قيمة الثورة أنها استثمار في المستقبل . ولاشك انها اليوم انتفاضة على الواقع المأساوي الذي وصل اليه الشعب اللبناني .

اقوال كثيرة انتشرت عن معاني الثورة بينها :

"الثورة هي فكرة وجدت سلاحها." نابليون بونابرت

الثّورَة جُنون، طَرَفَاه عَقْل. الكاتب احمد شوقي

"نشأت سلطة تحكم ومحكوم يطيع، ونشأ بينهما عقد اجتماعي يفرض بأن يقوم كل منهما بواجبه، فإذا أخلَّ فريق بواجبه حق للآخر فك العقد، والثورة". الكاتب جان جاك روسو.

الستاتيكو الذي كان سائدا في تمرير الامور المفّصلة على قياس الزعماء يسقط تحت ضغط الشارع والزمن اليوم.

ولا مكان في الثورة اللبنانية للقضايا الأيديولوجية، وللصراعات الإقليمية، وللمزاحمات الحزبية اللبنانية على السلطة.

الثورة الحالية غير تقليدية فهي لا تخضع لأي حزب أو تحالف أو شخصيات سياسية، والأهم أنها ليست مظاهرة شاملة منظمة في مكان واحد، إنما تظاهرات تفجرت في كل المدن اللبنانية من بيروت الى ​طرابلس​ ثاني أكبر مدينة في لبنان حتى الجنوب. هذا الحراك وجه رسائل إلى الداخل اللبناني و​المجتمع الدولي​ على حد سواء.

و مع تطوّر وصمود هذه الثورة موحدة وفق تنظيم داخلي لا يسمح باختراقها ستكون بحجم ثورات ​أوروبا​ الشرقية في ​بولندا​ وتشيكوسلوفاكيا قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، وحركة تغيير كبرى لم يشهد لبنان.

قد يكون الوقت ليس مناسبا للحديث عن الاقتصاد ، لأنه زمن التغيير الذي سيقلب ​صفحات​ كثيرة مليئة بالفساد ونهب الاموال على أمل ان تجري ​المحاسبة​ السريعة لمرتكبيها ، ولكن متابعة مواقف بعض المؤسسات الدولية التي اغدقت لبنان بالتوصيات والنظريات ضرورية .

بالامس القريب ، طرحت وكالة "​بلومبرغ​" تساؤلاً عما سيحدث إذا تم إسقاط ​الحكومة اللبنانية​.

وقالت الوكالة، في تقرير نشرته إن "​المخاطر الاقتصادية​ كبيرة بالنسبة للبنان، حيث يحتاج إلى إيجاد مصادر جديدة للتمويل، فالتدفقات الأجنبية التي اعتمدت عليها تقليديا قد نضبت".

ماذا نفهم من هذه الاشارة ؟

بدارو

يعتبر الاقتصادي الدكتور روي بدارو انه لا يمكن الاستناد الى ما تنشره هذه الوكالات وغيرها من الوكالات لتقويم المرحلة المقبلة .

قبل كل شيء من المفترض اسقاط الحكومة الحالية.فوجودها لا يوحي بالثقة ولن يوحي بها مهما اتخذت من اجراءات.

ويقول "للاقتصاد" : يجب قراءة المرحلة الحاضرة والمستقبلية . فعدد المشاركين في الثورة ليس فقط مليونين بل هو 4 ملايين ، اذ ان الاكثرية تحمل الثورة في قلبها .

الجميع يريد حكومة توحي بالثقة ومطمئنة . حكومة تطمئن الداخل والخارج . وعندها تعود التدفقات المالية الى زخمها من الخارج . اي حكومة مؤلفة من مجموعة افراد يتمتعون بالنزاهة والكفاءة ، تحسن الامساك بزمام الامور، سترسل اشارات ايجابية للداخل وللاسواق المالية في الخارج.

واؤكد انه اذا افضت هذه الانتفاضة الى نتائجها المرجوة وهي ثورة على الذات ستكون قدوة لكل ​الشرق الاوسط​ لا بل منار ة للتحرك الفكري في الشرق الاوسط.

من المفترض قبل اي شيء محاسبة السارقين ومن نهب الاموال في السابق ولغاية اليوم.

يجب اجراء محاسبة جدية وشفافة .

وعن حال ​الاسواق المالية​ فور انتهاء الثورة ؟ والى اين سعر صرف ​الدولار​ وتوافره في السوق ؟ ومن هي الجهة القادرة على التحكم بالسوق ؟

يرى بدارو انه كان من المفترض التحكم بسعر صرف الليرة بحكمة ودراية اكثر خصوصا عندما حددت ​آلية​ ​استيراد​ الطحين و​المحروقات​ والدواء بسعر ال 1507ليرة للدولار .

كان بالامكان وضع سعر مختلف مع اعادة النظر به بصورة تدريجية ودورية .

اخشى ان يكون حاكم ​مصرف لبنان​ كبش محرقة . من المفترض تشكيل لجنة تدقيق تسأل عن السياسة المتبعة التي اوصلت ​الوضع المالي​ والاقتصادي الى هذه المرحلة .

وبالتأكيد ، سيختلف وضع الاسواق المالية بعد الثورة عما قبلها ، فسعر الدولار الى ارتفاع ، ولكن هذا مرتبط ايضا بالاجراءات التي سيتخذها مصرف لبنان و​المصارف​ معا .

اما بالنسبة للجهة القادرة على التحكم بالسوق ، فيقول بدارو ان هذه المسألة منوطة ب​حاكم مصرف لبنان​ بالتنسيق مع وزير المال . وحتى انه يمكن ان يتم ذلك بالتشاور مع الوزراء. آلية السوق مرتكزة على الثقة .

عجز الموازنة​ 0،6% مزحة ام كذبة ؟

وعما تتضمنته الورقة الاصلاحية لرئيس الحكومة ان عجز موازنة 2020 سيكون 0،6% يلفت بدارو الى انها مزحة. ويتساءل اذا كان هذا الطرح معقولا وقابلا للتنفيذ فلماذا لم يتم اللجوء اليه من قبل ؟

هل الاعتماد على مصرف لبنان والمصارف من الحلول المقبولة كما تم طرحه لتمويل العجز ؟

برأي بدارو هذا الطرح غير واقعي . ويقول : صحيح ان المصارف حققت ارباحا طائلة طيلة المراحل السابقة . وصحيح ان الطمع اعمى القطاع ولكن لا يمكن اعتماد هذا الاجراء . لقد كان الاقتصاد في خدمة المصارف ، واما اليوم فيجب ان تكون المصارف في خدمة الاقتصاد .ونسعى الى تكامل بين المصارف والاقتصاد . لقد مد ​القطاع المصرفي​ الدولة بالديون وبفوائد كبيرة ، ولكن هذا لايعني انه يجب تهديده واخضاعه لاجراءات اعتباطية غير مدروسة .

الحل الوحيد هو اجراء حوار وطني يتناول الرؤية الاقتصادية الجديدة ويشارك فيه كل من الحكومة الجديدة و مصرف لبنان ووجميع قطاعات الانتاج .

المسؤولية تقع على الجميع للخروج بحلول قابلة للتنفيذ .

وعن أبرز الإجراءات الملحة والضرورية الواجب اعتمادها لتحقيق النهوض الاقتصادي ؟

يرى بدارو انه في سلم الاولويات يجب تحفيز النمو بعيدا عن اي تقشف من شأنه قتل الاقتصاد .

ووجود وزير مال نزيه وكفوء الى جانب حاكم مركزي قدير من شأنه خلق الثقة لدى ​الاسواق العالمية​ والمجتمع الدولي .

وبالتالي، يجب الاعتماد على الاقتصاد المرتبط بالعرض ، اقتصاديات جانب العرض Supply-side economics وهذا يعني ​النمو الاقتصادي​ يمكن أن يكون اكثر فعالية عن طريق خفض الحواجز بين المستثمرين والإنتاج (العرض) السلع والخدمات من خلال الاستثمار. وفقا لاقتصاديات جانب العرض، فإن المستهلكين يقومون بالاستفادة من زيادة المعروض من السلع والخدمات بأسعار أقل ، علاوة على ذلك ، الاستثمار وتوسيع الأعمال زيادة الطلب على الموظفين.

هذا الى جانب اتخاذ اجراءات سريعة كفيلة بالخروج من المأزق . ولا شك ان الامور لن تكون سهلة خلال الايام القليلة المقبلة . ونتمنى لمس التحسن بعد 6اشهر .

حضن التاريخ سلسلة ثورات . منها الناجحة ومنها الفاشلة . ومنها من قلب الانظمة ومنها من حقق العدالة الاجتماعية ، وايضا منها تم قمعها .

مفهوم الثورة كيفما استخدم ينطوي على هدف رئيسي هو التغيير. وربما بعض من كان في السلطة يريد هذا التغيير . البعض رأى في ورقة رئيس الحكومة الاصلاحية التي وضعت لامتصاص الثورة اشبه ببيان وزاري ، وآخر لائحة وعود ، وربما هناك من اراد اعطاء الفرصة . ولكن بالتأكيد بعد هذه الثورة يوم آخر . هل ستخمد نيران الوضع المعيشي والاقتصادي اللاهبة ؟ وهل سنشهد عقد ا اجتماعيا جديدا بين السلطة والشعب ؟