي إكتشفت أهمية الحقوق في القوانين الإقتصادية، وقد أثارت بعض المواد الإقتصادية بالقانون فضولي، ولذلك قررت أن أن أغيّر مساري الأكاديمي واتّجهت إلى كندا. وبدأت دراستي هناك في مجال الـ"Business and Finance" في "University of Montreal "، ومن بعدها حصلت على شهادة الماجستير في مجال "​الأسواق المالية​ المشتقة" في جامعة "University of Quebec in Montreal"، ويتضمن هذا الإختصاص أُسس خلق المحافط المالية وإدارتها وغيرها.

من جهة أخرى، واكبت مسيرتي المهنية أولى أيامي الدراسية في كندا، إذ عملت بمهن متعددة في محلات البيع بالتجزئة وغيرها. أول وظيفة مكتبية استلمتها كانت في شركة "Bell" للإتصالات، عندما عملت في هذا المجال لاحظت أن لدي فضول لأتخصص في مجال تمويل الشركات والإستثمارات في ​قطاع الإتصالات​ وغيرها لذا لجأت إلى القطاع الإستثماري.

فضولي لإكتشاف المزيد عن عالم البورصة والإقتصاد، دفعني لأتقدم للحصول على وظيفة في "National Bank of Canada".وبعد مقابلة دامت ساعتين، طُلب مني أن أباشر بالعمل شرط الخضوع للتدريب وتقديم 10 إمتحانات.وكنت حينهافي مرحلة نهاية الفصل الجامعي وبصدد تقديم 4 إمتحانات أكاديمية آخرى. وبالفعل، تمكنتُ خلال شهر واحد من تقديم 14 إمتحاناً بنجاح تام، مما جعلني أكتشف مدى قدرة الإنسان على الوصول لهدفه بالإصرار، وأدركت أن هذا الأمر ليس مجرد عبارة عابرة بل هو واقع لمسته بنفسي.

ومن هنا انطلقت مسيرتي في هذا العالم، وبدأت بإدارة محافظ مالية خلال عملي في المركز الرئيسي للمصرف،رغم أنّ سنّي حينها لم يكن قد تجاوز 26 عاماً، مما يُعتبر صغيراً جداً بالنسبة لهذه المسؤولية. وكانت ​الأزمة المالية العالمية​ أكبر مُعلّم بالنسبة لي، لأنني اكتسبت خبرة واسعة حينها من خلال تعاملي مع مختلف الحالات، هذا الأمر جعلني أرى الأمور من وجهة نظر المستثمر وصقل خبرتي في أساليب التعامل والتواصل مع المستثمرين وإدارة محافظهم تحت الضغط.

من بعدها عملت في مصرف "Laurentian Bank of Canada"، بهدف اكتساب خبرة مختلفة وإستلمت في البنكمنصب مستشار الاستثمار المالي "Financial Investment Advisor "، وكنت خلاله أكوّن السلات المالية، القروض، الإستثمارات وكل أنواع الخدمات. عملي في هذا المصرف، رغم أنه كان أصغر من المصرف السابق، كان تحدٍ بالنسبة لي، وما جعلني أقبل بشرط المصرف أنهم قرروا ألا يقدموا لي أي زبون، وكانت هذه مهمتي، ورحلتي الجديدة في بناء خبرة التواصل مع المستثمرين بالإضافة إلى الشق العملي المعروف.

في العام 2013، أسست شركتي الخاصة، "Firma" للتأمين والإستثمارات،التي كنت تعمل بمثابة وسيط بعرض على الزبائن الخدمات المصرفية من مختلف البنوك. إذ أنّ المواطن الكندي يُفضل هذا النوع من الخدمات لأنها تعرض عليه كل الخيارات عوضاً عن الإلتزام بخيار واحد.

من خلال هذه الشركة تعلمت المعنى المهني للصبر، وبدأت أتكلم مع الزبون بنفس اللغة وحققنا نتائج تفوق التوقعات. ولكن من بعد هذه المرحلة لاحظت سرعة التحوّل الرقمي والتكنولوجي في مجال عملنا أوما يُسمى بالـ"Fin-Tech"، ووجدت ضرورة لمواكبة هذا التطوّر، لذا بعت كل المحافظ وقرّرتُ أن أتفرغ للدراسة لأرسم لنفسي طريقاً جديداً.

- كيف تصف هذه المرحلة الإنتقالية التي تتسم بالمخاطرة إلى حدٍ ما؟

لا شك أن نسبة الخطورة في هذا الأمر كانت مرتفعة، ولكن كان لا بد لي من تطوير خبراتي لأتمكن من مواكبة التكنولوجيا المتغيرة يومياً، وكنت مؤمناً بذلك مما جعلني أصّر على الإلتحاق بجامعة "Harvard Business School". وبعد 4 محاولات تم قبولي في الجامعة في إختصاص "Private Equity and Venture Capital". وهو إختصاص يُعنى بالأسهم الخاصة والأموال المساهمة، فكل ​الشركات الناشئة​ تتجه نحو شركات أكبر لتحصل على التمويل المطلوب للمباشرة بمهامها.

كما ذكرت سابقاً لا شك أن هذا القرار لم يكن سهلاً، إذ أنني إضطررت حينها إلى التقديم للحصول على قرض مصرفي لأتكفل بمصاريف الجامعة، ولكن كيف لي أن أطوّر شركتي إن لم أعمل على تطوير نفسي؟

- هل تعتبر عملك في أحد أهم ​البنوك العالمية​ كـ"ساكسو بنك" مرحلة تمهيدية لتأسيسك شركتك الخاصة؟

بعد تخرجي من جامعة "هارفارد" عملت في "ساكسو بنك" بمنصب Senior Associate، وهو من أهم ​المصارف​ الأوروبية ولديه أحدث المنصات الرقمية في العالم، وخلال هذه الفترة حصلت على خبرة جيدة خاصة أن المصرف يتمتع بمستوى تقني مواكب لآخر التطورات. بعد فترة قررت أن أنسحب من هذه الوظيفة وأن أباشر في تأسيس شركتي الخاصة.

- هل لك أن تصف المرحلة التأسيسة لـ"Wealthface"؟

بدأت بتأسيس "Wealthface" في ​دبي​، بإختصار، "Wealthface" هي شركة لإدارة الثروات الرقمية بالكامل في مهمتها مساعدة الزبائن على الحصول على أموالهم بشكل صحيح. كما تقدم الشركة مجموعة من النصائح الرقمية بهدف نشر هذه الثقافة المالية التكنولجية الحديثة.

وينقسم جمهورها المستهدف إلى 3 فئات: المصارف، الأفراد الراغبين بإدارة محافظهم بشكل خاص بعد تلقيهم التدريب اللازم، والأفراد المستثمرين التي تعمل الشركة على إدارة محافظهم.

هذه الخدمة متوفرة في ​الخليج العربي​، ​تركيا​، جنوب أفريقيا، وبالطبع ​أميركا​، وهذا بفضل القرية التكنولوجية التي بتنا نعيش فيها بفضل التكنولوجيا. وفي السياق، من الجدير ذكره أننا نتعامل مع شركة "Drivewealth"وهو شريك تكنولوجي،كما نعمل مع شركة "Activfactor" شريكنا الرئيسي في كندا لإدارة المحافظ المتخصصة في جميع أنحاء العالم.

بالطبع عمَلنا في "Wealthface" لم يصل لهذه النتيجة خلال أشهر، إذ تم تأسيس الموقع من أربعة أعوام، وبدأ فريقنا بالعمل على محافظ منذ العام 2016، وقمنا ببناء أول إستراتيجية وتطويرها فيما بعد.وبدأ تأسيس الشركة بشكل مكتمل في العام 2017، وسنكون Live الأسبوع المقبل، بحيث يمكن لأي شخص أن يفتح حسابإستثماري للتداول في الأسواق المالية الأميركية العالمية"New York Stock Exchange"في ​منطقة الخليج​ العربي و​الولايات المتحدة الأميركية​ بدقائق من خلال هذه الخدمة.

- ما هي أبرز العراقيل التي واجهتها خلال تأسيسك لـ"Wealthface"؟

أولاً، تأسيس فريق العمل المتناغم والتواصل معهم رغم البُعد الجغرافي ليتمكن الجميع من التكلم بنفس اللغة بهدف الحفاظ على جودة الخدمة وإكتمالها. فريق عملنا اليوم مكون من 15 شخصاً بين كندا ودبي.

من جهة أخرى، لا يمكن أن ننسى فكرة إستقطاب الزبائن في ​العالم العربي​، لا شك أن بناء هذه الثقة أمر مهم جداً وبالتالي من واجبنا تحمل هذه المسؤولية الصعبة. هدفنا كما ذكرنا سابقاً هو تعليمي وتثقيفي ليتمكن الزبون من التفريق بين الشركات الوهمية ونقيدها من حيث المقارنة فيما بينهاوإن لم يختار أن يكون ضمن "Wealthface"، في نهاية المطاف نحن نسعى لتوفير الزبون بأعلى نسب الجودة والمصداقية في الخدمة لنضمن إستمراريته.

وبفضل التكنولوجيا بات بإمكان أي مستثمر من إفتتاح محفظة مصرفية رقمية في شركة يثق بها. فيما يخص رخصة "Wealthface" فهي أميركية وتضمن تأمين كل حساب بحيث تغطي منظمة حماية المستثمر للأوراق المالية في الولايات المتحدة الأميركية "SIPC" 500000 دولار أميركي لكل حساب. كما أن كل حساب لا يخضع لقيود يعني أن الزبون قادر على افتتاح حساب بأميركا بثوانٍ من خلال تواجده في بلده وهذا بفضل شركات الإستثمار الرقمية.

وهنا أود أن أشدد أنّ على الفرد أن يقوم بواجبه ويتحرّى عن رخصة الشركة وأن لا ينغرّ بنسب الأرباح الخيالية المتوقعة، التي قد تسوّق لها بعض الشركات الوهمية، وبالطبع على الزبون أن يتأكد من وجود مكتب للشركة والبحث عن الأشخاص المؤسسين لهذه الشركة ومدى خبرتهم في هذا المجال، لأن الثقة هي أساس مجالنا ولكن بالطبع يجب على كل شخص أن يقوم بواجبه بدراسة خياراته جيداً، لأنك عندما تستثمر لا تستثمر فقط بالشركات بل بالأشخاص العاملين فيها.

- ما هي قيمة إستثمار الشركة حالياً؟

حصلنا على أول مليون دولار كإستثمار داخلي في الشركة ونعتزم على القيام بجولة إستقطاب تمويل أخرى في العام المقبل لنصل إلى حوالي 5 ملايين دولار. وإن تقييم شركتنا اليوم يتراوح ما بين 25 و30 مليون دولار . والهدف من هذه الأموال تطوير الشركة وخدماتها لتخدم الزبائن بأفضل وسيلة مواكبة للتكنولوجيا.

- ما هو هدفك على المدى القصير؟

نطمح خلال الأعوام الخمسة المقبلة أن تصبح "Wealthface" شركة عالمية تديرمحافظ يصل مجموعها إلى حوالي 5 مليار دولار، وتصل قيمة الشركة بين 150 و200 مليون دولار أميركي.

- ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشاب اللبناني من منطلق تجربتك الخاصة؟

كنت دائماً أتردد من فكرة السفر والعمل في الخارج، ولكنني توصلت لقناعة أن تطوير الذات لا يمكن أن يُحد ضمن نطاق جغرافي معيّن في زمن التكنولوجيا.. ولكن الأهم من هذا القرار هو التّحلي بصفات الصبر والمثابرة، هذه الصفات من شأنها تحويل الأحلام إلى واقع وهذا ليس كلاماً منمّقاً.