أعلنت الحكومة التركية ملامح خارطة الطريق الجديدة للبرنامج الاقتصادي المستهدف تحقيقه حتى عام 2022، تحت شعار "التغيير قد بدأ". وتستهدف الخطة نسبة 12% تضخما سنويا بنهاية العام الجاري ،ونسب التضخم8.5% لعام 2020 و6% لعام 2021 و4.9% لعام 2022.

وبالنسبة للناتج المحلي الإجمالي تستهدف الخطة نسبة نمو 0.5% في 2019 الجاري، و5% في كل من الأعوام الثلاثة التالية.

أما ​البطالة​ فتخطط الحكومة التركية لخفضها لتصل بحلول العام 2022 إلى 9.8% من 12.9% من المتوقع أن تسجلها في 2019.

هذه الخطة تبدو طموحة للغاية ، ان لم نقل انها مجرد محاولة لبث روح من التفاؤل والامل ، لان ​الاقتصاد التركي​ لا يزال تحت وطأة أزمة هبوط قيمة العملة التركية في العام الماضي، حيث فقدت قرابة 30% من قيمتها مقابل ​الدولار​.

وتسببت أزمة العملة في حدوث ركود ، وكذلك في ارتفاع ​معدلات التضخم​، وصعود ​معدل البطالة​، وزادت من الضغوط على الشركات الخاصة المثقلة ب​الديون​ في ​تركيا​. وشهد العام الحالي والعام الماضي إعلان نسبة كبيرة من الشركات والمصانع إفلاسها، لعجزها عن سداد مديونياتها والقروض التي حصلت عليها من البنوك، فبات ​القطاع المصرفي​ في تركيا أكبر مالك للمصانع والشركات والوحدات السكنية المتعثرة.

وعمدت البنوك التركية الى الحجز على ممتلكات المدينين في ظل ​الأزمة الاقتصادية​ التي تعصف بالاقتصاد ، وأجبر رجال الأعمال على إعلان إفلاس شركاتهم، حيث تظهر كمية الإعلانات على المواقع الإلكترونية للبنوك، عن المصانع والشركات المحجوز عليها، وإعلانات البنوك الحكومية في المؤسسات الصحفية التابعة للدولة، حجم الخسائر التي لحقت ب​القطاع الخاص​ في البلاد.

وبحسب بيانات هيئة تنظيم ومراقبة القطاع المصرفي، تبلغ معدلات ديون القطاع الخاص المتعثرة لصالح البنوك 110 مليار ليرة، متأثرة بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، فيما خاطبت فى وقت سابق الحكومة التركية البنوك لاعتبار ديون بقيمة 46 مليار ليرة ديونًا معدومة بنهاية 2019 وتدبير مخصصات كافية لتغطية هذه الديون، كما أن أغلب هذه الديون المطلوب اعتبارها معدومة تخص شركات إنشاءات وطاقة.

ووفق اتحاد البنوك التركي تبلغ ديون قطاع إنتاج وتوزيع الكهرباء للبنوك نحو 47 مليار دولار، فيما تبلغ محفظة الديون التي تحتاج إعادة هيكلة نحو 12-13 مليار دولار، ولجأ المئات من رجال الأعمال لطلب إعادة جدولة ديون شركاتهم، في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد التركي، فيما تسجل ​الديون المتعثرة​ لدى البنوك في تركيا أرقاما قياسية يومًا بعد يوم.

ووجه الخبير التركى الاقتصادي ابراهيم قهوجي، انتقادات حادة للسياسات الاقتصادية لحكومة حزب العدالة والتنمية، مؤكدًا أن الهدف الرئيس لصندوق الأصول التركى الذى يتحكم فيه أردوغان حاليًا، هو ​إنقاذ​ الشركات الغارقة التى تتعرض للإفلاس، وهو لا يفعل ذلك.

وعلى الرغم من أن الليرة قد استقرت هذا العام، إلا أن ​صندوق النقد الدولي​ حذر الأسبوع الماضي من أن "الهدوء الحالي يبدو هشا"، وقال إن "آفاق النمو القوي والمستدام على المدى المتوسط ​​تبدو صعبة دون مزيد من الإصلاحات".

وسارعت الاوساط الاقتصادية المتابعة الى التشكيك بالتوقعات المقدمة من الحكومة ، وحذر خبراء اقتصاديون من أن استئناف النمو سريع الخطى دون إجراء إصلاحات هيكلية، يؤدي إلى تفاقم نقاط الضعف، التي ساعدت على إطلاق أزمة العام الماضي.

وتعاني تركيا من تراجع ثقة المستثمرين، المحليين والعالميين بحسب تقارير دولية حديثة، وذلك راجع لتذبذب مؤشرات الاقتصاد التركي من جهة، والسياسات العامة للحكومة التركية .

هذا التراجع العميق في ​الاستثمارات​ الثابتة يشكل مصدر قلق بالنسبة للحكومة ، بالنظر إلى التداعيات السلبية التي ستطرأ على الاقتصاد السنوات المقبلة.لذاتقدم ارقام تشجيعية هي بمثابة وعود لا تستند الى اسس ثابتة.

وتشير التقديرات إلى تراجع توقعات منظمات اقتصادية بخصوص نمو الاقتصاد التركي خلال العام المقبل من 3.2 بالمئة إلى 1.6 "مع تركز عدم اليقين في الاستثمار العام ونتائجه.

وما يزيد من صعوبة ​الوضع الاقتصادي​ التركي ​العقوبات​ الأميركية التي فرضت على ​أنقرة​، والتي أدت الى خسارة ​الليرة التركية​ نحو 30 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار ، ودفع الاقتصاد صوب ​الركود​، فيما تتوقع منظمات اقتصادية تواصل تراجع العملة إلى نهاية 2019. وان يستمر تأثير العقوبات المتمثلة في حظر التعامل مع الشركات التركية المتخصصة في قطاع الصناعات الدفاعية وبعض التشديدات المالية على مؤشرات الاقتصاد العامة.

المعارضة التركية تحمل حكم اردوغان وسياساته مسؤولية الوضع الاقتصادي المأزوم ، لذا تتوقع استمرار النزيف التركي الى ما بعد بداية عام 2020.وقد شرعت بالتحرك خارجيا من اجل المساهمة بايجاد حلول ، فالتقى ممثلون عن حزبي الخير والشعب الجمهورى المعارضين، بوفد من صندوق النقد الدولى فى تركيا، الأسبوع الماضى ما اثار غضب مسؤولين حكوميين من اللقاء.

وبررت المعارضة هذا اللقاء بان اردوغان يخفي حقيقة الواقع الاقتصادي المأزوم ، ومن واجب المعارضة معرفة ما يجري ، وكذلك فان الصندوق التقى فى الماضى مع جمعية المصنعين ورجال الأعمال الأتراك ومع اتحاد الغرف التجارية والبورصات وكذلك عدد من ​الخبراء الاقتصاديين​، مشيرًا إلى أن وفد الصندوق الدولى يأتى إلى تركيا مرتين فى العام، ويبلغ وزارة الخزانة والمالية باللقاءات التى يجريها مع المؤسسات العامة، ولكنه غير مجبر على إبلاغ الحكومة بلقاءاته مع مؤسسات المجتمع.

يذكر ان أخر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أظهر أن حكومة تركيا أمامها طريق طويل جداً لإعادة بناء الثقة في اقتصادها بعد العام العصيب الذي مرت به في 2018. وشملت قائمة نقاط الضعف الطويلة التي وردت في التقرير، ضعف مستوى احتياطي العملات الأجنبية، وارتفاع مستوى الديون بالعملات الأجنبية، وميزانيات الشركات المضغوطة، وارتفاع معدلات الدولَرة، وزيادة العجز في ​الميزانية​ وتراجع المعنويات في الداخل.

وحذر التقرير أيضاً من أن النمو الاقتصادي في تركيا قادته بشكل كبير ​السياسة المالية​ التوسعية، وتوفير الائتمان المصرفي السريع من بنوك الدولة، وانتقد ما وصفه بأنه دورة تسهيل عنيفة من جانب البنك المركزي، حيث أن البنك خفّض ​سعر الفائدة​ القياسي بمقدار 750 نقطة أساس منذ تموز يوليو الماضي.