التزم ​مصرف لبنان​ تسديد آخر استحقاق لسندات اليوروبوندز للعام 2019 بقيمة 1.5 مليار دولار مع الفوائد المستحقة، وقد جاءت هذه الخطوة لتدحض كل ​الشائعات​ حول امكانية تخلف لبنان عن سنداد ديونه الخارجية وقرب افلاسه، في حين استغرب البعض خطوة المصرف المركزي في هذه المرحلة بالذات مشددين على ضرورة إعطاء الأولوية لاستيراد السلع الأساسية والمحافظة على احتياطي المصرف من العملات الأجنبية من أجل إعادة الهيكلة المحتملة للديون الدولارية.

ولكن ما هي سندات اليوروبوندز؟ ولماذا التزم مصرف لبنان بتسديدها بدل وزارة المالية؟

اليوروبوندز هي عبارة عن سندات خزينة تُصدرها ​الدولة اللبنانية​ بعملات أجنبية مقارنةً مع ​سندات الخزينة​ التي تُصدرها بالليرة اللبنانية.

ويشرح رئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في ​مجموعة بنك بيبلوس​، ​نسيب غبريل​، تكوين الدين "لغاية شهر أيلول الذي "هو عبارة عن 63% سندات خزينة بالليرة و 37% سندات خزينة بالعملات الأجنبية اي يوروبوندز اضافة الى بعض القروض الميسرة من مؤسسات متعددة الأطراف"، ويقول لـ"الاقتصاد": " الخطوة التي قام بها مصرف لبنان بتغطية استحقاق اليوروبوندز - عن وزارة المالية - لشهر تشرين الثاني 2019 هي طبيعية كون المصرف المركزي تعهد منذ بداية العام بتغطية كل استحقاقات اليوروبوندز المترتبة على الدولة اللبنانية، وهو كان قد التزم ايضاً بتسديد استحقاق نيسان 2019 الذي بلغ 500 مليون دولار، وايار 2019 الذي بلغ 600 مليون دولار مع الفوائد المستحقة عنهما، وبالتالي أثبت مصرف لبنان ان الدولة قادرة على الالتزام باستحقاقاتها وبأنها لسيت مفلسة كما يروج البعض".

يضيف: " المشكلة لا تكمن بتسديد هذا الاستحقاق من قبل مصرف لبنان في ظلّ شح ​السيولة​ كما يُروج البعض انما تكمن في تخلف لبنان عن دفع مستحقاته في الوقت المحدد، فالموارد موجودة ومصرف لبنان لديه ​احتياطات​ لازمة من أجل الاستمرار في الحفاظ على استقرار سعر الصرف من جهة وللجم التضخم من جهة أخرى فضلاً عن محافظته على ملاءة وسيولة ​المصارف​ والتي تُعد من اولويات المصرف المركزي. اما بالنسبة لموضوع السيولة فهي موجودة في منازل الناس وهي تُقدر اليوم بـنحو 3 مليار دولار".

يؤكد غبريل ان "لبنان لم يتخلف يوماً عن تسديد استحقاقاته وهو يملك سجلاً ناصع البياض بهذا الموضوع، وخطوة مصرف لبنان كانت في هذا المسار، ولا شك بأن وكالات التصنيف الدولية ستأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار ايضاً فضلاً عن عوامل أخرى تتمثل بالوضع السياسي، اضافةً الى الاستقرار الموجود، فضلاً عن الاصلاحات وغيرها من الامور التي نأمل ان تتحسن في الأيام المقبلة".

يتابع: " منذ أسابيع و​القطاع المصرفي​ يتعرض لحملات من التشويه والتخويف والتهويل فضلاً عن الشائعات بقرب انهياره وانهيار الليرة وبمقارنة المالية العامة لسيناريو ​اليونان​ او ​قبرص​ وحتى لسيناريو ​تركيا​ هذا الأمر سبب حالة من الهلع لدى العديد من المواطنين الا ان التزام مصرف لبنان بدفع مستحقاته ومنها سندات اليوروبوندز دحض كل هذه الشائعات وأكد ان لبنان ليس مفلساً وانه لا يزال قادر على تغطية استحقاقاته في الوقت المحدد وبشكل منتظم".

صحيح ان مصرف لبنان استطاع تسديد آخر استحقاق سندات يوروبوندز للعام 2019 بدل وزارة المالية ولكن الاستحقاقات لم تنتهِ فهناك استحقاق في آذار 2020 ، ما قيمته 1.2 مليار دولار، و700 مليون دولار في نيسان، و 600 مليون دولار في حزيران 2020 فهل يستمر المصرف المركزي في تسديد هذه الاستحقاقات بدل وزارة المالية؟

يختم غبريل حديثه بالقول: "لا شك بأن هناك وعي كامل على كل الاستحقاقات المقبلة سواء بالعملات الأجنبية اوحتى بالليرة اللبنانية وباعتقادي كل الاستحقاقات ستُدفع في وقتها المحدد، ولكن الأهم من هذا كله هو ضرورة وجود سلطة تنفيذية فاعلة ومنتجة ولديها القدرة لاتخاذ قرارات جذرية لتخفيض حاجات الدولة للاستدانة وتفعيل النمو فضلاً عن تطبيق الاصلاحات المالية وتخفيض النفقات وتحسين ​الايرادات​ خصوصاً في هذه المرحلة بالذات حيث يعاني البلد من أزمة ثقة بين ​القطاع الخاص​ والمواطن من جهة والسلطة السياسية والأحزاب من جهة أخرى، وفقدان هذه الثقة أدى الى تراجع الحركة الاقتصادية وبالتالي تراجع ايرادات و أرباح الشركات فضلاً عن تراجع ايرادات الخزينة اللبنانية ولو كان هناك اصلاحات بنيوية تخفف الأعباء التشغيلية عن كاهل القطاع الخاص لكان ​الاقتصاد اللبناني​ استطاع تحمل الأزمات السياسية المتتالية وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات التي كانت استطاعت بدورها استيعاب الوضع الحالي. ولابد من الاشارة الى ان القطاع المصرفي منذ 25 عاماً وهو يتحمل بمفرده مسؤولية الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي وبالتالي الاستقرار الاجتماعي وقد آن الأوان لأن تتحمل السلطة التنفيذية جزءًا من هذه المسؤولية".