لا شك أن دعوة امين عام ​حزب الله​ السيد حسن نصرالله الى استعادة الاموال المنهوبة من الاغنياء الكبار واباطرة المال ، هي مطلب محق ، الا ان تنفيذه شيء آخر ، لا يستطيع حتى حزب الله ، وهو الحزب الاقوى في ​لبنان​ ، ان ينجزه من داخل التركيبة الحالية للسلطة في لبنان.

بغض النظر عن دوافع اثارة نصرالله لهذه المسألة الآن ، فان مطلب استعادة الاموال المنهوبة هو بالفعل احد الاجراءات الحاسمة لانقاذ لبنان من ازمته ال​اقتصاد​ية – المالية ، وتخليصه من سيف ​الدين العام​ الهائل المسلط على شعبه وحياة ابنائه.

فالبلد المدين بحوالى تسعين مليار دولار ، والذي تسجل موازنته السنوية عجزا يقدر ب6 او 7 مليارات دولار ، يحتاج بالفعل الى صدمة ايجابية كبيرة تتمثل بضخ عشرات مليارات الدولارات في اقتصاده ، سواء من خلال اطفاء قسم كبير من الدين العام ، وبالتالي التخلص من خدمته السنوية ، او عبر اطلاق ​استثمارات​ ضخمة لتكبير حجم الاقتصاد وتحويله الى اقتصاد منتج وزيادة ​الايرادات​ والقضاء على العجز في ​الموازنة​.

خلال لقاء بعبدا الاقتصادي الاخير تعددت طروحات السياسيين الحاضرين ، والذين مثلوا كل الطبقة السياسية اللبنانية من دون استثناء احد ، وتكررت في مداخلات المشاركين الدعوات لوقف الهدر وخفض الانفاق والقضاء على الفساد وزيادة الايرادات من خلال ضرائب جديدة وتعزيز ​الواردات​ الجمركية ... وصولا الى اقتراح خصخصة بعض المرافق العامة ، وكان الوزير السابق سليمان فرنجية سباقا في اقتراح بيع اراض في واجهة بيروت البحرية قد تؤمن 50 الى 60 مليار دولار لاطفاء القسم الاكبر من الدين العام .

لسنا في وارد مناقشة هذا الاقتراح او سواه ، الا ان كل الكلام الذي قيل في بعبدا صحيح ولكن معظمه مكرر ومستهلك الى درجة ان احدا من اللبنانيين لن يصدق ان هذه الطبقة السياسية ستنفذه .

الا ان اللافت غياب اي ذكر لاجراء استعادة الاموال المنهوبة من مداولات بعبدا ، ولعل في ذلك اشارة واضحة الى ان هذه الطبقة السياسية التي حكمت البلد أقله منذ العام 1990 لن تدين نفسها بهكذا اجراء ، لانه يستهدفها بالدرجة الاولى.

وبالعودة الى كلام نصرالله فانه جاء متأخرا ، ولكن على قاعدة ان تاتي متأخرا افضل من الا تأتي ، نود ان نرحب بدعوته لاستعادة الاموال المنهوبة ، شرط ان لا يكون زوبعة سياسية في فنجان تصفية الحسابات مع اطراف سياسية اخرى ، او مجرد شعار شعبوي يعرف حزب الله صعوبة تحقيقه في لبنان . ومن الصعوبات البارزة ان عملية الاستعادة ستتطلب اولا وضع كل من كانوا في السلطة منذ العام 1990 وحتى اليوم موضع مساءلة قانونية ، والكثير الكثير من هؤلاء هم حلفاء مقربون من حزب الله ، وكانوا في مرحلة الوصاية السورية يتمعتعون بحمايتها.

هناك قانونان مقدمان الى المجلس النيابي للبحث والاقرار تحت عنوان استعادة الاموال المنهوبة ، الاول من حزب سبعة ، والثاني من التيار الوطني الحر ، وقد أدى هذا التنافس الى سجال سياسي ، اذ اتهم "سبعة " "التيار" بانه يريد تفريغ القانون من مضمونه وجدواه . وفي الخضم برز رأي يقول ان ما ينقص لبنان ليس القوانين بل بتطبيقها ، ويمكن العودة الى قانون من أين لك هذا وقانون الإثراء غير المشروع . ولكنهما خارج الخدمة ، ومن مساخر النظام اللبناني ان كل من يتولى الشأن العام يخضع لقانون يلزمه بالتصريح للمجلس الدستوري عن ثروته عند استلام وعند ترك سدة المسؤولية التي يتولاها.

لا يمكن استعادة الاموال المنهوبة اذا كان من نهبها لا يزال في سدة السلطة ، اما الوافدون الجدد الى هذه الدولة ( مثل حزب الله ) فانهم غالبا مرتبطون بتحالفات ، ومقيدون بحسابات سياسية وطائفية ومذهبية ومصلحية ، بحيث لا يمكن التعويل عليهم ، في هكذا حملة .

هذه الحملة لا يمكن ان تكون الا من تحت ، اي من الشارع والناس والمجتمع المدني والقوى السياسية غير السلطوية ، اي المعارضة الحقيقية . وعندما نتحدث عن السلطة فاننا نشمل كل السلطات ، والقضائية تحديدا ، فاذا صدقنا النائب حسن فضل الله ، وهو المكلف من قبل حزب الله ب​مكافحة الفساد​ ، فان القضاء اللبناني بوضعه الحالي ، عاجز عن المشاركة في هذه المكافحة.

اقترب حزب سبعة في العام 2017 كثيرا مما هو مطلوب للبدء باستعاد الاموال المنهوبة . ونقول البدء فقط لان المسار سيكون طويلا ، يبدأ بملفات قضائية ، اذا توفر القضاء المناسب ، ويصل الى اسقاط رؤوس سياسية كبيرة ، وهذا لن يتم الا بثورة شعبية عارمة .

يقدر حزب "سبعة" المبالغ المنهوبة والمطلوب استعادتها بـ75 مليار دولار . هذا الرقم غير دقيق لان احدا لا يمكنه ان يعرف الرقم الصحيح الا بعد فتح كل ملف الانفاق العام في لبنان منذ اربعين عاما ، كما يقترح الحزب . الا ان المطالبة بمبلغ الـ75 مليارا كبداية امر جيد . اما خطة العمل المقترحة فهي:

أوّلا: خلق رأي عام موحّد حول اهميّة استرجاع الأموال المنهوبة من الزعماء عبر حملة توعية ممنهجة واطلاق عريضة الكترونية وطنيّة.

- ثانياً: ارسال اقتراح القانون لل128 نائب وفي حال عدم التجاوب يُعتبر النوّاب مُسهلّين لعمليّة نهب تاريخيّة.

- ثالثاً: تخصيص خط ساخن للمواطنين لتقديم معلومات عن عمليات فساد من عام الـ 75.

- رابعاً: إيصال هذه القضيّة للاعلام العالمي والتقدم بشكوى امام الامم المتّحدة بروحيّة الفصل الخامس من اتفاقيّة مكافحة الفساد التي انضم اليها لبنان سنة 2009.

- خامساً: اشراك شبكة عالميّة من الصحافيين الاستقصائيين للمباشرة بعمليّة مطاردة الاموال المنهوبة.

- سادساً: التعاون مع محامين بالقانون الدولي المختصّين بهذه القضايا.

- سابعا: ترشيح مواطنين بالانتخابات النيابية القادمة يحملون هذه القضيّة الوطنيّة الكبرى.

بطبيعة الحال ، فان الفوز باغلبية نيابية يعمل اصحابها على محاسبة سارقي الخزينة اللبنانية طوال عقود واجبارهم على اعادة ما سرقوه ، ليس بالامر الهين ، فقوانين الانتخاب تضعها الطبقة السياسية اياها ، المتهمة والمطلوب محاسبتها ، ومن هنا يبدأ المسار ..

فهل يعمل حزب الله المنضم حديثا الى حملة مكافحة الفساد لخربطة التوازنات السياسية التي يشارك فيها ان لم يقل يرعاها.