مع تشدّد الاجراءات والقوانين الدولية في قطاع الاعمال والمصارف وتفاقم صرامة شروط الرقابة، يلاحظ ان بعض الشركات في الخارج يتجه الى اخذ لبنان كمقر رغم كل  الاوضاع السائدة.

البعض يرى في لبنان جنّة ضرائبية تنجح في جذب رؤوس الاموال وتأسيس الشركات، والبعض ألآخر يلقي اللوم  في اوضاعه على سلطات تتمسّك بضرائب ورسوم مرتفعة ومعرقلة لسير الاعمال وتحقيق الارباح.

وفي الواقع، ان الملاذ الضريبي أو الجنة الضرائبية هي منطقة تفرض بعض الضرائب أو لا تفرض أي ضرائب على الإطلاق، أو هي دول تتمتع أنظمتها المصرفية بقوانين صارمة لتحافظ على سرية حسابات عملائها الأجانب فتساعدهم على التهرّب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية.

يمكن للأفراد او الشركات أن تجد نفسها تحت ضغط الإغراء للانتقال إلى المناطق التي تنخفض فيها معدلات الضرائب. وهذا يخلق حالة من التنافس الضريبي بين الحكومات. كما تعرف الملاذات الضريبية الآمنة بأنها الدول أو المناطق التي تمنح إعفاءات أو تخفيضات ضريبية للأثرياء من الأفراد والشركات لجذب الأموال والاستثمارات إليها، وتمنح هذه الملاذات حماية وحصانة للأثرياء من ملاحقات محققي ومحصلي الضرائب الدوليين، إذ يصعب على هؤلاء متابعة أموال الأثرياء التي يمكن أن تكون خاضعة لضرائب كبيرة في بلدانهم الأصلية.

هناك عدة تعاريف للملاذات ضريبية. اعتمدت "الإيكونوميست" على وصف جيفري كولن باول وهو المستشار الاقتصادي السابق لجيرسي: "بان الذي يحدد منطقة باعتبارها ملاذاً ضريبياً هو قيامها ببناء هيكل ضريبي يتعمد الاستفادة من واستغلال ذلك الطلب العالمي للتهرب من الضرائب". وتشير الإيكونوميست إلى أن هذا التعريف لا يزال يستبعد عددا من الاختصاصات على أنها ملاذات ضريبية. وقد اقترح آخرون أن أي بلد يعدل قوانينه الضريبية لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية يمكن أن يعتبر ملاذاً ضريبياً . وفقا لتعريفات أخرى  ، فإن السمة الرئيسية للملاذ الضريبي هو تقديم أو توفير قوانين وتدابير أخرى يمكن استخدامها للتهّرب من الضرائب أو تجنّب قوانين أو أنظمة ولايات قضائية أخرى.

ولكن هل ان القوانين  المعمول بها في لبنان وشروط  تأسيس الشركات فيه مؤاتية لجذب الشركات الى سوقه؟

حاصباني

الخبير  الاقتصادي د.غسان حاصباني  يقول "للاقتصاد" ان تأسيس الشركات في لبنان  يخضع الى إجراءات غير معقدة، ولكن الإطار العام الذي تعمل ضمنه الشركات ليس مشجعا بما فيه الكفاية لناحية الحماية القضائية والتوظيف وتسريح الموظفين. الا ان  هذه العوامل لا تكون عائقا كبيرآ للشركات العالمية. لكن العوائق الأكبر هي متعلقة بسوق العمل وإجراءات توظيف الأجانب والوضع السياسي والأمن غير المستقر. فهذه كلها عوامل غير مشجعة للشركات الأجنبية، عكس ما نراه في بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة.

"الاوف شور" لتخفيض التكاليف الضريبية

وعما اذا كان  التشدد في مراقبة اعمال الشركات ومحاسبة المتهرّبين من الضرائب في الخارج هو السبب الوحيد للجوء شركات "الاوف شور" الى لبنان ؟

يقول حاصباني: لا شك انه بعد الأزمات المالية أصبحت الدول أكثر حرصا على جباية ضرائبها والتدقيق في الملكيات والاهداف الحقيقية للشركات. لكن شركات "الاوف شور" تستخدم لتخفيض التكاليف الضريبية على أصحابها وهذا أمر طبيعي وقانوني وموجود منذ نشأة "الاوف شور" للقيام بأعمال خارج النطاق الجغرافي لبلد الشركة الأم. اما الأموال الوافدة من مصادر غير شرعية والتي تستعمل شركات "الاوف شور" فمشكلتها ليست "بألأوف شور" بل بمصدرها. ما يجب ان نحرص عليه هو ان يستقطب لبنان شركات "أوف شور" ذات مصادر شرعية. ولا اعتقد ان هناك ازدياد غير طبيعي في شركات "الاوف شور" في لبنان كما ان البلد ليس بمثابة جنة ضريبية أكثر من غيره.

وتبقى عوامل اخرى تستقطب انشاء او حتى دخول الشركات الى لبنان ولكن ماهي ؟

برأي د. حاصباني ان السرية المصرفية التي لا تزال صامدة قد تشكل عامل استقطاب في ظل تشديد الرقابة المالية في دول أخرى. ويجب ان يستفيد لبنان من هذا الظرف ويشجع على إنشاء شركات أكثر يمكن الاستفادة من رسومها.

الا ان رغم هذه الحوافز لبنان ليس بمنأى عن الضرائب التي ينهك البعض منها قطاع الاعمال والشركات والتجارة والصناعة . 

والسؤال  في اي مستوى هي السلة الضرائبية في لبنان، قياساً على ما هو مطّبق في البلدان المجاورة والعالم؟

وهنا يوضح د. حاصباني: مقارنة بالدول ذات الاقتصاد المتطور، ما زالت السلة الضرائبية في لبنان مشجّعة لكنها ليست أفضل من دول الجوار خصوصاً الخليجية منها. 

وبالنسبة للارباح التي سيجنيها لبنان او القيمة المضافة التي سيكتسبها من خلال استقطاب الشركات المسجلّة في الخارج يلفت د. حاصباني الى ان نظام "الاوف شور" في لبنان لا يقل أهمية عن غيره من البلدان. وهو  يفيد خزينة  الدولة من خلال الرسوم التي  تدفعها هذه الشركات ويحرّك عجلة العمل في أوساط مكاتب  المحاسبة والمحاماة التي تهتم  بشؤون  تلك الشركات. اما الشركات العالمية بشكل عام فيمكنها ان تخلق فرص عمل متعددة في ما لو  اتخذت من لبنان مقرا لها. كما أنها تدفع ضرائبها ورسومها للدولة مما سيرتد على تحسين وضع الخزينة اللبنانية بعد تعزيز مداخيلها.

تحسين السلة الضرائبية و تقليص الهدر

وفي  ما يتعلق بحاجة الاقتصاد اللبناني الى اي تعديل ضريبي يرى حاصباني انه من الممكن تحسين السلة الضرائبية لصالح خزينة الدولة ، شرط ان يقلص الهدر والفساد، ويحّسن أداء قطاعات الصحة والكهرباء والاتصالات كي لا تبقى  بمثابة ضريبة إضافية على المواطن. كما يجب البدء بتحصيل الضرائب الحالية المترتبة على المؤسسات والشركات والأفراد بشكل أفضل لزيادة واردات  الخزينة دائماً، وذلك  شرط وقف الهدر في القطاع العام. فلا فائدة من جباية الضرائب من المواطنين  ومن ثم صرفها عن طريق الهدر.

وفي هذا السياق، هل من قطاعات لم تعد الضرائب مؤاتية  فيها؟

يلفت هنا د. حاصباني الى ان الضرائب ضرورية في جميع القطاعات ولكن بالامكان  استحداث حوافز ضريبية لبعض القطاعات بهدف تشجيع الاستثمار فيها مثل بعض الصناعات التقليدية،  وصناعة التكنولوجيا التي يمكن ان يبرع  بها لبنان.