تستمر معاناة الإقتصاد اللبناني في الأعوام الخمس الأخيرة حيث بقي في دائرة الضعف عشية نهاية الشهر التاسع من العام 2016  وذلك بتأثير مباشر من استمرار ازمة المؤسسات الدستورية على المستوى المحلي وتدعيات ازمة سوريا لاسيما على المستوى الاجتماعي.

ويعتبر القطاع الصناعي من أكثر القطاعات تضررا خاصة بعد إقفال كافة المعابر البرية مما جعل لبنان جزيرة لا يوجد امامه سوى البحر.

وكشفت احصاءات وزارة الصناعة الأخيرة عن انخفاض عدد قرارات الترخيص الصناعية الممنوحة خلال النصف الاول من 2016 بنسبة 10.32% الى 304 مقابل 339 خلال النصف الثاني من 2015. علماً انها تراجعت 14.85% على اساس سنوي من 357 ترخيص في النصف الاول من 2015.

بالتوازي، انخفضت الصادرات الصناعية بنسبة 15.52% سنوياً الى 1.3 مليار دولار خلال النصف الاول من 2016. وارتفعت الصادرات بنسبة 6.98% في حزيران الى 225.3 مليون دولار مقابل 210.6 مليون دولار في شهر ايار.

وللحديث أكثر عن هذه الأرقام وعن وضع القطاع الصناعي بشكل عام كان لـ"الإقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع عميد الصناعات الغذائية ونائب رئيس جمعية الصناعيين جورج نصراوي.

- بداية كيف تصف وضع القطاع الصناعي اليوم؟ وهل فعلا وصلت نسب التراجع في الصادرات إلى أكثر من 15%؟

التراجع في نسب الصادرات بدا منذ عام 2014، حيث إنخفضت صادراتنا الصناعية بين 2014 و 2015 حوالي 16%، وإستمر هذا الإنخفاض حتى وصل بين عامي 2015 و2016 إلى حوالي 15% .. وهذا يعني أن مجموع التراجع في الصادرات الصناعية اللبنانية إلى الخارج قد وصل إلى أكثر من 31% في السنوات الثلاث الأخيرة.

وهذا التراجع يعتبر طبيعي نسبة للوضع الراهن .. والسبب الرئيسي هو توقف الصادرات إلى دول الخليج براً بسبب إقفال المعابر الحدودية مع سوريا، وفي المقابل كلفة التصدير عبر البحر عالية جدا .. ما يخفّض من القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية في الخارج، أضف إلى ذلك صعوبة السير في خيار التصدير البحري أصلا.

ويجب الإشارة إلى غياب الدولة كليا عن دعم القطاع الصناعي .. ففي كل بلاد العالم تقدّم الدولة دعما لأي قطاع متعثر في الحالات الطارئة، لذلك على الدولة اللبنانية الإلتفات قليلا لهذا القطاع ودعم الصادرات عبر البحر ... فخطة التصدير البحري التي أطلقتها الدولة العام الماضي بواسطة "إيدال"، كانت لدعم صادرات القطاع الزراعي، وليس لدعم الصادرات الصناعية اللبنانية.

والجميع يعلم ان دعم القطاع الصناعي في المرحلة الحالية من قبل الدولة اللبنانية سيخلق عدد كبير من فرص العمل .. في حين أن تركه يعاني سيؤدي إلى صرف مزيد من العمال وإرتفاع نسب البطالة بشكل أكبر.

- لطالما عانى القطاع من إرتفاع كلفة الإنتاج مما يقلل من قدرة الصناعات اللبنانية على المنافسة .. ما هي الخطوات الممكن إتخاذها برأيك لخفض كلفة الإنتاج؟

العامل الأهم لخفض تكاليف الإنتاج الصناعي في لبنان هو التخفيف من "الكلفة العالية للطاقة" ... فالصناعي اليوم يدفع فاتورتين، الاولى للدولة اللبنانية، والثانية للتوليد الداخلي وشراء المولد الكهربائي وصيانتها .. في حين أن المصانع أو الصناعيين في الدول العربية المجاورة يحصلون على الطاقة من دولهم بكلفة منخفضة جدا وعلى مدى 24 ساعة.

أضف إلى ذلك ان هناك دول مجاورة كتركيا مثلا تقدّم دعما كبيرا لصادراتها، وهذا ما يجعل قدرتنا على المنافسة في الأسواق ضعيفة جدا .. مع الإشارة إلى ان تلك الدول تقوم بتصنيع معظم المنتجات التي تصنعها الشركات اللبنانية وبنفس المواصفات تقريبا.

- هل شهد العام 2016 إقفالات لبعض المصانع أو الشركات الصناعية ؟ خاصة اننا نشهد موجة كبير من صرف الموظفين في كافة القطاعات.

هناك نسبة قليلة من الشركات والمصانع التي أقفلت على مدى الاعوام الأربعة الماضية .. فمن يملك شركة او مصنع منذ عشرات السنين لن يقفل مؤسسته بهذه السهولة، وسيحاول الإستمرار والإستدانة منتظرا الفرج... ولكنه لن يستطيع التحمل إلى ما لا نهاية.

اما بالنسبة لصرف الموظفين، فهناك بعض المؤسسات التي تضطر إلى ذلك لخفض الأعباء المالية مقابل الإرتفاع الكبير للديون .. وهذا الأمر يحصل في كافة القطاعات وليس فقط القطاع الصناعي.

أضف إلى كل ذلك ان هناك عدد من المصانع السورية التي إنتقلت إلى لبنان وأثرت كثيرا على المؤسسات الصناعية اللبنانية.

- هل يمكن أن يفرض لبنان على مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شراء الحاجات الغذائية من الشركات اللبنانية بدلا من شرائها من الخارج؟

لا شك ان الدولة اللبنانية تستطيع فرض هذا الأمر .. فنحن بإمكاننا السير على غرار ما فعلت تركيا والأردن حيث فرضوا على المجتمع المدني إعطاء منح مالية ومساعدات للدولة لان اللاجئين يستهلكون البنى التحتية، كما فرضوا مفوضية اللاجئين شراء المساعدات الغذائية وغير الغذائية من الشركات والمصانع المحلية .. في حين نحن في لبنان نقدّم المساعدة ونستضيف أكبر عدد من اللاجئين دون أي مقابل من المجتمع الدولي.

لذلك يجب على الدولة أن تضع شروط على الجمعيات لشراء المساعدات والمعونات المخصصة للاجئين من المؤسسات اللبنانية وكذلك المساعدات التي تدخل إلى سوريا عن طريق لبنان .. ونحن مستعدون لإعطاء أسعار مخفضة ومنافسة للأسعار الموجودة في تركيا والأردن.

- ما هي توقعاتك للقطاع مستقبلا في حال إستمرار الوضع كما هو العام المقبل؟

إستمرار هذا الوضع سيؤدي لإقفال العديد من المصانع والمؤسسات في لبنان، لأن الديون على الشركات وصلت لمستويات غير مسبوقة والمصارف بدأت تتطالب المؤسسات بالسداد، وعدد كبير من الصناعيين لم يعد قادراً على ضخ أموال إضافية.