قرر مجلس الوزراء، في جلسته المنعقدة خلال الأسبوع الماضي، الأخذ باقتراح وجوب إقرار الموازنة وفقا للأصول وخلال المهل الدستورية، ومتابعة البحث في الجلسات اللاحقة لدراسة كافة الاقتراحات، بغية تحسين الوضع المالي.

وبعد صدور هذا القرار، عادت بادرة الأمل باقرار موازنة عامة للدولة، والتي يفترض أن تتضمن رؤية أقتصادية تحمل بعض المعالجات للمشكلات المطروحة  وتركز  أولا على رفع معدلات النمو. ويعود تاريخ آخر موازنة أقرها مجلس النواب، إلى العام 2005؛ فخلال السنوات العشر الماضية، غابت الموازنات، لأسباب عديدة ،. فلنأمل أن تكون 2016، سنة الوعود الصادقة، اذ ملّ لبنان واقتصاده، من وعود "الحبر على ورق".

فما هي تداعيات اقرار الموازنة، على الاقتصاد اللبناني؟ وما هي ايجابيات الاقرار وسلبيات عدم الاقرار؟ وما السبل التي من شأنها التخفيف من تأثير الدين العام على وضع المالية العامة؟

أجاب على هذه الأسئلة الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة ، في حديث خاص مع "الاقتصاد":

- في حال تم اقرار الموازنة في مجلس النواب، ما هي الانعكاسات والتأثيرات على الاقتصاد اللبناني؟

اقرار الموازنة يعني أن يصوت عليها مجلس النواب، وهذا الأمر بعيد وصعب للغاية في لبنان، لأن المجلس الحالي هو مجلس انتخابي لرئيس الجمهورية فقط؛ وبالتالي فإن الموازنة لن تقر في مجلس النواب. كما أن موافقة الحكومة عليها، لا تعني اقرارها.

واقرار الموازنة لن يغير الحالة القائمة، لأنها مجرد حسابات، والحسابات لا تغير الواقع الاقتصادي، بل تصور الموضوع. وبالتالي في حال الاقرار أو عدم الاقرار، سوف يبقى الوضع على ما هو عليه.

كما أن الموازنة لا تخفض من الانفاق العشوائي، بل هي بمثابة قانون ينظم الانفاق ويحصل الضرائب. وغيابها يعني عدم فهم ماذا يحدث في ما يخص الانفاق والايرادات، فقط لا غير!

هناك ضبابية كبيرة في هذا الموضوع، لكن الموازنة بحد ذاتها ليست بمثابة "سحر" سوف يغير بشكل مفاجئ الوضع الاقتصادي القائم. ولبنان صامد ولم ينهار، علما أنه منذ 10 سنوات لم يتم اقرار أي موازنة.

لذلك أعيد وأؤكد أن الموازنة هي قانون يسمح للحكومة أن تصرف وتحصّل الضرائب، وبالتالي لا تداوي المريض ولا تؤدي الى موته. فالموازنة ضرورية ولكن هل هي الشفاء؟ وهل هي المرض؟ بالطبع لا.

- هل برأيك لبنان بحاجة الى موازنة تقشفية؟

نحن بحاجة الى موازنة، ولكن اذا لم يتم اقرارها لن يتأثر الاقتصاد. كما أن الموازنة التقشفية غير ضرورية اليوم، لأن لبنان لديه انفاق كبير وضروري في ظل وجود اللاجئين السوريين، وبالتالي لا يمكن التقشف.

انما يجب توزيع الانفاق بشكل مختلف، وإدارة الانفاق بطريقة أفضل، بالاضافة الى البحث عن مصادر جديدة لزيادة الايرادات.

- ما هي السبل للتخفيف من تأثيرات الدين العام على المالية العامة؟

يجب تعزيز الحوافز للاستثمار في لبنان، كما يجب تخفيض حجم الدين العام من خلال الحصول على ايرادات اضافية. لكن هذا الأمر غير متوافر اليوم. لذلك علينا التركيز أكثر على المبادرات لزيادة الاستثمارات في البلد، وبالتالي المشاركة في زيادة حجم الاقتصاد. وحينها ستزيد الايرادات، وستنخفض نسبة الدين العام من الناتج المحلي.

انما هذا الأمر لا يتحقق بسبب وجود خلافات كبيرة في البلد على الأمور الأساسية التي تشكل بناء أي دولة في العالم.

- ما هي التدابير التي يجب اتخاذها اليوم من أجل خفض العجز في الموازنة والحد من نمو الدين العام؟

يجب أولا تخفيض الانفاق في الأمور التي تتيح التخفيض؛ لكننا نواجه اليوم في لبنان مشكلة كبيرة تتمثل في الفساد المستشري في البلاد، واذا لم نعالج هذه المشكلة، لن نتمكن من التقدم أبدا.

وثانيا، فيجب تحسين الايرادات الضرائبية وغير الضرائبية، ويمكن البدء بالمعالجة منذ هذه اللحظة، ولكن هذا الأمر لا يحصل للأسف. أما ثالثا، فيجب التركيز على العاملين معا.

- في ظل الظروف القائمة في لبنان اليوم، ما هي توقعاتك للنمو في نهاية 2016؟

النمو في لبنان ضعيف ولن يتخطى عتبة الـ1.5%، لأنه ناتج اليوم عن انفاق القطاع العام، في حين أن القطاع الخاص لا يتمكن من النمو.

والقطاع العام يتقدم بسبب الانفاق للسوريين واللبنانيين معا، وبالتالي فإنه لا يعتبر انفاقا صحيا أبدا.

لذلك فإن العامل الأهم بالنسبة الى الموضوع الاقتصادي والمالي اليوم، هو أن يفهم المواطن الوضع بشكل جدي، دون التهويل بالخراب، أو الكذب حول سير الأمور بسلاسة. وبالتالي يجب التركيز على الشفافية، لكنها للأسف غائبة في لبنان اليوم.