يتناوب المسؤولون السياسيون في ​لبنان​ والمعنيون بالوضع الإقتصادي على التحذير من دقة الأوضاع التي وصلنا إليها، وبات هناك شبه إجماع خطابي بضرورة اتخاذ قرارات حاسمة وعلاجات فورية للأزمة الاقتصادية.

وبعد أيام على صدور تقريري وكالتي "ستاندرد أند بورز" و"فيتش" وما تضمّناه من تخفيض وتثبيت لتصنيف ​اقتصاد لبنان​، بات سقف الإجماع أعلى وأوسع لإيجاد العلاجات الفورية للأزمة الاقتصادية عبر إعلان حالة طوارىء اقتصادية، ووضع خارطة طريق للانقاذ.

وإضافة إلى الأزمة الإقتصادية الحالية التي تعيشها البلاد، ألقت الإعتداءات ​الإسرائيلي​ة على لبنان مخاوف إضافية حول إمكانية خروج ​الإقتصاد اللبناني​ من أزمته وكيفيه مواجهة العدو وتحصين الإقتصاد في آن.

فما هي تداعيات خفض التصنيف على الوضع الاقتصادي في لبنان؟ وما التحديات التي تواجهها البلاد في ضوء الإعتداءات الإسرائيلية ؟ وما هي متطلبات المرحلة الراهنة؟

على هذه الأسئلة وغيرها أجاب كبير الإقتصاديين ومدير وحدة الدراسات في بنك "بيبلوس"  د. ​​نسيب غبريل  في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

نبدأ بمسألة التصنيفات وحالة الطوارئ الإقتصادية التي ينادي لها كل مسؤولي الدولة اليوم، الجميع بات يحكي عن علاجات فورية للأزمة الاقتصادية، ما هي هذه العلاجات ؟

"فيما يختص بتصنيف الوكالات الإئتمانية للإقتصاد اللبناني كانت الرسالة واضحة: الإجراءات في ​موازنة​ العام 2019 والإجراءات خارج ​الموازنة​ غير مقنعة لتخفض العجز.

يجب على المسؤولين اللبنانيين العمل على وضع خطة للجم ارتفاع ​الدين العام​.

إن الضجيج الإعلامي يظهر عدم معرفة عميقة بعمل وكالات التصنيف.

وإن التصنيف للإقتصاد اللبناني بدأ منذ أكثر من 20 عاماً أي منذ بدء إصدارات "اليورو بوندز" والإقتصاد بات متعايشاً معه منذ أعوام طويلة ومن المستغرب هذا التهويل الذي يتناوب عليه السياسيون.

هناك بعض السياسيين يعتقدون أن تاريخ التصنيف يأتي بعد تولّيهم لوزارتهم أو ملفهم الإقتصادي."

"ستاندرد أند بورز" لم تخفض تصنيفها ولكن ماذا عن التحذير الواضح الذي أطلقته الوكالة من أنها ستعمد إلى تخفيض تصنيفها بعد 6 أشهر، إذا استمرت الودائع واحتياطات النقد الأجنبي بالانخفاض ؟

في العام 2008 خفضت "ستاندرد أند بوزر" تصنيفها للبنان إلى CCC وهو مستوى أقل من تصنيف لبنان الحالي ولكن لم يتم التهويل حينها وأعادت الوكالة بعدها في قراءتها رفع التصنيف.

قبل 11 عاماً رفع تصنيف الإقتصاد اللبناني بعد العمل الجيد الذي ساهم في استقراره، ورفع الودائع واحتياطات النقد الأجنبي، وهو المطلوب حالياً من القادة والمسؤولين في لبنان خلال هذه الفترة الحساسة التي تعيشها البلاد.

هل لدى لبنان القدرة على تجاوز الصعاب ؟

"في حال وجود إرادة سياسية يمكن تخطي العقبات لأن البلاد لديها القدرة والمنعة والأسس لتجاوز الصعاب والنهوض بالإقتصاد.

يجب البدء بتخفيض حاجات الدولة للإستدانة من خلال تخفيض العجز في الموازنة إضافة إلى الأخذ بعين الإعتبار بمستوى الحوكمة والإدارة الرشيدة في لبنان و​مكافحة الفساد​ ومدى الجدية في إدارة الأمور الإقتصادية.

ولا يمكن بعد الآن للقطاع المصرفي أن يستمر في تحمل مسؤولية تمويل الدولة."

جرى الحديث عن لقاء موسع مرتقب في القصر الجمهوري بـ 2 أيلول المقبل بين رئيس الجمهورية ورئيس ​مجلس النواب​ ورئيس الحكومة، ما الذي قد ينتج عن هذا اللقاء ؟

"اللقاء ضروري وحيوي وإيجابي ومبادرة مهمة من ​رئيس الجمهورية ميشال عون​، ولكن لا يمكن الإكتفاء بلقاءات وحوارات في ظل الوضع الإقتصادي الحالي والمطلوب الترجمة السريعة والخطوات الفعلية على الأرض، فالمستثمر يحتاج إجراءات عملية لتخفيف الأعباء التشغيلية، والمواطن يحتاج إجراءات لتحسين معيشته، والمغترب إلى الأمان لإرسال ​التحويلات​ والإستثمار في لبنان. المبادرة ممتازة وتبقى العبرة في ترجمتها بالأفعال."

في موضوع الليرة نحن اليوم أمام خيارين إما ترك سعر صرف الليرة لينهار أو استمرار تثبيته، ما الخسائر أو المأزق الذي ممكن أن نواجهه في ظل النموذج القائم ؟

"لا خيار غير استمرار دعم سعر صرف الليرة وهو ما سيحافظ على الإستقرار السياسي والإجتماعي.

دعم سعر صرف الليرة مدرج في البيان الوزاري والحكومة ملتزمة فعلياً بهذا القرار، وإن أي إصلاح اقتصادي مدخله الأساسي استمرار دعم سعر صرف الليرة."

إستجد موضوع الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان وبعد تهديد السيد حسن نصر الله بات رد ​حزب الله​ حتمياً، ما انعكاسات هذا التطور على الإقتصاد اللبناني المتردي أصلاً ؟

الجواب على الإعتداء الإسرائيلي يكمن في اتخاذ اجراءات لتطوير المناخ الإستثماري.

الجواب على الإعتداءات يكون بتحصين الجبهة الداخلية اقتصادياً.

الجواب واضح وهو عدم تأخير الإصلاحات التي ستكون كلفتها باهظة على الإقتصاد.

يجب أن نعمل جميعاً على تحصين الإقتصاد الداخلي ليكون رداً على الإعتداءات الإسرائيلية."